رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد بن سعد المقرن 12 يناير، 2015 0 تعليق

القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها(3)

من المعلوم تفوق الرجال على النساء في الجملة في العقل والقوة، على عكس النساء، فهن جبلن على الرقة والعطف واللين

ب – النفقة: بمجرد تمام عقد الزواج وتمكن الزوج من الاستمتاع بالزوجة يلزم الزوج الإنفاق على زوجته، وتوفير ما تحتاجه من مسكن وملبس، قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 233)، وقال صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على وجوب إنفاق الزوج على الزوجة. قال ابن قدامة: «اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن، وفيه ضرب من العبرة وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب، فلا بد من أن ينفق عليها».

ولا شك أن إنفاق الرجل على زوجته من أعظم أسباب استقرار الأسرة واستدامة الزواج، كما إنه دليل على علو مكانة المرأة ورفيع منزلتها.

     لكن ينبغي أن يعلم أن النفقة على الزوجة والأولاد يكون بقدر كفايتهم وأن ذلك بالمعروف، دليل ذلك قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ  وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا  سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7).

     ولما جاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»، وهذا الحديث كما يدل على وجوب النفقة وكونها بقدر الكفاية بالمعروف فهو يدل أيضاً على جواز أخذ الزوجة من مال زوجها بغير علمه إذا لم يعطها ما يكفيها.

ج – المعاشرة بالمعروف:

     إن من حق المرأة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19)، ولا شك أن المعاشرة لفظ عام يشمل جميع جوانب الحياة الأسرية، والتعاملات الزوجية التي تقع بين الزوجين، وبناء عليه فإن الزوج مطالب بأن يحسن إلى زوجته من جهة تحسين الحديث، والتأدب معها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، ومن جهة التجمل لها ومراعاة ما يدخل السرور عليها، والتجاوز عما قد يبدر منها مما يكدر الصفو.

     قال القرطبي في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والمراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج؛ وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهنّ لتكون أُدْمَة بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وهذا واجب على الزوج، وقال بعضهم: هو أن يتصنّع به.

     قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: «أتيت محمد ابن الحنفية فخرج إليّ في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية، فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهنّ»، وقال ابن عباس رضي الله عنه: «إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي».

     وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} «أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 228)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك، قالت رضي الله عنها: «سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني فقال: هذه بتلك»، ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع امرأته في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21).

العدل والإنصاف في استخدام هذه الوظيفة:

     إن قوامة الرجل إنما هي وظيفة شرعية جعلها الشارع للرجل، ومن ثم فإن على الرجل مراعاة النصوص الشرعية عند مباشرة تلك الوظيفة، بأن يكون عادلاً في تعامله، منصفاً في معاملته لزوجته، مراعياً حقوقها وواجباتها، ومما يؤسف له أن الكثير من الرجال يستخدمون وظيفة القوامة على أنها سيف مسلط على رقبة المرأة، وكأنه لا يحفظ من القرآن الكريم سوى آية القوامة، ولا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم سوى الأحاديث التي تبين عظيم حق الزوج على زوجته، وينسى أو يتناسى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذر الأزواج من ظلم أزواجهم، وتبين لهم حرمة الاعتداء على النساء سواءٌ أكان ذلك الاعتداء مادياً أم معنوياً؛ وهذا مما جعل الكثير من أعداء الإسلام يتمسكون بمثل هذه القضايا لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.

     إن وظيفة القوامة تعني مسؤولية الزوج عن إدارة دفة سفينة العائلة، وسياسة شؤون البيت ومراعاة أفراده، وعلى رأسهم الزوجة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير متاع الدنيا، وليس للزوج الحق مطلقاً في استغلال هذه الوظيفة في الإساءة للزوجة والتقليل من شأنها أو تكليفها ما لا تطيق، فإن فعل فإن للمرأة أن ترفع أمرها إلى وليها أو من تراه من المسلمين لردع ذلك الزوج وتبصيره سواء السبيل.

مقتضى القوامة:

كما تقدم لا تعني القوامة إلغاء حقوق المرأة وتهميش شخصيتها، ولا تعني أيضاً الإذن للرجل بإيذاء المرأة والنيل منها.

إن مقتضى القوامة هو قيام الرجل بواجباته تجاه المرأة وأسرته من تقديم المهر ابتداءً للمرأة وتوفير المسكن والملبس اللائق بها وأداء النفقة الواجبة عليه.

يقول ابن العربي في قوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة: 228) قال: «بفضل القوامية؛ فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة ويحجبها ويأمرها بطاعة الله تعالى».

     كما إن من مقتضى القوامة إشراف الرجل على المرأة من جهة أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر بالحسنى، وكذلك تعاهدها بالتعليم والرعاية واستحضار معاملة النبي[ لزوجاته والتأسي به في ذلك كله.

     ومن هنا يمكن اختصار القول في القوامة بأنها تقتضي إدارة الرجل لأسرته وقيادته لها إلى أن تصل إلى بر الأمان، ولا شك أن معنى الإدارة والقيادة تشمل الإشراف التام على من تحت يده، لكن ينبغي أن ينبه إلى أن تلك الإدارة وتلك القيادة لا تعني تهميش الآخرين الذين يشرف عليهم، بل الاستئناس بآرائهم ومشاورتهم في أمور ذلك البيت الإسلامي.

     ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم القائد الأعلى يستشير أصحابه في كثير من الأمور، فقد استشار أصحابه في منزله يوم بدر، واستشارهم في أسرى بدر، بل وقبِلَ مشورة زوجته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها كما في عمرة الحديبية.

     لقد حقق النبي صلى الله عليه وسلم  القوامة بمعناها الحقيقي دون أن يكون ذلك تهميشاً لحقوق المرأة، ودون أن يكون ذلك إهانة للمرأة، ودون أن يكون ذلك تسلطاً وتجبراً على هذا المخلوق اللطيف الرقيق.

فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: «إذا كان صلى الله عليه وسلم في بيته يكون في مهنة أهله».

إن من مقتضى القوامة قيام الزوجة بواجباتها تجاه زوجها، ومن تلك الواجبات:

1 – طاعته بالمعروف:

     إن الشارع الحكيم أوجب على الزوجة طاعة زوجها في غير معصية الله تعالى «ووجوب الطاعة في الحقيقة من تتمة التعاون بين الزوجين؛ وذلك لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع فإن كانت سليمة كان المجتمع سليماً، ولا تستقيم حياة أي جماعة إلا إذا كان لها رئيس يدير شؤونها ويحافظ على كيانها، ولا توجد هذه الرياسة إلا إذا كان الرئيس مطاعاً، وهذه الرياسة لم توضع بيد الرجل مجاناً، بل دفع ثمنها؛ لأنه مكلف بالسعي على أرزاق الأسرة والجهاد من أجلها مع ما في تكوينه وطبيعته من الاستعداد لها».

ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على طاعة أزواجهن كما تقدم.

2 – القرار في البيت:

     من حقوق الزوج على زوجته قرارها في بيته وعدم خروجها منه إلا بإذنه ما لم يكن ضرورة شرعية تبيح ذلك، وقرارها في بيتها ليس استعباداً لها أو كبتاً لحريتها، بل هو تشريف لها، فهي مسؤولة عن بيتها ترعاه وتحوطه وتقوم على تنظيمه بما يكفل السعادة لأفراد أسرتها قال[: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».

3 – عدم إذن الزوجة لأحد يكره زوجها دخول بيته:

قال صلى الله عليه وسلم : «فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون».

4 – القيام على شؤونه:

     من حقوق الزوج رعاية الزوجة لجميع أموره فتحفظ ماله، وتراعي كتم أسراره التي لا يأذن بنشرها بين الناس، وتتعاهد مأكله ومشربه، ومنامه، ولقد كان هذا هو شأن الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن؛ ومما ورد عنهن في ذلك ما يأتي:

1 – عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: «تزوجني الزبير ومالَه في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهنّ مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم  أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم  وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني».

2 – وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن بلالاً بطأ عن صلاة الصبح فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حبسك؟ فقال: مررت بفاطمة وهي تطحن والصبي يبكي، فقلت لها: إن شئت كفيتك الرحى وكفيتني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي وكفيتني الرحى، فقالت: أنا أرفق بابني منك فذاك حبسني، قال: فرحمتها رحمك الله».

     ولعل في هذه الأحاديث ما يواسي قلوب كثير من النساء إذا عرفن أن نساء الصحابة -رضوان الله عليهن وهن من خير القرون- كن يخدمن أزواجهن ويقمن بشؤونهن، بل كنّ يرين ذلك من العبادة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك