رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 13 أكتوبر، 2015 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية47- (من التَزَمَ معرُوفاً لزمه)

نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.

(من التزم معروفاً لزمه)(1) قاعدة جاءت بألفاظ مختلفه، منها: (المعروف يلزم من التزمه)، و(من التزم شيئاً لزمه شرعاً) (2)؛ و(كل من التزم شيئاً وأوجبه على نفسه يكون لازماً وإن كان من المعروف المحض)(3).

ومعنى القاعدة أن من ألزم نفسه فعل برّ ومعروف لزمه فعلُه، وصار واجباً عليه بالتزامه إياه، وإن لم يكن واجباً عليه قبل ذلك؛ إذ الأصل براءة ذمة الإنسان من أن يجب عليه شيء إلا بموجِبٍ لذلك، والالتزام من هذه الموجبات على ما تقرره القاعدة(4).

      وذلك يعني أن بعض الأعمال قد تكون مستحبة، ولكنها إذا تعلقت بمصالح المسلمين العامة، وشرع به المسلم، يتحول الأمر إلى واجب، فالعاملون في المؤسسات الخيرية يؤدون وظيفة عظيمة لا ينهض بها إلا من كان على السداد والتوفيق والهداية والإحسان، فنفعهم متعد.

فالتأصيل الشرعي للأعمال الخيرية إما أن تكون واجبة على الكفاية، وإما أن تكون واجبة على الأعيان؛ فهي داخلة في الفريضة إما على الأعيان، وإما على الكفاية.

والنذر في الطاعة كذلك واجب الوفاء لمن قدر عليه، وإن كانت تلك الطاعة قبل النذر غير لازمة له فنذره لها قد أوجبها عليه؛ لأنه ألزمها نفسه، فكل من ألزم نفسه شيئاً لله فقد تعين عليه فرض الأداء فيه (5).

واستثنى أهل العلم ومنهم المالكية اللزوم حالتي الموت والفلس فينصون على أن المعروف لازم لمن أوجبه على نفسه ما لم يمت أو يفلس(6).

ومن التطبيقات الخيرية لهذه القاعدة:

1- من وعد غيره بوعد كإعطائه مساعدة أو هبة مثلاً فقد ألزم نفسه بما لم يكن لازماً فيجب عليه إنفاذه والوفاء به، كمن التزم مساعدة طالب علم لإكمال دراسته الجامعية، فإنه ملزم مادام يستطيع أن يستمر في كفالته حتى تخرجه.

2- ليس لأعضاء مجلس إدارة مؤسسة خيرية وقيادات العمل الخيري أن ينسحبوا وقتما شاؤوا؛ لأنهم بالشروع والدخول في هذه المؤسسة تعين عليهم العمل وجوبًا، وليس استحبابًا؛ لأن جنس العمل يتعلق بمصالح المسلمين العامة، وهو لا يخرج عن الوجوب الشرعي في جميع الأحوال.

3- وكذلك من التزم كفالة يتيم حتى يبلغ الحلم فإنه ملزم باستمرار كفالته مادامت له القدرة في الاستمرار. ومثله من وعد داعياً في كفالته خلال رحلته الدعوية، وألزم نفسه بذلك، فلا يخذله بعد سفره، ويقطعه عن المساعدة.

4- من ضمن وكفل صاحب حاجة اقترض من مؤسسة خيرية قرضاً حسناً، فإن الضامن ملزم بما أوجبه على نفسه من الضمان؛ لأن ذلك معروف والمعروف من أوجبه على نفسه لزمه(7).

5- من قال لآخر تزوج وعلي الصداق أو جزء منه، فتزوج الآخر فعلى من قال ما ألزم نفسه؛ لأن هذا بر التزمه فلزمه الوفاء به.

6- إذا أسكن محسنٌ إنساناً في بيت يملكه، واتفق معه أن يكون ذلك مجاناً بلا عوض، مدة معينه أو مدة حياة المحسن لزمه ذلك مالم يفلس أو يمت.

الهوامش:

1- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/26.

2- أحكام القرآن لابن عربي 4/241.

3 - النوازل الجديدة الكبرى للوزاني 9/481.

4 -معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية، القاعدة رقم 513، (10/409).

5 - شرح ابن بطال على صحيح البخاري(6/157).

6 - معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية، القاعدة رقم 513، (10/413).

7 - انظر: السيل الجرار للشوكاني، (1/799).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك