القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 51- (ما كان حقاً لله استعين ببعضه على بعض)
نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.
(ما كان حقاً لله استعين ببعضه على بعض)(1)، قاعدة فقهية في غاية الأهمية في إدارة الأموال الخيرية والوقفية، ولها صيغ أخرى منها:
(ما كان لله يجوز صرف بعضه في بعض)(2).
(لا بأس فيما هو لله أن يصرف فيما هو لله)(3).
(الأحباس كلها إذا كانت لله -تعالى- جاز أن ينفق بعضها في بعض) (4).
ومقصود القاعدة أن ما كان حقا لله تعالى من الحقوق المالية، كالذي جمع ورصد للخيرات كالصدقات والكفارات والنذور والإغاثات والأوقاف، يُعمل بهذا المال بمقتضى المصلحة والنفع، فالكل لله تعالى، وما دام غير مخصص فيستعان ببعضه للصرف على بعضه إن لم يخالف المصرف الذي اشترطه الواقف أو المتبرع.
وهذه القاعدة مقيدة في إعمالها بألا يكون المصرف الذي تقرر له المال محتاجاً إليه، وهذا ما عبرت عنه بعض القواعد المقيدة للقاعدة(5)، وعليه فلا يصرف المال الذي هو حق لله -تعالى- من جهة إلى جهة إلا إذا تعذر صرفه في الجهة الأولى أو تم الاستغناء عنه، فما تقرر للفقراء والمساكين لا يصرف لمشروع آخر ما داموا يحتاجون إليه، وما تم حبسه لبناء مسجد لا يصرف إلى غيره إلا إذا تعذر بناء المحبس عليه(6).
وهذه القاعدة توجه طريقة الصرف في الأعمال الخيرية والوقفية وضوابط نقل المال من مصرف إلى آخر، وأن التصرف بالمال الخيري والوقفي مقيد بضوابط فقهية ينبغي أن يتقيد بها من وكل بصرفها.
ومن التطبيقات العملية الخيرية والوقفية المتعلقة بهذه القاعدة:
1- لو تبرع أهل الخير بأموال لإغاثة بلد ما وقد زالت نائبتهم، فيجوز تحويلها لبلد أكثر حاجة ومأساتهم ما زالت قائمة؛ وحيثما كانت المصلحة فهي الأولى.
2- من حبس وقفاً للصرف من ريعه على طلبة العلم بمكان بعينه، ثم تعذر وجود طلبة العلم في ذلك المكان، فإن الوقف لا يبطل، ويُصرف ريعه على طلبة العلم في مكان آخر يتوافرون فيه.
3- إذا أوقف وقف على إمام مسجد ما، وزاد الريع عن أجر المثل في عرف زمنه، وكانت الحاجة للصرف على إمام مسجد آخر، فيعمل بما هو في مصلحة إعمار بيوت الله والقيام بالإمامة والخطابة، فيعطى غيره من الأئمة من ذلك المال.
4- إذا حبست أرض لدفن الموتى، فضاقت بهم وبجنبها ساحة لمسجد فإنه يجوز ضمها للمقبرة؛ لأن كل ما كان لله استعين ببعضه على بعض (7).
5- يجوز نقل أنقاض المسجد إذا دثر وتعذرت عمارته لاستخدامها في بناء مسجد آخر؛ لأن كل ما كان لله فلا بأس أن يستعان بعضه في بعض(8).
6- لو تبرع متصدق لبناء مدرسة في بلد ما، ولم تتمكن المؤسسة من إقامتها في تلك البلد، يرجع في أمرها للمتبرع لتوجيه المبلغ وجهة أخرى إن كان ما زال حياً، وإن لم تتمكن المؤسسة التواصل مع المتبرع أو ورثته، فيمكن إقامة المشروع في بلد آخر.
الهوامش:
1- الذخيرة للقرافي 6/338، وقاعدة رقم 796 في معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية ( 13/523).
2 - معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية ( 13/523).
3- المعيار المعرب للونشريسي 7/551، الكليات الفقهية لابن غزي ص580.
4- العقد المنظم 2/107.
5 - كقيد: «لا يجوز نقل الأحباس عن سننها ما دام المحبس عليه محتاجا»، وبلفظ آخر: «لا تصرف غلات الأحباس بعضها إلى بعض فيما يحتاج إليه» العقد المنظم لابن سلمون 2/107.
6 - انظر: النوازل الصغرى للوزاني 4/151، البحر الزخار 5/158.
7 - انظر: الذخيرة للقرافي6/338.
8 - الفتاوى لابن تيمية 31/6.
لاتوجد تعليقات