رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 24 فبراير، 2014 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية

 

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع، الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.

 

     «الإحسان إلى الأبرار أولى من الإحسان إلى الفجار» (1)، ضابط من ضوابط الصرف في المؤسسات الخيرية والأعمال الخيرية، فالإحسان إلى الغير مطلب شرعي وصفة من صفات المؤمنين، وقد يكون هذا الغير مسلمًا برًا أو مسلمًا فاجرًا، فالإحسان إلى المسلم البر أولى على العموم من الإحسان إلى المسلم الفاجر، إلا إذا كان الإحسان إلى هذا الأخير فيه مظنة التأثير عليه ورجوعه عن فجوره.

سئل ابن تيمية - رحمه الله - عن إعطاء الزكاة للمبتدع، فقال: «المزكِّي عليه أن يتحرى بزكاته أهل الدين الملتزمين بالشريعة، أما أهل الفجور فلا ينبغي أن يعانوا على فجورهم بالزكاة» (2).

ففي صدقة الفرض يقدم المسلم التقي الورع على المسلم الفاسق الفاجر، وفي صدقة التطوع يقدم المسلم عموما على الكافر.

وصاحب الحاجة أولى بالتقديم من ممن لا حاجة له: فالعطية كما تكون بحسب التقوى والصلاح، تكون أيضا بحسب الحاجة، فيقدم المسلم التقي ذي الحاجة على المسلم التقي ذي الحاجة الأقل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يأكل طعامك إلا تقي» (3).

فالصدقة والإحسان وإن كانا يجوزان للبَر والفاجر، والمسلم والكافر، إلا أن المسلم مقدَّم على الكافر، والمسلم البَر أولى من الفاجر.

فمن كان من المسلمين مسرفاً على نفسه في المعاصي مرتكباً للكبائر فإنه لا يعان على ذلك لا بصدقة ولا بغيرها، بل يحرم على المرء الدفع إليه منها، إذا كان سيستعين بها على معصية الله.

جاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية، في باب صدقة التطوع: يحرم دفع صدقة التطوع إلى العاصي بسفره أو إقامته إذا كان فيه إعانة له على ذلك، وكذا يحرم دفعها إلى الفاسق الذي يستعين بها على المعصية وإن كان عاجزاً عن الكسب(4).

فالإنسان ينبغي له أن يتحرى بصدقته المستحقين من أهل الدين والصلاح، وأما من أظهر فجوراً فإنه يستحق العقوبة والهجر فكيف يعان على فجوره ومعصيته!.

     وتَصرف من تولى أمر الصدقة منوط بالمصلحة، جاء في الأشباه والنظائر: «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وهذه القاعدة نص عليها الشافعي، وقال: «منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي في اليتيم»، فالإمام إذا قسم الزكاة على الأصناف يحرم عليه التفضيل، مع تساوي الحاجات.. ومن فروع ذلك أنه لا يجوز له - أي الإمام - أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج»(5).

وأضاف السيوطي: «وإنما وظيفة الإمام القسمة، والقسمة لا بد أن تكون بالعدل، ومن العدل: تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات» (7).

     ولا شك أن الإحسان إلى عباد الله الواجب منه هو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجَّه عليك مِن الحقوق. قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } (النساء:36)، فأمر بالإحْسَان إلى جميع هؤلاء.

     فعلى العاملين في المؤسسات الخيرية والتطوعية أن يتقوا الله فيما ائتمنوا عليه، وأن يحسنوا للناس، وأن يكونوا منصفين في توزيع مساعداتهم، فالمتبرعون قد أمنوهم على أموالهم لتوضع في أيدي أصحاب الحاجة ومن يستعين بها على أمر دينه ودنياه، وأن يقدم الأحوج ذو الدين والخلق والتعفف.

الهوامش:

1- فقه الأولويات، دراسة في الضوابط، محمد الوكيلي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي – ط1، 1997، ص 261.

2- مجموع الفتاوى: (25/87)

3- سنن أبي داود: (4832)، سنن الترمذي: (2395)، مسند أحمد: (3/38) عن أبي سعيد الخدري، - رضي الله عنه.

4- أسنى المطالب، باب صدقة التطوع ( 1/406 ).

5- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الفقه الشافعي، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، لبنان ط1، (1413-1983م)، ص 121.

6- الأشباه والنظائر، ص 122.

7- سورة النِّساء: الآية 36.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك