رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 13 أبريل، 2015 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 39 – قاعدة عظيمة هي : المتوقع كالواقع

نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.

     المتوقع كالواقع(1)، قاعدة فقهية مفادها أن الشرع قد يحتاط لما يكثر وقوعه كاحتياطه لما تحقق وقوعه، فمن فقه التوقع، معرفة المتوقع، وبذل الأسباب لتخفيف الأضرار وتجنبها ما أمكن ذلك.

     والفطنة مطلوبة في كل من تولى أمراً من أمور المسلمين، فلا بد أن يعرف السياسات، ويُلم بالأسرار، ويدرك الغايات، ويتوقع المآلات والنهايات، ولا يتحقق ذلك إلا إذا أُعمل الفكر، ورُوض الرأي، وأَوقد البصيرة.

ومما قيل في عبارات وألفاظ قريبة من توقع المتوقع:«منع المبادي أهون من قطع المتمادي»، فالأمور إن لم تؤخذ من مباديها جرت أموراً يعسر تداركها عند تماديها.

     ومع كثرة الأحداث والمستجدات التي نعيشها، فلا بد من العمل والدفع لأفضل الحالات، وتخفيف سوء المآلات، ولاسيما في حال النوازل الواقعة والمتوقعة، ونحن على يقين أن كل واقعة لها حكم في شريعة الله، بعضها يسهل الوصول لحكم الله فيها، وأخرى بحاجة للرجوع إلى القواعد والضوابط الفقهية وإعمالها لمعرفة حكمها الشرعي.

وتوقع المتوقع، لا يعني أن نسبح في بحر التوقعات البعيدة، التي لا ساحل له ولا ثمرة من الخوض فيها، وهذه مسائل قد فصلها أهل العلم.

     ومن فضل الله -تعالى- أن القواعد والضوابط الفقهية كانت وما زالت عوناً للعاملين في المؤسسات الخيرية ولجانها الشرعية، في معرفة أحكام المسائل التي يواجهونها، والمسائل التي يتوقع حدوثها، فالقواعد تحفظ لنا الموجود، وتدفع الوقوع في المحظور، كقاعدة الدفع أسهل من الرفع، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.

 ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية:

1- من فقه المتوقع، وضع الخطط الاستراتيجية والتشغيلية للمؤسسات الخيرية والوقفية، وكذلك تقديم دراسات الجدوى للمشاريع المطروحة قبل تنفيذها، وإدارة المخاطر قبل وقوعها وحال وقوعها أضحت من مستلزمات وأساسيات العمل المؤسسي، فلا بد الأخذ بها وعدم تغافلها.

2- الاجتهاد وإعمال الفكر وعدم الركون إلى الواقع، فعلى المؤسسات الخيرية أن تعقد ورش العمل والندوات والمؤتمرات لاستشراف المستقبل ودراسة الواقع وتوقع المستقبل، ويجتهد كذلك في وضع الحلول للمتوقع في حال حدوثه، والتحضير والاستعداد له.

3- في حال الحروب والنزوح واللجوء يتوقع كثرة الأمراض بين الفارين من مواطن الكوارث، فلا بد من توفير الأجهزة الطبية والأدوية والكوادر الطبية لمعالجة المرضى.

4- وفي حال توقع دخول منطقة ما في منخفض جوي شديد وعواصف ثلجية، فيعمل على توفير الطعام والغطاء والدفء للأسر والأفراد، وطرق الوصول إليهم في الوقوع حالات مرضية طارئة.

5-  ودحض الشبهات المتوقع انتشارها بين المسلمين، وتحصين العقول من أن تتشرب الآفات، أولى وأسهل من معالجتها بعد انتشارها، فينبغي أن يفرغ دعاة إلى الله لينشروا العلم، ويكثفوا جهودهم للرد والتحصين.

6- وكذلك في حال الاختلاط وتبرج النساء، ولاسيما في مواطن التجمعات المكتظة بسبب نزوج أو فرار من أمر طارئ، فقد يفشو الزنا، وتنتهك الأعراض، بالأخص مع تغير البيئة وضعف الوازع الديني، فيُعمل على حفظ الأعراض قبل أن تَعُم البلوى.

7- وحينما نختار قيادة لإدارة المؤسسات الخيرية فلا بد أن يكونوا ذوي كفاءة علمية وإدارية، حتى يحفظوا الأموال ويصرفوها في مصارفها الشرعية، ويحسنوا إدارة مؤسساتهم، فالمتوقع ضياع الأموال والجهود أن تسلط على تلك المؤسسات من لا قدرة لهم ولا خبرة على مثل تلك الأعمال.

8- واللجان الشرعية في المؤسسات الخيرية والوقفية لا بد أن تكون مؤهلة لهذه المهام، وقادرة ومتمكنة شرعياً لمعرفة أحكام المسائل التي تعرض عليهم.

الهوامش:

1- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين بن عبد السلام، الجزء الأول، ص 107.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك