رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 4 مايو، 2015 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 42- قاعدة: الاجتهاد لا ينقص بمثله

نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، ومعها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.

(الاجتهاد لا ينقض بمثله) (1)، قاعدة يوردها بعض العلماء بالقول: (الاجتهاد لا ينقض باجتهاد) وهما بمعنى واحد وإن اختلف اللفظ.

     وتفيد هذه القاعدة أن المجتهد إذا أفتى أو قضى بناء ً على اجتهاد، ثم اجتهد ثانية – لوقوع ما يستدعي اجتهاده – أو اجتهد غيره، فأدى الاجتهاد الثاني إلى خلاف ما أدى إليه الاجتهاد الأول، فإن ما ثبت بالاجتهاد الأول لا يُنقَض حكمه، ولا يرجع فيه بعد نفاذه، ولا يلزم من عمل بموجب الاجتهاد الأول أن يعيد – إذا كان مما تتصور فيه الإعادة – ولكن يغير المجتهد الحكم في المستقبل لانتفاء الترجيح الآن.

     فإن اجتهاد المجتهد في المسائل الظنية التي لم يرد فيها دليل قاطع لا ينقض باجتهاد مثله إجماعاً، أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد؛ لأنه لو نقض الأول بالثاني لجاز أن ينقض الثاني بالثالث، لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير، وذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويلزم التسلسل.

     لأن نقض كل اجتهاد يؤدي إلى ألا يستقر حكم، وفي ذلك مشقة شديدة فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض ولا ننتهي‏؛‏ فاجتهاده الأخير كما غلب على ظنه أنه هو الصواب قد يأتي اجتهاد لاحق يجعل هذا الاجتهاد ليس صوابا.

     قال د. عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف بعد أن ذكر هذه القاعدة وأنها في معنى (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) ما نصه: «يريد الفقهاء بهذه القاعدة أن من غلب على ظنه - بالاجتهاد - حكم فعمل به أو أفتى به، ثم اجتهد ثانية - لوقوع ما يستدعي الاجتهاد الثاني -، أو اجتهد غيره فأدى الاجتهاد الثاني إلى خلاف ما أدى إليه الاجتهاد الأول فإن ما ثبت بالاجتهاد الأول لا ينتقض بسبب الاجتهاد الثاني، ولا يلزم من عمل بموجب الاجتهاد الأول أن يعيد - إذا كان مما تتصور فيه الإعادة –»(2).

ومن مستثنيات القاعدة، أنه يجوز نقض قضاء القاضي إذا خالف نصًّا صريحًا من كتاب أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا فإن الحكم ينقض إذا خالف.

     فلو تنازع اثنان في دار: أحدهما خارج عن الدار، والثاني داخل فيها، فأقام الخارج بينة ادعى فيها أن الدار داره، وأن الشخص الذي فيها غاصب لها، ورفع الأمر إلى القاضي؛ فحكم له القاضي بناء على بينته، ثم أقام الداخل بينة شهدت له بأن هذه الدار قد ورثها عن أبيه، أو أنه اشتراها بحر ماله؛ فحكم القاضي له بناء على البينة الجديدة، ووضع اليد فالأصح أن اجتهاده الأول كان مبناه على خطأ، وقد ظهرت بينة الثاني مع وضع يده، وهو أقوى، فعدول القاضي في هذه القضية لا يسمى نقضًا، وإنما تبين له الخطأ في القضاء لمن رجحت حجته بالبينة، ووضع اليد؛ فيسمى هذا: عدولًا عن الخطأ.

ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية:

1. لو اجتهد الإداريون القائمون على العمل الخيري أمرًا في واقعة ما، ثم وقع الأمر نفسه، فيما بعد واجتهدوا بخلاف اجتهادهم في الأمر الأول، فإن الحكم السابق الأول المبني على الاجتهاد لا ينقض.

2. لو وقف على مسجد قنديل ذهب أو فضة لم يجز ويبطل خصوص الوقف، وقيل يزول ملك الواقف عن قنديل الذهب والفضة ويكسر أو يباع ويعمل زينة للنساء، ويصرف ريعه للمسجد، وقيل يبطل الوقف أساسًا(3).

3. فلو شهد شاهد بأن هذا الرجل من أصحاب الحاجة وقد أصابته فاقة، وأعطي له بناء على تلك الشهادة، فلا يسترد منه ما أُعطي من المؤسسة الخيرية، إن أتى الشاهد نفسه ونقض شهادته.

4. إذا قوم شخص عقارًا أو سيارة؛ فقال: إن هذا المنزل أو هذه السيارة تساوي كذا، ثم اطلع على صفة زيادة أو نقص، وتبين له أن القيمة الحقيقية خلاف ما قوم بها؛ بطل التقويم الأول، وهذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا باجتهاد، فهذا ليس من قبيل نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وإنما هو نقض الاجتهاد لمخالفته النص.

5. لو زوجة ادعت أن زوجها وقف كل ما يملك في أثناء مرضه بقصد حرمانها من الميراث، فأنكر الورثة وقالوا: إنما طلقها حال صحته، ففي هذه المسألة تطبق القاعدة، ويضاف الطلاق إلى أقرب الأوقات، وأقرب الأوقات: أنه طلقها وهو مريض، فالوقف لا ينعقد وترث المرأة.

6. لو اجتهد العامل في المؤسسة الخيرية وقسم باجتهاده قسمة ليست عادلة، وتبين الخطأ في تلك القسمة، تنقض لفوات شرطها في الابتداء وهو العدالة(4)، ولظهور فيها غبن فاحش؛ فالعدالة مطلوبة في تقسيم المخصصات من كفالات الأرامل والأيتام، وكذلك ريع الوقف على الموقوف عليهم.

7. ولو أفتى مفت بأن المسألة القول فيها هو الحرمة ثم تبين له الجواز فلا يلزم المفتي أن يعود إلى المستفتي  ويخبره.

الهوامش:

1- السيوطي: الأشباه والنظائر، (1/225).

2- السيوطي: الأشباه والنظائر، (1/225).

3- ابن اللحام: القواعد: 228.

4 - انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 104.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك