رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 مايو، 2015 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 43- قاعدة: لا زكاة فيما ليس له مالك معين

نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.

«ما وُقف على جهة عامة فلا زكاة فيه»(1)، ضابط والمراد به البيان بسقوط الزكاة عن جميع ما وقف على جهات عامة النفع للأمة كالمساجد والجهاد ونحو ذلك.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ما وقف للفقراء والمساكين فليس فيه زكاة» (2). «وما وقف على المساجد فلا زكاة فيه»(3). «ومن وقف أرضاً أو غنماً في سبيل الله لا زكاة عليه»(4). «وما وقف للجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيه» (5). «وما وقف على الكراع والسلاح إن كان عاماً لا يعتقبه التخصيص فلا زكاة فيه»(6).

وقال أيضاً: وما وقف على الفقراء أو المساكين أو الفقهاء أو بئر أو مدرسة أو رباط أو قناطر أو وجوه الخير فلا زكاة فيه.

     فأموال الوقف لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مملوكة لأحد، سواء كانت مستثمرة أم غير مستثمرة، وإذا استثمر الوقف فإن ريعه يصرف في مصارفه التي حددها الواقف، كالفقراء والمساكين والعجزة وطلبة العلم وغيرهم، ومن أخذ شيئاً من هذا المال، وحال عليه الحول، وكان نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من ماله، لزمه زكاته؛ لأنه مال مملوك له توفرت فيه شروط الزكاة.

     وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: قبيلة من القبائل كونوا مبلغا من المال، وجعلوا هذا المبلغ خاصا لما يجري على هذه القبيلة من الدم، ومشوا هذا المبلغ للتجارة، والربح الناتج عايد للدم أيضا. فهل يجب بهذا المبلغ زكاة أم لا؟ وإذا لم يتاجر فيه هل عليه زكاة أم لا؟ وهل يحق للقبيلة نفسها أن تدفع فيه زكاة أموالها من النقدين؟.

فأجابوا: «إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور؛ لكونه في حكم الوقف، سواء كان مجمدا أم في تجارة تدار، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة؛ لكونه ليس مخصصا للفقراء، ولا غيرهم من مصارف الزكاة» (7).

ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية:

1- مال الدولة أو (بيت المال) وما جُمع في خزانة الدولة، هو مال عام، فلا تجب الزكاة فيه؛ إذ ليس له مالك معين ولا قدرة لأفراد الناس على التصرف فيه، ولا حيازة لهم عليه؛ ولأن مصرفه منفعة عموم المسلمين ورصد للنفع العام.

2- لو جمع مال من قوم أو عشيرة للإعانة على الحوادث والديات وإقراض من يحتاج إلى الزواج، فأموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة؛ لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين, ولا زكاة فيما ليس له مالك معين (8).

3- وكذلك المال الموقوف لا زكاة فيه؛ لأنه ليس ملكا لشخص معين، سواء استثمر أم لم يستثمر؛ وكذلك لا زكاة في الأعيان الموقوفة؛ بينما تجب في ريع أموال الوقف على معين، كريع أموال الوقف الأهلي (الذري) ولا تجب في ريع الوقف الخيري.

4- والمال الذي يوضع في مؤسسة خيرية أو صندوق خيري، لغرض إقراضه للمحتاجين، أو مساعدتهم فيما ينوبهم، من حوادث وغيرها، لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه مال غير مملوك لمعين، فهو كالأموال الموقوفة، لا تجب فيه الزكاة.

5- والزكاة لا تجب في سوائم الوقف، والخيل المسبلة؛ لأنها غير مملوكة، ولا تجب الزكاة فيما استولى عليه العدو، وأحرزوه بدارهم؛ لأنهم ملكوه بالإحراز، فزال ملك المسلم عنه.

6- لا يجوز وقف أموال الزكاة لاختلاف كل منهما عن الآخر معنى وقصدا وحكما، فإذا فاضت أموال الزكاة عن حاجة مستحقيها الآنية، فإن لولي الأمر أن ينشئ مشروعات خدمية أو استثمارية إذا رأى مصلحة في ذلك يعود ريعها على مستحقيها من الفقراء والمساكين مع مراعاة شروط استثمار أموال الزكاة.

7- والمال الذي أخرجه مالكه وعينه للصدقة لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه أصبح بمجرد ‏إخراجه من ملك مالكه ملكاً لأهل الصدقة بجميعه، ولا يعني ذلك تأخيره، و‏الأفضل أن يوزع في أول وقته ولا يؤخر إلا لمصلحة راجحة.

8- لا زكاة في أموال الجمعيات الخيرية التي تبرع بها أصحابها للفقراء والمحتاجين وجهات ‏البر؛ لأن هذه الأموال خرجت من ملكهم ابتغاء وجه الله تعالى.‏

9- والمال الذي يقترضه المحتاجون من الجمعيات الخيرية (القرض الحسن)، ثم يردونه إليها لا زكاة فيه كذلك. ‏وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ‏من المحققين.‏

الهوامش:

1- مجموع الفتاوي (31/236). وانظر بعض الفروع في الأشباه والنظائر للسيوطي (1/299) وانظر الوقوف للخلال (2/522-523) رقم (201،202). وراجع الفروع (5/319) وإعانة الطالبين (3/66) وحاشية البجيرمي(2/406) و(3/10) وحواشي الشرواني (5/199) ومغني المحتاج (2/409) والمجموع للنووي (5/456) والأشباه والنظائر للسيوطي (1/299)، وهذه المراجع أمثلة لهذا الضابط.

2 - راجع مجموع الفتاوي (31/234،236).

3- مجموع الفتاوي (31/235).

4 - مجموع الفتاوي (31/235).

5- مجموع الفتاوي (31/236).

6- مجموع الفتاوي (31/236) وذلك بخلاف ما أوقفه لقوم بعينهم، إما لأولادهم أو غيرهم.

7- فتاوى اللجنة الدائمة» (9/291 ).

8- انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين» (18/184).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك