رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد إبراهيم منصور 10 ديسمبر، 2017 0 تعليق

القواعد المرعية في السياسة الشرعية- اعتبار القدرة والعجز

من القواعد الأصولية والفقهية المهمة التي تدور عليها أحكام السياسة الشرعية، قاعدة اعتبار القدرة والعجز، قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت أشدهما، قاعدة اعتبار المآلات، وسيكون لنا مع هذه القواعد وقفات تربوية وفوائد إيمانية وفقهية، واليوم مع قاعدة اعتبار القدرة والعجز.

     خلاصة القاعدة أن المطالبة بالتكاليف الشرعية منوطة بالقدرة على أدائها وأن العاجز عنها غير مطالب بها، قال -عزو جل-: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقال -عز وجل-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»، ولاعتبار القدرة والعجز كان تشريع الجهاد على مراحل:

مرحلة الكف عن المشركين

- المـرحلة الأولى: مرحلة الكف عن المشركين والإعراض عنهم والصبر على أذاهم مع الاستمرار في دعوتهم إلى دين الحق، وقد دلت على ذلك كثير من الآيات المكية، منها قوله -تعالى-: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله.. الآية}(الجاثية: 14)، قال -تعالى-: { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا..» (رواه النسائي والحاكم)، وقال: على شرط البخاري) ولما استأذنه أهل يثرب ليلة العقبة أن يميلوا على أهل منى فيقتلوهم قال: «إني لم أومر بهذا»(أخرجه أحمد والطيالسى).

إباحة القتال من غير فرض

     المرحلـة الثانيـة: إباحة القتال من غير فرض في المدينة قال -تعالى-: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع.. الآية}.

فرض القتال للدفاع

     المرحلـة الثالثـة: فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط قال -تعالى-: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا، ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها، فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}(النساء).

فرض القتال مطلقا

     المـرحلة الرابعـة : فرض القتال مطلقا قال -تعالى-: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}(التوبة ).

قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما

     أي إِذَا دارَ الأَمْرُ بينَ فعلِ إحدى المصلحتيْنِ وتفويتِ الأُخْرَى، بحيثُ لا يمكنُ الجمعُ بينهُمَا، رُوعِيَ أَكبرُ المصلحتيْنِ وأَعلاهُمَا فَفُعِلَتْ؛ فهنا توجد القدرة لكن أمامه مصلحتان ولا يقدر إلا على تحصيل واحدة منهما ولا يستطيع الجمع بينهما فمع أن الاصل تحصيل جميع المصالح وتكميلها إلا أنه عند التعارض فإنه يفوت أدني المصلحتين ليتمكن من تحصيل أعلاهما، قال العز بن عبد السلام في اجتماع المصالح المجردة عن المفاسد: «إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل، لقوله -تعالى-: {فَبِشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.

     والأصل في هذا الباب قوله -تعالى-: {ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن وَدُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ حيث أرشـدت الآية إلى أن المصلحة العظيمة في ترك سب المشركين تفوق ما يحصله المسلمون من سب آلهة المشركين.  قال ابن القيم: فحرم الله -تعالى- سبَّ آلهة المشركين مع كون السب غيظاً وحمية لله وإهانة لآلهتهم؛ لكونه ذريعة إلى سبهم لله -تعالى- وكانت مصلحة ترك مسبته -تعالى- أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه، بل التصريح على المنع من الجائز، لئلا يكون سبباً في فعل ما لا يجوز، وعند هذه الآية، قال ابن كثير في تفسيره: هو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها، وقال شيخ الإسلام: «فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما؛ فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحالة واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركَاً واجباً في الحقيقة، وكذلك إذا اجتمع محرَّمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وهذا باب التعارض وهو باب واسع جداً».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك