رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 8 فبراير، 2011 0 تعليق

القنوات الإسلامية بين بخل الأغنياء وكيد الأعداء (2)

 

لا شك أن القنوات الإسلامية كما ذكرنا في العدد السابق أحدثت صدىً هائلاً في المجتمع برغم قلة عددها مقارنةً بمثيلاتها من القنوات الأخرى؛ وفي دراسة تحت عنوان: (الفضائيات الإسلامية في زمن العولمة) حصل صاحبها على درجة الدكتوراه بامتياز، شبَّه فيها الباحث محمد السيد سلامة القنوات الإسلاميَّة بسلحفاة في زمن الأرانب، يقصد تلك القنوات التي حاولت إغراق المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة في مستنقع الرذيلة والإسفاف، إلا أنَّه بفضل الله ثم هذه القنوات الإسلاميَّة تم انتشال شرائح كبيرة من المجتمع من براثن هذا المستنقع الذي يَعُجُّ بالفساد.

      فقامت بنشر الوعي بين قطاع عريض من الناس، فارتَدَت كثير من النساء الحجاب وتفقهن في أمور دينهن وهن في البيوت، وبتغير وعي المرأة تغيرت دفة الأسرة بكاملها.

      فتجربة الفضائيات الإسلاميَّة على قِصَر مدتها وقلة عددها استطاعت أن تُقدِّم لونًا مُتميزًا من الإعلام الإسلامي، وأنْ تقف أمام تيارات الهدم من قِبل الفضائيات الأخرى، انتهى كلامه.

      ولا شكَّ أنَّ هذا الأثر الملموس للقنوات الإسلاميَّة (بالذات السلفيَّة) على الجمهور المصري خصوصًا والعربي عمومًا وما أثمره من حركة تدين واسعة، أزعج فئات عديدة في الداخل والخارج.

•فالعلمانيون سواء الذين في السلطة أو المسيطرين على وسائل الإعلام من أهل الشهوات وأصحاب الأقلام المسمومة, أخذوا يستفزون المسئولين, ويُحرِّضون على القنوات الإسلاميَّة بدعاوى باطلة كيديَّة, مستغلين حضورهم الإعلامي القوي ومواقع النفوذ التي يمتلكونها هنا وهناك.

      فقد أقض مضاجعهم نجاح تلك القنوات, وجَعَلَهُم يسارعون للتحرك ضِدَّها، رغم أنَّ السماح لهذه القنوات بالبث يُعتَبر نوعا من التوازن مع القنوات الأخرى المنفلتة - وهي بالمئات -   فضلاً عنْ أنَّ التديُّن الذي تنشره مُسالِم ولا يحمل أي توجه للعنف أو المواجهة مع الأنظمة.

      فضلاً عن أنَّه تم السماح لعدد من القنوات النصرانيَّة المتطرفة بالبث - بالطبع بعد ضغوط متوالية من الكنيسة القبطيَّة- والتي تجاهر بنصرانيتها وبُعدها الديني بلا مواربة.

•كما لا ننسى الضغوط الأمريكيَّة على الأنظمة خصوصًا أنَّ بعض القنوات الإسلاميَّة تؤيِّد مقاومة الاحتلال الأمريكي سواء في العراق أو أفغانستان وهذه الضغوط بالطبع ليس شرطًا أن تكون مباشرة بقدر ما هي ملاحظات لأصحاب القرار للانتباه «والحرُّ تكفيه الإشارة كما يقولون».

• كما أنَّ الدولة اليهوديَّة تُعتبر أيضًا من أهم الضغوط التي تضع لها الأنظمة  كثيرا من الحسابات، ولا أدلَّ على ذلك مِنْ أنَّ إغلاق قناة الرحمة كان بطلب من هيئة مراقبة البثّ السمعي البصري الفرنسيَّة بدعوى اللاسامية وتعرُّضها لليهود؛ كما أنَّ هناك اهتمامًا واضحًا من مراكز الأبحاث اليهوديَّة بمتابعة هذه القنوات وتقييم الأثر الذي تُحْدِثه في الشارع.

       ففي دراسة أعدتها جامعة تل أبيب ونشرت صحيفة (لوبون الفرنسيَّة) مقتطفات منها، ونقلتها جريدة المصريون الإلكترونيَّة ذكرت أنَّ هناك نموًا دينيًّا وتربويًّا للشباب المصري أصبح ظاهرًا للعيان خلال الفترة الأخيرة، ما اعتبرته يُشكِّل خطرًا كبيرًا على ما يسمَّى بـ: (إسرائيل).

      وأوضحت الدراسة أنَّ الفضائيات الإسلاميَّة لَعبِت دورًا كبيرًا في هذه الظاهرة، فقد أثَّرت في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة والتقرب إلى دينهم وتصفُّح القرآن وتناول الآيات التي تتحدث عن اليهود وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء لإسرائيل الذي ربما يصل إلى حدِّ العنف، وفق الدراسة.

      ولفتت الدراسة إلى أنَّ هناك عددًا من القنوات الإسلاميَّة التي استطاعت جذب الشباب إليها وأهمها «الحكمة» و»الناس» و»المجد»، « واقرأ»؛ كما ذكرت الدراسة أنَّ الشباب في الفترة العُمريَّة ما بين 16 و25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي وتتسم عقولهم بالانفتاح ويتأثرون بالعاطفة، ومن هنا رأت خطورة تأثرهم بتلك الفضائيات التي استطاعت التأثير عليهم بشكل كبير.

       وأوضحت الدراسة أنَّ أكثر من 85% من الفتيات المصريّات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% من الشباب يحمل في أمتعته القرآن، وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانيَّة والتروي بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات حيث كان يظهر عليهم التوحش الجنسي والإقدام على الخطايا وحُبِّ الذنوب.

       من هنا يتبين لنا كيف أغاظ هؤلاء هذا الخير وعكر صفو الانتصارات الوهمية التي ظنوا أنهم حققوها عبر سنوات طويلة من المكر والكيد بشباب المسلمين بالتعاون مع الأنظمة الموالية لهم، من خلال تجفيف منابع الدعوة بالتضييق على العلماء والمشايخ، فضلاً عن جعل الدعوة حبيسة المساجد ورهينة القاعات المغلقة، ففوجئوا بالدعوة التي أمطرتها السماء عبر الأثير تجدد الإيمان في القلوب وتقبل عليها الجموع عائدة إلى الله من خلال المنهج السليم الصافي الذي لا يعرف منبعًا يغترف منه إلا الكتاب والسنة.

      ولا شك أن ضغوطا كثيرة تعرضت لها الأنظمة سواء في الداخل أو الخارج لغلق هذه القنوات وهو ما تم بالفعل، ولكن للأسف بعد أن استطاعت بعض القنوات التغلب على هذه العقبة الكئود ظهرت لها عقبة أخرى أشد وطأة ألا وهي عدم قدرة بعضها على الوفاء بالتزاماتها المالية في ظل أجور البث العالية وتكاليف إنتاج البرامج وغيرها مما يعرفه أهل الاختصاص. 

       ولا شك أن المال هو قوام الحياة وعَصَب المجتمعات وأحد مصادر القوة في الأمم، ولا شك في أن ما تعانيه قناة الحكمة أو غيرها من المؤسسات الإعلامية من أزمة مالية - نسأل الله أن تتجاوزها في أقرب وقت- يفرض علينا أنْ نفكر جيدًا أفرادًا ومؤسسات في وضع حلول جذرية وليست ترقيعية لتلك المشكلة، من هنا فهذه بعض من الحلول التي نظن أنها قد تساهم في التغلب على هذه المشكلة:

•الوقف الإعلامي:

       نستطيع القول إن كثيرا من مؤسساتنا الدعوية وخاصة الإعلامية بدون موارد ثابتة ومشاريع وقفية تدعمها وخاصة في مرحلة التكوين ستعاني صعوبات بالغة في القيام برسالتها على أكمل وجه ويعتبر التغلب على هذا الجانب تحديًا قويًا لها، وقد استفادت كثير من المؤسسات الخيرية من هذا الأمر وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فعملت على إيجاد أوقاف تدر عليها عائدًا ثابتًا يغطي مصاريفها السنوية، هذا الأمر من الممكن أن ينعكس على الإعلام الهادف بل هو أولى به؛ نظراً لطبيعة الإعلام من حيث ارتفاع الكلفة، وقلة العائد، أو انعدامه بالكلية أحيانًا، هذا الأمر يحتم وبشدة وجود أوقاف لدعم هذه المؤسسات وخاصة في مرحلة التكوين.

• دعم مؤسسات الإنتاج الإسلامية:

       يجب زيادة أعداد مؤسسات الإنتاج الهادفة بحيث يكون لها دور أساسي في تغذية القنوات بالبرامج وأن تعمل – بشكل مستقل عن القنوات – لإيجاد رعاة ومعلنين عن البرامج المنتجة، بحيث تُقدَّم للقنوات بشكل مجاني لبثّها.

• إيجاد رعاة وداعمين للبرامج:

      وهذا ممكن في برامج معينة ذات طبيعة قابلة للتسويق؛ وأحياناً يتم صياغة البرنامج بالكامل بالتنسيق مع الجهة الداعية بحيث يحقق أهدافه كجهة ربحية أو حتى غير ربحية.

•استثمار رؤوس الأموال:

       بمعنى تحويل المؤسسات الإعلاميَّة إلى شركات مساهمة للحصول على التمويل، وكسب قاعدة كبيرة من الملاك وحملة الأسهم.

       هذه بعض الحلول والتوصيات التي ربما تساعد مع غيرها من الأفكار التي يسعى أهل الحل والعقد لتفعيلها يمكن أن تكون سببًا في الحفاظ على هذه الثغور والحصون من السقوط.

       وأخيرًا فإن السموات المفتوحة فرصة متميزة للدعوة إلى الإسلام ونشره والذود عن حياضه, وأن إهمال تلك الفرصة يضيع كثيرًا مما يمكن استغلاله في نصرة دين الله عز وجل ونصرة نبيه [.

       ومهما كانت تجربة القنوات الفضائية في بدايتها إلا أنها تظل المشروع الإعلامي الإسلامي البارز في العصر الحديث، وإننا إذْ نُكْبِر في القائمين على هذه القنوات جهودهم في المحافظة على هذه الصروح الإعلاميَّة، فإننا نناشد الأمة الإسلامية التي تستفيد من هذا الإعلام آحادها وجماعاتها، فإنَّ لهم دورا مهما في الحفاظ على هذه الصروح بدعمها بالمال ثم بكل طرق الدعم المشروعة والممكنة، كما أنه يجب عليهم مقاطعة الإعلام الإباحي والساقط، ومحاربة أي مادة إعلاميَّة تحارب شرع الله وتعاديه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك