رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 24 يونيو، 2015 0 تعليق

القمة الإفريقية الـ(25) .. بين مطالب المحكمة الدولية وأزمات القارة المستعصية

 طالب الزعماء الأفارقة بوقف ملاحقة الرئيسين السوداني والكيني من قبل المحكمة الجنائية الدولية

القمة تؤكد أن الاتحاد الأفريقي يعمل وفقا لقوانينه وليس وفقا لقوانين المحكمة الجنائية الدولية

ضرورة توفير الفرص العادلة للشباب في بلدانهم حتى لا يصبحوا عرضة للهجرة والتنظيمات الإرهابية وضرورة استكمال المشروعات الحيوية وتعزيز حرية التنقل

آمال أفريقيا لم تتحقق بتبدل الزعماء ولكنها تتحقق إذا تضافرت جهود العقلاء

تؤكد القمة على عدم تسويغ الإرهاب، وربطه بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة معينة وإصدار أمر أفريقي بالقبض على الإرهابين

بعد 25 قمة أفريقية ما تزال القارة تترنح في مشكلاتها الأساسية كالحروب والفقر والمرض والفساد السياسي والمالي

 

اختتم الزعماء الأفارقة قمتهم الـ25 في جنوب أفريقيا يوم لثلاثاء 16/1/2015 متعهدين بتنمية القارة، وناقشت القمة: قضية تمكين المرأة, والأزمة السياسية في بوروندي ومقترحات لمنطقة التجارة الحرة البرية وآليات لايجاد موارد التمويل الجديدة لعمليات الاتحاد الأفريقي، وكانت مطالبات المحكمة الدولية للقبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير أثارت جدلا واسعا أثناء القمة؛ حيث قدمت محكمة الجنايات الدولية مذكرة لتوقيف البشير، ولكن القمة لم تستجب لهذه المطالب بل وطالبت القمة بوقف ملاحقة الرئيسين السوداني عمر البشير والكيني أوهورو كينياتا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وعلى ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإيقاف تلك الملاحقة، وفي الجانب الآخر قد انصب اهتمام القمة بمعالجة أزمات القارة المستعصية كالحروب والنزاعات الداخلية فضلا عن المشكلات التي تمثلها الحركات الإرهابية مثل بوكو حرام، وداعش، وحركة الشباب الصومالية، وتعهدت القمة باستئصال الإرهاب بما يمثله من خطر يهدد السلم والتنمية، مؤكدين أنه لا يمكن تسويغ الإرهاب بأي حال من الأحوال، وأنه لا ينبغي ربطه بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة معينة.

- شخصية القمة.

     وكان حضور الرئيس السوداني عمر حسن البشير ملفتا للغاية، واستحوذ الاهتمام الإعلامي بسبب مطالبات المحكمة الجنائية الدولية والتهم المزعومة الموجه إليه حول انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم دارفور السوداني، وتعد جنوب أفريقيا من الدول الموقعة لاتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الدولية؛ لذلك فإنها مطالبة من قبل المحكمة الدولية الالتزام بتلك الاتفاقية التي تلزم عليها اعتقال المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أرسلت مذكرة توقيف إليها لاعتقال البشير خلال حضوره قمة الاتحاد الأفريقي، ولكن حكومة جنوب أفريقيا لم تلتفت إلى هذه المذكرة وغادر الرئيس عمر البشير جنوب أفريقيا قبل نهاية القمة بيوم.

     وتم توجيه اتهامات قاسية لجنوب أفريقيا بسبب عدم اعتقال البشير؛ حيث عدت بعض المنظمات الحقوقية ذلك استخفافا بمذكرة التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ولكن رئيسة الاتحاد الأفريقي (نكوسازانا دلاميني زوما) دافعت عن القرار لدعوة البشير لحضور القمة، وقالت في مؤتمر صحفي عقب القمة: إن السودان عضو في الاتحاد الأفريقي, وحضرت دائما قمم الاتحاد الأفريقي، وأضافت زوما: إن هنا مكان للاتحاد الأفريقي, ليس مكانا لجنوب أفريقيا, بالتالي ليس لدى جنوب أفريقيا أي خطأ، وقالت: لا يوجد أي شيء جديد حول حضور البشير في قمم الاتحاد الأفريقي، وشددت (دلاميني زوما) على أن البشير قد حضر قمم الاتحاد الأفريقي، وأنه يعتزم مواصلة الحضور أينما تنعقد القمم، وقالت: إن الاتحاد الأفريقي يعمل وفقا لقوانينه, وليس وفقا لقوانين المحكمة الجنائية الدولية.

     وأعرب رئيس الاتحاد الأفريقي (روبرت موجابي) الذي يتولى أيضا منصب رئيس (زيمبابوي), عن دعمه لرأي زوما, قائلا: إن هنا ليس مقرا للمحكمة الجنائية الدولية، وطالب الزعماء الأفارقة المجتمعون في نهاية قمة الاتحاد الأفريقي في (جوهانسبرغ) بجنوب أفريقيا بوقف ملاحقة الرئيسين السوداني عمر البشير والكيني أوهورو كينياتا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وشدد الزعماء في مسودة بيانهم الختامي على ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإيقاف تلك الملاحقة، وأكد القادة في قمتهم التي استمرت يومين، على حصانة الرؤساء واحترام قرار الاتحاد الأفريقي بعدم الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية بتوقيف أي رئيس أفريقي، وفي هذا الصدد فإن القمة الأفريقية تمكنت من تجاوز نقطة الخلاف بشأن المحكمة الجنائية بين المتمسكين بقراراتها والمعارضين لها.

- الحروب والصراعات

     وفي سياق آخر ناشد القادة الأفارقة في مسودة بيانهم الختامي أطراف النزاع في كل من ليبيا وجنوب السودان وبوروندي وقف الصراع فيما بينها، مؤكدين على ضرورة اعتماد الحوار لحل الخلافات بشأن السلطة واستبعاد الخيار العسكري، كما عبرت القمة عن قلقها من تدهور الأوضاع في ليبيا، محذرة من خطورة الفوضى التي تهدد السلم الإقليمي والدولي، وأدانت القمة الإرهاب بكافة أنواعه في ليبيا،  وأعادوا التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود وتجديدها في مكافحة هذه الويلات، وحثت القمة الليبيين على انتهاج سبيل الحوار والمصالحة بطريقة أكثر جدية آخذاً في الاعتبار أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع، وأشادت القمة بدول الجوار على دورها في البحث عن حل للأزمة الليبية.

      وفي السياق نفسه أدانت القمة استمرار خروقات وقف إطلاق النار في جنوب السودان، منددة بالاعتداءات المستمرة على المدنيين، وبالهجمات المتكررة على وكالات الإغاثة الأممية العاملة في البلاد، ولوحت مسودة البيان باتخاذ إجراءات عقابية بالتعاون مع الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) ضد أي طرف يتسبب في إعاقة جهود السلام استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2206 الخاص بأزمة جنوب السودان.

- الإرهاب والتطرف

     وحول تقرير رئيسة المفوضية عن الإرهاب والتطرف العنيف في أفريقيا أصدرت القمة قراراً أعربت فيه عن قلقها من تفاقم الإرهاب والتطرف العنيف في القارة، كما يتجلى ذلك في الوجود اللافت لتنظيم داعش وبعض الجماعات التي بايعتها وكذلك استمرار الهجمات البشعة التي تنفذها كيانات إرهابية مختلفة، وجاء في التقرير أنه لا يمكن تسويغ الإرهاب بأي حال من الأحوال، وأنه لا ينبغي ربطه بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة معينة، وطلب التقرير الدول الأعضاء بتقديم تقارير سنوية إلى مجلس السلم والأمن عن التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب، وطالبت القمة الأفريقية بتعيين نقاط اتصال وطنية من قبل الدول الأعضاء التي لم تقم بذلك بعد من أجل التواصل والتنسيق مع المركز الأفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب وإصدار أمر أفريقي بالقبض على الأشخاص المتهمين أو المدانين بارتكاب أعمال إرهابية.

     وأدان بيان القمة الحركات المسلحة في أفريقيا المتمثلة في جماعة بوكو حرام بغرب القارة، وحركة الشباب المجاهدين الصومالية في شرق أفريقيا، وتنظيم الدولة الإسلامية في الشمال القارة، وتنظيم القاعدة في المغرب العربي ومالي، وقد تعهدت القمة بتقديم كل إمكانياتها لاستئصال الإرهاب باعتباره خطرا يهدد السلم والتنمية.

- القضية الفلسطينية

     ومن جهته دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الرؤساء الأفارقة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وطالبهم بدعم القضية الفلسطينية سياسيا ودبلوماسيا، لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني في مطلبه بدولة فلسطينية مستقلة، وقال عباس: نتابع بقلق رغم بعد المسافات ما يجري من أحداث في أفريقيا، ونأمل أن تحل قضايا القارة بحكمة، كما دعا المجتمع الدولي لدعم أفريقيا والوقوف معها لتحقيق السلام وتعزيز التنمية. وأشاد عباس بعلاقات بلاده بدول أفريقيا، واصفاً إياها بـ «علاقات تاريخية وحاضرة ومستقبلية»، مشيراً أن دولة جنوب أفريقيا صاحبة النضال والتحرر من العنصرية، بحسب تعبيره.

     ومن جانبه دعا الأمين العام للجامعة العربية د. نبيل العربي القمة الأفريقية إلى دعم القضية الفلسطينية؛ حيث قال: إن فلسطين ما زالت محتلة وهي الدولة الوحيدة التي تعيش في ظلم الاحتلال وغياب العدالة، معربا عن أمله في أن يدعم الاتحاد الأفريقي القضية الفلسطينية كما كان يدعمها من قبل.

- الهجرة وأيبولا والاقتصاد

     ومن اللافت للنظر أن القمة الأفريقية التي عقدت في مدنية (جوهانسبرغ)جنوب أفريقيا لم تعط الاهتمام المطلوب لأكبر مشكلة تواجه القارة في الآونة الأخيرة وهي مشكلة الهجرة المستفحلة التي تمثل أحد أبرز المشكلات العالمية، وقد أسفر عنها حوادث غرق نتج عنها 1800 شخص العام الحالي وفق منظمة الهجرة العالمية في حين نجد أن الدول الغربية تتعامل مع هذه المشكلة بإيجابية أكبر من القادة الأفارقة رغم أن الذين يموتون في قوارب الموت غرقا في المحيطات هم أبناء أفريقيا، ومع هذا لم تصل القمة إلى الحلول المناسبة لوقف هذا النزيف البشري الذي تعانيه القارة، وفي هذا السياق دعت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما الدول الأفريقية إلى ضرورة توفير الفرص العادلة للشباب في بلدانهم حتى لا يصبحوا عرضة للهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية، مطالبة تلك الدول بالإسراع والتعجيل بالتكامل الأفريقي وتطوير التجارة والتصنيع، ورحبت باتفاق شرم الشيخ  الذي توصلت إليه التكتلات الاقتصادية الثلاث، داعية إلى ضرورة استكمال المشروعات الحيوية وتعزيز حرية التنقل عبر جواز أفريقي موحد.

      وبدوره دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى تعزيز التعاون والشراكة العربية الأفريقية، موضحا أن الاتحاد الأفريقي أصبح قادرا وفاعلا في مواجهة التحديات التي تواجه القارة، وكشف العربي عن الاجتماع الوزاري العربي الأفريقي الثالث الذي ستستضيفه العاصمة الأوغندية في أكتوبر المقبل، مشيرا إلى أن الاتفاق الأخير بين التكتلات الاقتصادية الثلاث، بشرم الشيخ، سيدفع بالاستثمارات والتعاون التجاري بين المنطقة العربية وأفريقيا،  وذكر العربي أن الجامعة العربية تعمل مع الاتحاد الأفريقي في تعزيز السلم والأمن ومحاربة الإرهاب في ليبيا ودعم السلام في الصومال السودان، مبينا أن الأمن العربي والإفريقي مرتبط ببعضه بعضاً، وندعو إلى إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي.

     وفيما يتعلق بمكافحة وباء أيبولا الذي تمثل كارثة إنسانية لدول عدة تقع على غرب القارة  قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما: إن هذه القمة تأتي وأفريقيا تنتصر على وباء إيبولا في ليبيريا وانخفاض واضح في كل من غينيا وسيراليون، مرجعة أسباب انتشار وباء إيبولا في تلك الدول إلى الضعف في النظام الصحي بأفريقيا.

آمال لم تتحقق

     وعليه فإن قادة أفريقيا يسدلون الستار على قمتهم الخامسة والعشرين وما تزال القارة تترنح في مشكلاتها؛ حيث إنها لم تتمكن من تغيير نظمها السياسية والاقتصادية، وتمثل أكثر قارة تعاني من الانقلابات العسكرية وأنظمة الحكم المستبدة، فضلا عن أنها تعاني من أكبر نزيف للأيدي العاملة؛ حيث يموت أغلب شبابها في طريقهم للوصول إلى الحلم الأوروبي بسبب عدم استقرار دولها وانتشار الفقر والبطالة بين مواطنيها، ورغم انعقاد العديد من القمم الأفريقية منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي إلى اليوم إلا أن أزمات القارة ما تزال تراوح مكانها والمشكلات الأساسية لم تتغير، كالحروب والفقر والمرض والفساد السياسي والمالي، وكأن عقارب الساعة في هذه القارة قد توقفت منذ ما قبل الاستقلال وأيام النضال ضد المستعمر؛ لأن الشعوب الأفريقية لم يتحقق لها ما توقعت من الدولة الوطنية إلا الأسماء،  وآمال هذه الشعوب لن يحققها تبدل الزعماء وأسماء المنظمات من الوحدة الأفريقية إلى الإتحاد الأفريقي، ولكنه يتحقق إذا تضافرت الجهود والرؤى من العقلاء والمنظمات المجتمعية ووظفت إيجابيا نضال الشعوب المستمر حتى يتوج بتحقيق آماله المرجوة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك