رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 30 أبريل، 2012 0 تعليق

القـــــــدر (22) الكتاب الذي يحاسب عليه العبد

 

- أليس الإيمان بالقدر أن نؤمن بأن ما كتبه الله واقع لا محالة؟!

- بلى.. ولكن يجب أن نفصل في الأمر، وذلك أن كثيراً من الناس يستغل هذه العقيدة ليعتذر بها في «لوم القدر» على ما يرتكبه من  معاص وما يقصر فيه من طاعات، وهذا إثم عظيم، يزينه الشيطان لكثير من الناس حتى يبقوا على ما هم عليه من الابتعاد عن الله عز وجل.

- وكيف لنا أن نفصل هذا الأمر؟

التقيت وصاحبي لتناول عشاء خفيف بعد الصلاة الأخيرة، وقررنا السير على الأقدام إلى المطعم الذي يبعد عن مسجدنا كيلو متراً واحداً تقريباً.

- دعني أذكر لك آية ربما ليست في الموضوع، ولكن استغلها من لا يريد إخراج الصدقات، وذلك انطلاقا من قول الله عز وجل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}(هود:6) فكان كموقف الكفار: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه}(يس:47)، وهذا منهج أهل الضلال أنهم يستغلون آيات الله في البعد عن أوامر الله، ولنرجع إلى موضوعنا:

       جاء في الحديث عن ابن عباس: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني.

      هذه العقيدة يجب أن نؤمن بها إيمانا إيجابيا، بمعنى أن  نتذكرها إذا وقع لنا ما لا نحب، وأصابنا ما لا يسر، وخسرنا ما نعز، ونريد بعد أن نكون قد بذلنا الأسباب فنطمئن ولا نجزع، وتعيننا هذه العقيدة على الصبر والرضا، ولا ينبغي لعاقل أن يلوم القدر على معصيته، ويحتج بالقدر على ضلاله، وينسب كفره إلى الله تعالى.. سبحانه عما يقولون علواً كبيراً.. وهذا الأسلوب ليس بجديد كما أخبرنا الله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}(الأنعام:148)، وفي سورة النحل: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين}(النحل:35)؛ فهذه حجة مردودة وعذر قبيح لا ينجي صاحبه من العذاب.

- وكيف أحاور أحدهم بطريقة أخرى؟!

- اسأله.. ما الذي كتبه الله عليك بعد ساعة؟ حاول أن تخالف ما تظن أن الله كتبه عليك، مثلا إذا كان الله قد كتب عليك أن تكون في المكان (أ) اذهب إلى المكان (ب)، وإذا كان الله قد كتب أن تأكل الوجبة (جـ) كل الوجبة (د)، لا أحد يعلم ما كتبه الله، ولا يستطيعون، ما كتبه الله يعلمه العبد بعد أن يفعله بمحض إرادته، والذي يحاسب عليه العبد يوم القيام ليس ما كتبه الله عز وجل، بل ما يسطره الملك في كتاب جديد لم يكتب فيه شيء، بل الملك لا يكتب حتى يفعل العبد؛ ففي الحديث قال رسول الله [: «قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم. وهذا هو الكتاب الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} (الإسراء:13).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك