رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 19 مارس، 2012 0 تعليق

القـــــــدر (16)- شمولية الإيمان بالقدر

 

- مشكلة كثير من الناس في قضية القدر أنهم يطبقون الإيمان بالقدر في موضع وينكرونه في موضع آخر.

- هذه عبارة مبهمة بيّنها جزاك الله خيراً.

هكذا بدأ الحوار بيني وبين شقيقي الأصغر، حين كنت في زيارة لوالدتي يوم الثلاثاء، وكانت والدتي ثالثنا.

- مثلاً.. لا أحد يجلس في بيته ولا يبحث عن عمل ومصدر رزق ويقول: لو شاء الله لرزقني، فهو القائل في كتابه: {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} (آل عمران: 37) وغيرها من الآيات التي تدل على المعنى نفسه، بل كل عاقل يسعى في طلب رزقه ليرجع بما كتبه الله له من رزق، وكذلك لا أحد يتأخر عن الزواج والاقتران بامرأة ويرجو الذرية ويقول: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى: 49)، بل كل عاقل يسعى للزواج، ثم إن لم يرزق بذرية يبذل كل الأسباب المادية لإزالة العوائق طلباً للذرية.

وهكذا ينبغي أن يكون الموقف في جميع قضايا القدر، بذل الأسباب لنيل المحبوب، ودفع المكروه، والإيمان بأن ما يتحصل بعد بذل الأسباب قد علمه الله قبل خلق السموات والأرض وكتبه، فالهداية مثلاً، كما في الرزق، لا ينبغي لأحد أن يبتعد عن أسباب الهداية ولا يسعى لها، ثم يقول: لو شاء الله لهداني، فهو القائل سبحانه في كتابه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، أو يتقاعس عن الطاعات ويتمادى في المعاصي والمنكرات، ويقول: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} (النحل: 35)، أو يقول في الحديث القدسي أن الله تعالى قال عن ذرية آدم: «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» السلسلة الصحيحة؛ بل يفعل مثل ما فعل في الرزق والذرية فيبذل أسباب الهداية، ويقرأ قوله الله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)؛ فالهداية لها أسباب كما للرزق أسباب، والجنة لها طريق واضح بين، كما للذرية طريق واضح بين، وفي الواقع الحصول على الهداية والجنة أضمن من الحصول على الرزق والذرية.

استغرب صاحبي جملتي الأخيرة، وأظهر ذلك بتعابير وجهه:

- ماذا تعني؟

- أعني أن العبد قد يبذل أسباب الرزق ولا ينال الرزق الذي سعى له لحكمة أرادها الله، وقد يبذل أسباب الذرية ولا ينال الذرية، ولكن لا يبذل أحد أسباب الهداية الصحيحة ولا ينالها، وكذلك لا يبذل أسباب دخول الجنة ولا يدخلها، وبالطبع من الأسباب الدعاء وعدم الاغترار بالعمل، وعدم الايجاب على الله، بل الرجاء.

إن الإيمان الصحيح بالقدر يربح العبد ويبين له كل ما يحتاج في أمور دينه ودنياه؛ فيعيش مرتاح البال قرير العين، يتعامل بطريقة صحيحة في كل جوانب حياته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك