رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 أبريل، 2016 0 تعليق

القطاع الوقفي وتحقيق النهوض الاقتصادي

الوقف شرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وحقق الوقف حضارة بقيت 12 قرناً تقدم روائع وإبداعات لكل قرن من القرون، وجعل الوقف داعماً للأمة والدولة، ففي العهد الأموي والعباسي وأول 300 سنة من الدولة العثمانية كانت هي الدولة الأولى في العالم.

 

     والوقف لامس حاجة الإنسان من مهده إلى لحده؛ واستطاع أن يتعدى حالات الطوارئ إلى دور التنمية والاهتمام بكل شرائح المجتمع، فمقومات نجاح المؤسسات والمشاريع الوقفية ماثلة أمامنا وبين أيدينا إن أحسنا استخدامها، فنصوص الشريعة الإسلامية، والتجربة التاريخية، والقوى البشرية في أمتنا، وكذلك المال والموارد عوامل نجاح نملكها ولله الحمد.

     ومن مقومات نجاح الوقف أن إدارته لا تكون مطلقة بيد الدولة فله أحكام تخصه، بموجبها وفر الأمن الغذائي والمالي، ووفر التعليم بكل مراحله ووفر التأمين الصحي والوظائف والتنمية الاقتصادية. فقد تعددت مجالات الوقف، ودفعت كل قادر على أن يوقف الأوقاف يحبس من ماله في حياته أو يوصي بالوقف ثلث ماله بعد موته، فهو حماية للمال ومحافظة عليه، وضمان استمرار عمله، وصرف ريعه.

     والتجربة الوقفية في العهود الإسلامية أثبتت أن للوقف دوراً أساسياً في التنمية البشرية وتشغيل الأيدي العاملة ومعالجة مشكلة البطالة؛ بل وأثر تأثيراً بارزاً في استقرار الأوضاع الاقتصادية في المدن، فأضحت الأوقاف محور حياة المدينة بكثرتها وتنوعها وتكاملها.

     ولا شك أن الوقف يصل بالدولة إلى مرحلة الاستقرار المجتمعي؛ ويحفظ الإنفاق العام للدولة عن طريق مساعدات اجتماعية ورعاية إنسانية وتوزيع سليم؛ ونظام يُسهم في دعم الاقتصاد الإسلامي؛ فهو يسد حاجات المجتمع ومتطلباته، ويحرك المال وتداوله فيعد استثمار الوقف مجالاً من مجالات تحريك الأموال وتداولها وإعادة توزيعها بين أفراد المجتمع.

وهو قادر على الصمود أمام فلسفة النظام الرأسمالي، فقد عمل الوقف على تنمية رأس المال البشري من خلال توفير أيدي عاملة متخصصة ومتنوعة في مجالات مختلفة.

لذا فإن القطاع الوقفي حماية للأصول الاستثمارية للأجيال، فحقيقة الوقف هو استثمار لمصلحة الآخر أو مصلحة المجتمع، ومن مقاصده أن يستمر ويصل إلى الأجيال القادمة، ومشاريعه فيها استشراف للمستقبل وضمانة للأجيال.

     وكان هذا المبدأ منذ العصر الأول من الإسلام، فبعد فتح العراق رأى عمر رضي الله عنه ألا يوزع الأراضي الزراعية على المجاهدين الفاتحين، وعدّ ذلك حقاً للأمة أولها وآخرها، فهي وقف على الأمة بأجيالها كلها، تصرف إيراداته في مصلحتها وأخذ أجرة لهذه الأراضي ممن في أيديهم عرفت في التاريخ والاقتصاد الإسلامي باسم الخراج.

     وإلى الآن نرى أوقافاً عمرها تجاوز الألف عام وما زال يستفاد منها، ويكفي دلالة أن كل مؤسسات التعليم في السابق كانت وقفاً، وقد درس فيها أجيال؛ وكذلك المكتبات استفاد منها أجيال وأجيال؛ وكذلك المشافي (البيمارستانات) التي ساهمت في الرعاية الصحية لأجيال متعاقبة. كالمستشفى المنصوري في القاهرة، والمستشفى النوري في دمشق، فقد قدما خدمات لأكثر من 700 سنة.

وكثير من الطرق أنشئت من أموال الوقف، وكذلك الجسور والحدائق العامة والحمامات العامة والأسبلة واستراحات الحجاج وأربطة الجهاد من الثغور والسلاح.

على الأمة أن تعي أن الوقف شرع لأهداف سامية ومقاصد نبيلة، وامتاز بتنظيم محكم دقيق، وحريٌّ بنا أن نعيده إلى ما كان عليه رافداً وفيراً لتحقيق الغايات والمقاصد الشرعية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك