رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي 8 مايو، 2017 0 تعليق

القطاع الثالث وعلاقته بموارد الدول (الكويت أنموذجا) الحلقة (5)

 

نهض القطاع الثالث في تاريخنا الإسلامي، وضمن من خلال تنوعه وحجمه وضوابطه لحضارتنا الإسلامية في الازدهار عمراً لم تماثلها فيه حضارة من الحضارات، وكان سياجاً في حماية الأصول المالية، وضماناً لاستمرار عطائها لأجيال عديدة، وقد ترك القطاع بمؤسساته ومخرجاته بصمات لا تُمحى في صفحات التاريخ الإسلامي؛ لذلك نعرض في حلقات للإصدار الأخير لمركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية الذي جاء بعنوان: (القطاع الثالث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة)، الذي تولى كتابة مباحثه ثلة من المختصين والباحثين في مجال العمل المجتمعي من خيري ووقفي وتنموي.

 

 

 

مفهوم استثمار القطاع الثالث وعدّه مورداً من موارد الدولة ورافداً من روافدها وعلى رأسه منظومة الوقف الإسلامي، أصبح من المفاهيم الاقتصادية والتنموية التي بدأ انتشارها يتسع على نطاق كبير في المجتمعات الإسلامية، ويحظى باهتمام واسع لدى الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، وكذلك المختصين بشؤون  القطاع الخيري والأوقاف، فضلاً عن حرص القائمين على صناديق التنمية وبنوكها في العالم الإسلامي على إنشاء صناديق الوقف وصناديق الاستثمار الوقفية، الأمر الذي يعني أن مفهوم استثمار القطاع الثالث بكافة مؤسساته بوصفه أحد الموارد أصبح أمراً يزداد تداوله اتساعاً في أعقاب التطورات الاقتصادية والتنموية التي تمر بها المجتمعات الإسلامية المعاصرة إقليمياً ودولياً.

     وظهرت دعوات لإعادة التوجيه الأمثل لاستثمار فائض الوقف بكونه جزءاً من سياسات التصحيح الهيكلي لنظام الأوقاف، بغرض رفع مستوى الأداء في دائرة النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق أغراض الوقف ولكن بدرجة عالية من الكفاءة والأداء، وعلى رأس تلك الأغراض تنفيذ شرط الواقف لاستثمار الأموال الموقوفة، وتوزيع عائداتها على الجهات المنتفعة منها.

     وفي عصرنا الحديث عمل المفكرون الاقتصاديون المعنيون بتطوير الاستفادة من القطاع الثالث -وعلى رأسه منظومة الوقف- على طرح صيغ استثمار حديثة للأوقاف، مثل: عقد الاستصناع، والمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، وصكوك المقارضة وسندات الإجارة..إلخ، وهى محل دراسة واهتمام المجامع الفقهية الإسلامية ومجامع البحوث الإسلامية والاقتصادية.

     على أن هذه الدعوات لتطوير الاستفادة من القطاع الثالث بكونه موردا من موارد الدول لا تعني التنازل عن الرؤية الإسلامية التاريخية، ولا الانسلاخ عنها؛ لأنها تشكل ارتكازاً حضارياً، ومخزوناً تشريعياً يمنح المحاولات المعاصرة المرجعية الشرعية والضوابط المنهجية، ويؤصل كل اجتهاد وتجديد، بل يمنح المعيار المطلوب للتعامل مع التطورات المؤسسية المعاصرة في مجال الإدارة والاستثمار معاً. وإنما غاية مقصدها الدعوة إلى فقه خيري وقفي معاصر، ومحاولة ارتياد آفاق ومجالات متقدمة، والإفادة من تجارب الآخرين على مستوى آلية التطور الإداري وأشكال الأوعية الاستثمارية، وإيلاء القطاع الثالث دوره المنتظر منه في نهضة الدول.

أهمية البحث:

ترجع أهمية هذا البحث إلى معرفة ما يأتى:

- أولاً: كون القطاع الثالث هو أحد موارد الدولة والعلاقة بينه وبين الموارد الأخرى علاقة تكاملية.

- ثانياً: كون القطاع الثالث هو أحد موارد الدولة فهذا يعني أن عليه دوراً اقتصادياً وتنموياً يجب أن يؤديه.

- ثالثاً: أهمية الدور الاقتصادي والتنموي الذى يمكن أن يؤديه القطاع الثالث يتقدمه قطاع الأوقاف في المجالات العديدة للتنمية مثل: التنمية العلمية والصحية والمجتمعية، ولاسيما في ظل تراجع الدور الاقتصادي للدول.

- رابعاً: دراسة الدور الواقعي والمأمول للقطاع الثالث في دفع مشاريع التنمية المستدامة بما يساعد على تخطي العوائق المؤسسية؛ بحيث يكون القطاع الثالث رابطًا مهمًا بين المؤسسات الداعمة واحتياجات المجتمع والأفراد.

- خامساً: الوقوف على أهم التجارب والصيغ الاستثمارية المتبعة لدى العديد من الدول الإسلامية في مجال استثمار القطاع الثالث ولاسيما قطاع الأوقاف فيه.

- سادساً: تعزيز روح الانتماء والمواطنة الإيجابية، وتمكين الأفراد والمجتمعات من إعادة تكوين واقع مجتمعاتهم، مع تحفيز روح التنافس وزيادة الإنتاجية، والتعرف على أساليب جديدة في إدارة تقديم الخدمات، بتشجيع المشاريع التي لا تدخل ضمن اهتمامات القطاعات الأخرى، التي يختص بها القطاع الثالث وتدخل في نطاق مكوناته الأساسية.

ماهية القطاع الثالث ومكوناته

     لعل من نافلة القول أن نوضح أن القطاع الثالث يراد به القطاع الخيري، أو القطاع الذي يمثل المؤسسات غير الربحية وغير الحكومية، ويراد به هنا مؤسسات النفع العام وجمعياته التي تستهدف العمل الإنساني والاجتماعي الخيري بمختلف مجالاته، سواء أكانت متخصصة في الأعمال دون الأرباح، أم كانت تعمل على أسس تجارية ربحية لغايات خيرية، يسبقه في ذلك قطاعان: القطاع العام أو القطاع الحكومي القائم على خدمة الجمهور، والقطاع الخاص أو الربحي القائم على مبدأ الربحية في عمله.

والقطاع الثالث يضم مجموعة من الروافد لعل في طليعتها منظومة الوقف الإسلامي بكونه أهم روافد القطاع الثالث. وفيما يأتي إطلالة سريعة موجزة عن أهم أسمائه وإطلاقاته.

     بداية تعددت تسميات القطاع الخيري تبعاً لتعدد أوصافه ومهامه، ومن هذه التسميات: المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخيري، والقطاع المستقل، والقطاع الخيري المانح، والقطاع المستقل، والقطاع التطوعي، والقطاع المعفي من الضرائب، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية العامة، والمنظمات الأهلية، وجمعيات الاقتصاد الاجتماعي، والقطاع غير الهادف للربح، ومنظمات النفع العام. وكل هذه الاطلاقات أو التسميات لا تعني الحصر؛ فكل عمل مؤسسي مستقل عن القطاعين العام والخاص، ومكمل لأدوارهما يعد من عناصر القطاع الثالث.

كما أن هذه الأسماء وغيرها تعكس مدلولات مهمة لهذا النوع من النشاط التنموي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من إرادة أية دولة وإدارتها، وقد تكون تلك الأنواع مسميات مترادفة.

وفيما يأتي إطلالة على مكونات هذا القطاع فضلاً عما سبق لأن التسميات السابقة بعضها يمكن أن يدخل ضمن مكونات القطاع الثالث:

قسَّم بعض الباحثين مكونات القطاع الثالث إلى قطاعات فرعية عدة:

القطاع المجتمعي: وهو قطاع ينحصر في عمله في المجتمع المحلي الذي يعمل في نطاقه، ويتميز بأنه تطوعي بالكامل.

القطاع التطوعي: وهو قطاع يضم مؤسسات تتميز بأنها مستقلة عن القطاع الحكومي ولها هيكلية مؤسسية، وغير ربحية، وفيها نسبة من التطوع ليست بالقليلة.

قطاع المؤسسات التعاونية: وهو قطاع يضم مؤسسات تستثمر فوائضها في مشاريع ربحية  تستهدف زيادة رأس المال وإعادة إنفاقه على مشاريع اجتماعية، مثل جمعيات الإسكان والجمعيات التعاونية.

وقسَّم بعض الباحثين مكونات القطاع الثالث بنوع تفصيل حتى أوصلها إلى ثمانية مكونات، هي:

المؤسسات غير الربحية: مدارس - جامعات - مؤسسات - مستشفيات- إعلام، وهي تلك المؤسسات التي تقدم خدماتها دون مقابل، أو بمقابل غير ربحي.

مؤسسات المجتمع المدني: ولها إسهام كبير في تطوير عمليات التنمية البشرية ومفاهيمها بطريقة خاصة.

المؤسسات الخيرية والوقفية: ولها أثر كبير في الشراكات مع القطاع الأول والثاني في جميع عمليات التنمية.

الجمعيات الخيرية والأهلية هي الكيانات المؤسسية الأهلية المكملة لعمل القطاع الحكومي على صعيد تنحية المجتمع المحلي أو الخارجي المستهدف.

     مراكز الحوارات الوطنية: حيث تُعد الحوارات الداخلية من أسس نجاح النظم الإدارية والسياسية المعاصرة، فبالحوار تضيق المسافات، وتنحسر الخلافات أو تتلاشى، ويتحقق التقارب في وجهات النظر، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقوية نسيج الوحدة الوطنية، والحوار يترجم بوضوح مبدأ حرية التعبير عن الرأي، ويتيح فرص التشاور والتواصل الفكري بين شرائح المجتمع بكافة توجهاته المختلفة، كما أنه جسر للتواصل بين الثقافات والشعوب؛ مما يُمكِّن من الوصول إلى رؤية إنسانية مشتركة قائمة على الفكرة الرئيسية التي قامت عليها الدولة –أية دولة- دينية أو مدنية.

     مراكز الحوارات الدينية والحضارية: الحوار الديني الحضاري  بأسسه ومبادئه وثوابته وأهدافه ذو أهمية قصوى في تصدير مفاهيم الثقافات للمنصفين في الأمم الأخرى وبين الأمم، وتوضيح وجهات النظر لطلاب الحقيقة، ودفع التهم، وإزالة الغموض، ورد الشبه، وإقامة الحجة، ونزع فتيل الأزمات، من أجل التوصل إلى أفضل السبل للتفاهم والتعاون والتعايش بين الشعوب، والقطاع الثالث المستقل في العالمين  (الإسلامي و الغربي) هو المرشح القوي لخوض هذه الحوارات خدمة للدول والحكومات.

المنظمات الدولية عابرة الحدود: ولها أهمية قصوى في تقوية السيادة الوطنية لدولها، ودعم سياساتها الخارجية من خلال معوناتها وبرامج أذرعتها الخارجية الإغاثية والثقافية والتعليمية.

مراكز الأبحاث والدراسات المستقلة عن الحكومات والتابعة للقطاع الثالث، وهذه المراكز لها جهود عظيمة في مسيرة الإصلاح في جميع قطاعات الدولة، مثل: مؤسسة راند البحثية الأمريكية النشطة في التوجيه العلمي السديد للحكومة الأمريكية، بالنقد البناء ودراسات الإصلاح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك