رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 3 يناير، 2011 0 تعليق

القطاع الثالث بعد دعاوى الإرهاب والضحايا البريئة(2)


نكمل في هذا العدد ما قد بدأناه في العدد السابق حول كتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة رؤية مستقبلية) للباحث المتخصص في شؤون العمل الخيري والوقفي الدكتور محمد بن عبدالله السلومي حيث لخص المؤلف المطلوب من الأمة حكاماً ومحكومين لإعادة مكانة القطاع الخيري والوقفي إلى ما كان عليه؛ ثم كتب تحت عنوان: (القطاع الثالث مبادئ ومخاطر) أن أقوى دولة في العالم في إدارة نجاح القطاع الثالث هي أمريكا؛ حيث إن دستور الدولة يخدم هذا القطاع، فهو الضابط والموجه والدافع والمنظم لهذا القطاع الذي تتقوى به ليشكل مع غيره إستراتيجية سياسية لقوة الدولة.

وأضاف بأن الأوقاف في النظام الإسلامي مثلت العمود الفقري للقطاع الثالث، وجاءت قرارات الاستيلاء على الأوقاف وتأميمها تحت ذريعة أنه حق سيادي للحكومة، وإجراءات التضييق على المؤسسات الخيرية تمت تحت المسوغ نفسه. وكأن المؤسسات الخيرية والوقفية ومؤسسات القطاع الثالث كانت تنتقص من سيادة الدولة. ودحض المؤلف تلك الشبهة الواهية بقوله: العكس هو الصحيح، فنشاطات هذه المؤسسات في الداخل والخارج تقوي الدولة وتحميها من تطفل مؤسسات القطاع الثالث الغربية وتدخلاتها التي تنتهك السيادة وتهدد هوية البلدان وثقافاتها بأجندتها المشبوهة.

وأن توظيف منظمات القطاع الثالث ومؤسساته وجمعياته العاملة خارج الأوطان تعد ضرورة للمانح قبل الممنوح، لأن قوة الدولة في الخارج هي قوة لها في الداخل، كما أن الأمن الخارجي للدولة يحقق لها الاستقرار والأمن الداخلي. فتجربة المعونات الخارجية الأجنبية في البلدان النامية تشير إلى أن التنمية في خدمة وزارة الخارجية (المانح).

     ودلل على ذلك بما صرح به الرئيس السابق لروسيا ورئيس الوزراء الحالي (فلاديمير بوتين) بأن المساعدات الغربية لكثير من المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني داخل روسيا تشكل دعماً واضحاً للمعارضة السياسية للحكومة» . وخَلُص إلى بأن مؤسسات القطاع الثالث الوطنية بقدر ما هي وسيلة لتحقيق الأمن الفكري والاجتماعي والسياسي لدولها، يمكن أن تشكل نوافذ خطيرة تمس خطورة أمن المجتمعات والدول، لاسيما حينما لا يقوم النظام الأساسي لجميع مؤسسات القطاع الثالث على حماية دستور الدولة وتقويته.

     والفصل الرابع عنونه الكاتب بـ «العطاء الأمريكي والتنمية»  وحدد فيه مصادر العطاء للقطاع الثالث في أمريكا تأتي من:

- الأفراد: ويسهم فيها معظم الشعب الأمريكي فإنها تشكل مصدراً قوياً من موارد مؤسسات القطاع الخيري وجمعياته.

المؤسسات (الأمريكية على شكل أوقاف وأسهم).

      أصحاب الثروات الضخمة، سجلوها بوصفها مؤسسات خيرية مانحة. وتكونت من هذه المؤسسات الضخمة جامعات ومستشفيات ومراكز أبحاث ودراسات وأصبحت المنظمات والجامعات غير الربحية جزءاً لا يتجزأ من عمليات التنمية الشاملة في الولايات المتحدة.

- القطاع الإسلامي والرؤية السلبية:

     يرى الكاتب أن القطاع الخيري الإسلامي يواجه تحديات خارجية عالمية فرضتها هيمنة القطب الواحد وصناعة عدو جديد للغرب!! وكان من نتاج تلك السياسات الجديدة الحرب على المؤسسات الخيرية الإسلامية متمثلة في الضغوط السياسية واستحداث قيود ونظم وإجراءات على الموارد والحوالات المالية. ورافق ذلك دعم المؤسسات العلمانية مقابل التضييق على المؤسسات الإسلامية. ودلل على ذلك بقوله:  لا شك أن الحرب على المؤسسات الخيرية هل إستراتيجية (كما ورد في تقرير مؤسسة راند الصادرة في أوائل عام 2007) بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة) حلت محل الإستراتيجية الغربية السابقة تجاه الشيوعية ومؤسساتها، وقد سخرت لهذه الإستراتيجية مراكز الدراسات والأبحاث ووسائل الإعلام ومراكز اتخاذ القرار السياسي بميزانيات ضخمة.

     وأن ملخص تلك التقارير من مؤسسة راند (دعم الجماعات العلمانية ومؤسساتها على حساب المؤسسات الإسلامية والخيرية).والتقرير يفرق في الدعم بين المؤسسات الإسلامية التي تؤمن بتطبيق الشريعة، حيث يشير التقرير إلى وجوب حصارها والتضييق عليها وضرب بعضها ببعض، وبين المؤسسات التي تمثل خمول الإسلام (الفرق الباطنية) ومؤسسات المجتمع المدني العلمانية والليبرالية التي يجب دعمها.

     وحول القيم الغربية في دعم الإنسانية عبر منظمات قطاعها الثالث أوجز الكاتب تلك القيم بعنوان  (المصالح فوق المبادئ) وأضاف : كل المؤسسات الإنسانية تقريباً تبدأ كاستجابة لمشكلات البشر ثم تنتهي معظمها كأدوات لتحقيق مصالح من أوجدها ومن بتمويله يضمن بقاءها.

- المسلمون والفرص السانحة:

     وبعد تفصيل دقيق للتحديات والواقع التي تعيشه مؤسساتنا الإسلامية، استطاع الكاتب بأسلوب رائع أن  يخرجنا من حالة الإحباط التي انتابتنا بعد قراءتنا الفصول الخمسة الأُولى من كتابه، بإعطائنا الأمل وتذكيرنا بالفرص والمقومات التي نملكها ولا يملكها غيرنا، فمع كل التحديات والمعوقات الخارجية والداخلية إلا أن الفرص السانحة تزداد وتتأكد لصالح المؤسسات الإسلامية، وحينما تعمل مؤسسات القطاع الثالث بعوامل القوة من تبرع وتطوع وقيم وتشريعات، فإنها سوف تقدم الكثير على المستوى المحلي والدولي.

     ونقل ما قد أفرده «صموئيل هنتينجتون» في كتابه صراع الحضارات في فصل خاص بعنوان: «أفول الغرب» واعترف فيه بأن: الإسلام في المدى الطويل سيفوز، فالمسيحية تنتشر عن طريق الاعتناق، فقط، والإسلام ينتشر بالاعتناق والتكاثر السكاني». ويؤكد الكاتب ذلك بقوله: فعلاً فإن الإسلام في العصر الحاضر يعد أسرع الأديان انتشاراً كماً وكيفاً داخل القارات الأمريكية الأوروبية وأستراليا برغم الكثير من التحديات والعوائق التي أصبحت تواجه المسلمين ومؤسساتهم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد أكثر من ستة آلاف مؤسسة وجمعية إسلامية متفرعة الأهداف والأعمال وقريب من هذا العدد للمؤسسات الإسلامية يوجد في فرنسا، وتزداد المساجد في ألمانيا باطراد بينما تتراجع الكنائس.

     وحول مصادر القوة أضاف الكاتب أن الزكاة والأوقاف يشكلان قوة للقطاع الثالث لا يستهان بها وبعداً إستراتيجياً يتناسب مع المتغيرات الدولية ويستوعب متطلبات الرؤية المستقبلية.فالعطاء الإسلامي تميز من حيث قوة القيم وفاعليتها، ودوافع العطاء الإسلامي قوية لأنها دينية 100% ويصحب ذلك رقابة إيمانية ذاتية.

     ففعل الخير في الإسلام مختلف عن غيره من الديانات والأمم قال تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً} (الإنسان: 9)، وتجاوزت قيم العطاء الإسلامي حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان «وفي كل كبد رطب أجر»، والقطاع الوقفي في العهود الإسلامية امتاز باستقلالية، وبإشراف القضاء على أصوله ومصارفه زاد من قوته وفاعليته، وهذا ما أكسب للمؤسسات الوقفية بأنواعها المكانة الإدارية والتعاطف الشعبي والتفاعل في العطاء والتطوع والرعاية، ودعم بل تنافس الخلفاء والأمراء في اقتطاع الأراضي والممتلكات والتي كانت من أملاك الدولة لتضاف إلى مجموع الأوقاف. وتعد تجربة باكستان واندونيسيا من التجارب الناجحة إلى حد كبير في هذا العصر في قوة هذا القطاع واستقلاليته حيث يدار من قبل لجان ومجالس أهلية.

     وفي الخاتمة وقف الباحث وقفات منها وقفة بعنوان موروث العطاء جاء فيها: «لقد كانت المؤسسة التمويلية الأولى (الأوقاف) بتأصيلها الشرعي وتطبيقاتها عبر تاريخ الحكومات الإسلامية المتعاقبة قوة معنوية ومادية مساندة لقوة الدولة، فكانت بذلك ميزة تميز بها العمل الخيري الإسلامي، وذلك حتى بداية القرن الثالث عشر الهجري 1224هـ حينما تم تأميم الأوقاف بمواردها ومصادرها ومساجدها ومكتباتها لصالح القطاع الحكومي في مصر زمن محمد علي باشا، بمشورة سان سيمون الفرنسي الذي أشار بمفهوم الدولة الشمولية آنذاك، ثم انتقلت الفكرة إلى معظم البلاد الإسلامية، كما صودرت بعض الأوقاف من قبل بعض دول الاستعمار الذي اجتاح معظم أقاليم العالم الإسلامي.

     وإن جوانب القوة والتميز عن الأمم الأخرى تكمن في تشريعات الوقف من القرآن والسنة، تلك التشريعات التي جعلت الأوقاف وكل مصادر التمويل وتجنيد المتطوعين قوية باقية وإن ضعفت مدة من الزمن لكنها تبقى حية لا تموت ولا يمكن طمسها، وقد حان رجوع الأوقاف إلى موقعها الطبيعي كمؤسسات أهلية ضمن القطاع الثالث المستقل مسانداً قوياً لعمليات التنمية في الدولة.

     وبين أن القطاع الثالث المنتظر في العالم العربي والإسلامي – برغم كل التحديات التي سوف بتجاوزها – بإذن الله – لديه فرص سانحة كبيرة للانطلاق بعد أن تجاوز ما نسب إليه من دعاوى دعمه لما يسمى (الإرهاب) بعدم ثبوت تلك الدعاوى، بل سقوطها وانعكاس الاستحقاقات لصالحه من خصومه، فضلاً عن تقوية بنيته الإدارية والمحاسبية وهو بهذا وذلك من الفرص، عليه أن يعمل باستراتيجيات واضحة متكاملة لمؤسساته المانحة والممنوحة، المحلية والدولية بأنواعها، سواء القائم منها أم المفترض قيامه، وعلى مراكز الدراسات والبحوث إعداد الخطط والدراسات اللازمة، مع أهمية الدعم المعنوي والمادي من مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ولعل من أوليات المبادرات على المستوى الدولي والمحلي ما يلي:

- تحديد الأولويات في أعمال مؤسسات القطاع الثالث وبرامجه.

     تتأكد أهمية دور مؤسسات هذا القطاع لبعض الدول في مجالات التنسيق والتعاون والشراكات أو الاتحاد بوصفها مرحلة أولى مثل دول الخليج وتركيا ومصر واليمن، لاعتبارات دينية وتاريخية وبشرية واقتصادية وجغرافية.

     الاهتمام بدعم مؤسسات القطاع الإسلامي لمساندة الجاليات والأقليات المسلمة في أوروبا، وذلك لاعتبارات تاريخية ومستقبلية تتعلق بأهمية المرحلة القادمة بين أوروبا والإسلام، مع العمل على إيجاد تحالفات وحوارات مع المؤسسات الدولية الأوروبية في القواسم المشتركة.

     لا بد من العمل على توطين موارد الحكومات والقطاع التجاري النقدية والمالية وتحويلها إلى بنية اقتصادية للدولة – أي دولة – والقطاع الثالث بمؤسساته وجمعياته مرشح كبير للإسهام في تسلم الأوقاف العاملة والمعطلة ووارداتها خاصة المعينة مصارفها، والتي يمكن للمؤسسات والجمعيات الخيرية والأهلية المسجلة رسمياً أن تباشر إدارة هذه الأوقاف لبناء مؤسسات تعليمية وصحية وإغاثة وإعلامية، وفي حال إتمام هذه الخطوة فإن مؤسسات القطاع الثالث الخيرية مع وزارات الأوقاف سوف تحقق نجاحاً مميزاً في خصخصة الأوقاف واستثمارها بشكل أمثل، فكل ما حدث وما سوف يحدث لشركات وبنوك النظام الرأسمالي الغربي يؤكد أن خطوات خصخصة الأوقاف في هذا الاتجاه واجب وضرورة؛ لأن ذلك يؤدي إلى الحفاظ على الموارد الوطنية بدورات اقتصادية محلية وفي إنشاء بنى أساسية في تنمية الدولة – أي دولة - وما حدث من انهيارات مالية متتابعة قبل رمضان 1429هـ - 17/سبتمبر 2008م وما بعدها، يؤكد أهمية الابتعاد عن خصخصة الخدمات الاجتماعية والأوقاف للشركات الربحية وخاصة العالمية منها.

     وكانت الوقفة الأخيرة بعنوان «المصارحة والإصلاح» جاء فيها أن الكاتب الأمريكي (باتريك بوكانن) حدد في الأسطر الأخيرة من كتابه: (موت الغرب) الأخطار الأربعة التي تهدد بقاء الحضارة الغربية، وذكر أنها تكمن في غزوات المهاجرين من العالم الثالث، وانقراض الشعوب الأوروبية وخطر التعددية الثقافية، ونشوء دولة كبرى عالمية اشتراكية، وأصبحت هذه القضايا تحديات تحتل العناوين الرئيسة، من ملبورن إلى موسكو.

     لقد أصبح كل العالم محتاجا إلى نظام أخلاقي عادل يقوم على النصح والمصارحة للإصلاح، فعلى المستوى الدولي سقطت معظم قيم الديمقراطية الغربية، وما يسمى بالشرعية الدولية وحقوق الإنسان وقيم الحرية والعدالة، بل إن النظام الرأسمالي للاقتصاد مهدد بالسقوط والانهيار، كما عبرت «النيوزويك» في كثير من عناوين مقالاتها الرئيسة عن (سقوط الرأسمالية)، كما أن الاضطرابات السياسية والحروب القذرة وما صاحبها وتبعها كلها مؤشرات على التناقض وعيوب الحضارة المادية الغربية، وأنموذج الولايات المتحدة الأمريكية كاف للتعبير عن بعض جوانب الإفلاس والتناقض.

     ويعلق د. السلومي على ما سبق بقوله: في اعتقادي المتواضع أن من المتطلبات الأساسية للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والتعليمي والاجتماعي في العالم العربي الاستفادة من تجربة الأمة الإسلامية؛ حيث ولدت الأوقاف الإسلامية حضارة مشهودة، مع الاستفادة المثلي من التجربة الغربية ونجاحها المتميز في القطاع الثالث.

     ويستشهد بقول الشيخ (صالح الحصين) أن: «لا معنى لإقامة مؤسسة للعلاج مع الإبقاء على مسببات المرض، إنها لمأساة أن يكون عجزنا عن اجتياز حاجز التخلف، ليس نتيجة العجز عن العمل فحسب، بل نتيجة العجز عن عدم العمل. إن إمكانيات الإصلاح متاحة والسبيل الوحيد للإصلاح هو الوعي بهذه الإمكانات ووجود الإرادة للانتفاع الأمثل بهذه الإمكانات (والإسلام ذاته ليس موضوعاً للإصلاح؛ وإنما يكون به الإصلاح)»

     وختم الباحث كتابه بخلاصة وتوجيه لأصحاب الشأن والقرار بأن اقتناص الفرص ليس – فقط – بسبب موت الغرب أو انتحاره، ولكن بإقبال الغرب والشرق على الإسلام واعتناقه، وهذه فرصة من فرص كثيرة، وما يمتلكه هذا الدين من رصيد الخيرية للبشرية عامة يعد من أكبر الفرص (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110).

 


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك