رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي 27 مايو، 2017 0 تعليق

القطاع الثالث أحد روافد التنمية المستدامة للدول عموما وللكويت خصوصا الحلقة (5)

 نهض القطاع الثالث في تاريخنا الإسلامي، وضمن من خلال تنوعه وحجمه وضوابطه لحضارتنا الإسلامية في الازدهار عمراً لم تماثلها فيه حضارة من الحضارات، وكان سياجاً في حماية الأصول المالية، وضماناً لاستمرار عطائها لأجيال عديدة، وقد ترك القطاع بمؤسساته ومخرجاته بصمات لا تُمحى في صفحات التاريخ الإسلامي؛ لذلك نعرض في حلقات للإصدار الأخير لمركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية الذي جاء بعنوان: (القطاع الثالث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة)، الذي تولى كتابة مباحثه ثلة من المختصين والباحثين في مجال العمل المجتمعي من خيري ووقفي وتنموي.

    

     القطاع الثالث بما يحتويه من قطاعات ذات صلة يُعدُّ مَعيناً لا ينضب، ورافداً مهماً من روافد الدولة ومورداً من مواردها، لا يقل أهمية عن غيره؛ نظراً لما يناط به من مهام وأعمال وإنجازات بإمكانها سد ثغرات في غاية الخطورة، ودعم موارد الدولة الأخرى بما يعمل على تحقيق التنمية المستدامة إذا ما أقيم على الوجه المطلوب، وأُحسن توظيفه واستثماره.

     ويراد بالتنمية التغيير المنشود والتطوير الشامل للمجتمع بكل فعالياته وتكويناته حتى يفوق على إشباع الحاجات الأساسية لأفراده، ويعمل على تحقيق الرفاهية لهم. والتنمية المستدامة هنا إجمالاً هي: زيادة الموارد والقدرات والإنتاجية، وهذا المصطلح – برغم حداثته - يستعمل للدلالة على أنماط مختلفة من الأنشطة البشرية، مثل: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، الخ. وكل نمط من هذه الأنماط ترتبط معه التنمية لتؤدي المعاني السابقة في كل نمط على حدة.

المراد بالتنمية

     ويُراد بالتنمية الاقتصادية: الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية، لتحقيق زيادات مستمرة في الدخل تفوق معدلات النمو السكاني، أما التنمية الاجتماعية فالمراد منها إصلاح الأحوال الاجتماعية للسكان عن طريق زيادة قدرة الأفراد على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن، وبتحصيل أكبر قدر من الحرية والرفاهية.

التنمية المستدامة

     وعلى هذا فقد عُرِّفت التنمية المستدامة بأنها: «الأعمال التي تستهدف استثمار الموارد البيئية بالقدر الذي يحقق التنمية، ويحد من التلوث، ويصون الموارد الطبيعية ويطوِّرها، بدلاً من استنـزافها ومحاولة السيطرة عليها.

     وهي تنمية تحفظ حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية في بلادها إذا ما خصصت بقطر معين، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية، وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي، وبمعنى أوضح فالتنمية المستدامة التي يستهدفها القطاع الثالث تتطلب تضامناً بين الجيل الحالي والجيل المستقبلي، وتضمن حقوق الأجيال المقبلة في الموارد البيئية.

القطاع الثالث

     كما أن القطاع الثالث من أكبر داعمي العناصر الأساسية التي تقوم عليها التنمية وهي: الاقتصاد والمجتمع والبيئة، وهذه العناصر يرتبط بعضها ببعض، وتتداخل فيما بينها تداخلا كبيرا؛ فالاقتصاد أحد المحركات الرئيسة للمجتمع، وأحد العوامل الرئيسة المحددة لماهيته (مجتمع صناعي أو زراعي أو رعوي، إلخ). والمجتمع هو صانع الاقتصاد، والمُكون الأساس للأنماط الاقتصادية التي تسود فيه، اعتمادا على نوع الفكر الاقتصادي الذي يتبناه المجتمع (الرأسمالي، الاشتراكي، الإسلامي). والبيئة هي الإطار العام الذي يتأثر بالأنشطة الاقتصادية ويؤثر فيها، فكل عنصر من هذه العناصر ترتبط معه التنمية لتؤدي المعاني السابقة في كل عنصر على حدة.

القطاع الثالث والاقتصادي والاجتماعي

     ونظراً لهذا التداخل فإننا سنفصل القول هنا في العنصر الاقتصادي والاجتماعي، أو علاقة القطاع الثالث بالمورد الاقتصادي والاجتماعي؛ باعتبارهما أحد أبرز الموارد التي تحظى بها الدول ولما لهما من نوع حاكمية على بقية الموارد الأخرى؛ بحيث تتداخل فيه، وتنبثق عنه في أغلب الأحايين.

      وإذا كانت التنمية الاقتصادية يراد بها توجيه الثروات المادية توجيهاً من شأنه أن تكون هذه الثروات في خدمة المصلحة العامة؛ بحيث ينمو الإنتاج ويزيد الدخل القومي، فإن القطاع الثالث أو العمل التطوعي والخيري من أهم أدوات تفعيل هذه الثروات وتوجيهها لخدمة المصلحة العامة؛ نظراً لما يؤديه من دور مهم في المجتمعات باعتباره رافدا مهما من روافد التنمية الحقيقة التي تعتني بالإنسان من حيث هو إنسان لا من حيث هو مستهلك أو مورد بشري، ويساعد على دفع مشاريع التنمية المستدامة بما يساعد على تخطي العوائق المؤسسية لدرجة أننا يمكننا القول: إن التنمية المستدامة هي من أوضح إفرازات العمل الخيري؛ ذلك أن العمل الخيري يحاول قدر جهده تلبية مطالب الحاضر من دون التضحية بالمستقبل.

     وعلى ضوء ما سبق نستطيع القول: إن القطاع الثالث بمنظماته غير الحكومية، وغير الربحية، ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني - يعد مورداً أصيلاً من موارد الدولة، وشريكًا أساسياً في جميع عمليات التنمية ومكملاً نقص خدمات القطاع العام (الأول) والقطاع الخاص (الثاني). فهو قوة إدارية مساندة للقطاع الحكومي، يعمل على سد ثغراته، ويعالج تقصيره، ويقوي نفوذه، ويكسبه قوة اقتصادية وسياسية، ويستفيد من نتاج دراساته العلمية في تخفيف الضغوط الخارجية والتدخلات الأجنبية.

القطاع الثالث وموارد دولة الكويت

     يعد القطاع الثالث أحد الموارد الداعمة لموارد دولة الكويت وعلى رأسها الموارد الاقتصادية؛ لأن الاقتصاد وثيق الصلة بالقطاع الثالث ومكوناته الرئيسة: حيث يحظى القطاع الثالث بدور اقتصادي مهم وفاعل في بنية الدولة الاقتصادية والمجتمعية والبشرية؛ نظراً لما يوفره من حاجات أساسية للفقراء والمعدِمين، بل وغير المحتاجين أحياناً من مأكل وملبس ومسكن إضافة إلى عدد من السلع والخدمات العامة مثل التعليم والصحة، وإقامة الطرق وشق الترع، وإقامة بعض المشاريع الخدمية، وهذا ينعكس بطريقة مباشرة على تنمية القوى البشرية، ويطور قدراتها؛ مما يزيد من إنتاجيتها، كما أنه من ناحية أخرى يؤدي إلى التخفيف عن كاهل الموازنة العامة للدولة؛ بحيث تخصص الأموال التي كانت تنفق على هذه الأمور والمجالات إلى مجالات أخرى، وتؤدى بها مشاريع تستفيد منها قطاعات وشرائح مجتمعية أخرى، بل وتستفيد منها الأجيال اللاحقة.

      لدرجة يمكننا معها أن نُعد القطاع الثالث بواجهته العملية المتمثلة في العمل الخيري نوعاً من المشاركة الإيجابية في شؤون المجتمع الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية، ومن هنا كانت اقتصاديات القطاع الثالث يراد بها الحقل البحثي الذي يُعنى بدراسة التوظيف الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق عوائد بجودة أعلى وبكلفة أقل.

هدف النظام الاقتصادي

     وذلك لأن أي نظام اقتصادي يستهدف تحقيق أمرين: الأول: تحقيق الرفاهية الاجتماعية. الثاني: تحقيق التنمية الاقتصادية. وكل نظام من الأنظمة الاقتصادية الموجودة له وسائله المختلفة في تحقيق هذين الهدفين. ومن ذلك نجد أن النظام الاقتصادي الإسلامي استخدم أيضاً وسائله الخاصة لتحقيق ذلك، ومن أشهر هذه الوسائل وسائل التمويل المجاني ومنها: وسائل تطوعية، مثل: الصدقة، الهبة، كفالة الأيتام، والوقف، وكافة صنوف العمل الخيري، وهذا هو ما يسمى بالقطاع الثالث. وبهذا يوفر القطاع الثالث في المجتمع الإسلامي الإطار المناسب لعملية التغيير المرتبط بالثوابت الشرعية، كما يوفر آلية لتعبئة الإمكانات المجتمعية – سواء أكانت إمكانات مادية أم إمكانات بشرية وخبرات تخصصية – ويوظفها لخدمة أغراض التنمية، وهذا أبرز أدوار القطاع الثالث يتقدمه القطاع الوقفي بوصفه مؤسسة مجتمعية.

الأهمية الاقتصادية للقطاع الثالث

     وتكمن الأهمية الاقتصادية للقطاع الثالث ولاسيما في مجال توطين الموارد المالية في قطاع الخدمات؛ من حيث كونه مشاركًا فعالًا في النشاط الاقتصادي، ومن أكثر القطاعات نمواً في مجال التوظيف ومعالجة البطالة في الدول.

     وتظل مؤسسات القطاع الثالث، التي من خصائصها التعامل مع المؤسسات الأخرى لا الارتباط بها، هي النموذج الحي لمؤسسات تدعم وترفد برامج التنمية وخططها حتى لا تتعثر الجهود وتضيع الموارد.

      وحين يستهدف العمل المؤسسي المساعدة لتحقيق ركائز التنمية المستدامة على مستوى الفرد والمجتمع من دون النظر إلى التكاليف بصورتها المادية المحضة، فإننا نتحدث عن مسؤولية اجتماعية حقيقية.

     والقطاع الثالث وإن كان يمتاز بالطابع غير الربحي إلا أنه جزء من مكونات الثروة في الحياة الاقتصادية، ومظهر من مظاهر السلوك الإنساني، الذى ينبع أساساً من أن الإسلام شريعة وعقيدة، أي دين ودولة، وهذا القطاع بوصفه جماعًا لكيانات متعددة يعد مؤسسة اقتصادية كان لها عظيم الأثر في إشباع الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لأفراد المجتمع الإسلامي. فهو مؤسسة تجمع بين الادخار والاستثمار معاً؛ إذ تتألف من اقتطاع أموال عن الاستهلاك المقبل، كان يمكن للمتصدق أو الواقف أو المتطوع أن يستهلكها إما مباشرة إذا كان مما يمكن استهلاكه أو بعد تحويلها إلى سلعة استهلاكية.

     وفي الوقت نفسه تحويل هذه الأموال إلى استثمار يستهدف إلى زيادة الثروة الإنتاجية في المجتمع. وهذه الثروة الإنتاجية الموقوفة على أعمال البر والخير تنتج خدمات ومنافع مثالها: منفعة مكان الصلاة في المسجد ومنفعة مكان سرير المريض في المستشفى، أو مكان مقعد التلميذ في المدرسة. كما أن هذه الثروة الموقوفة يمكن أن تنتج أي سلع أو خدمات أخرى تباع للمستهلكين وتوزع عائداتها الصافية على أغراض العمل الخيري أو التطوعي أو الوقفي أو البحثي غير الربحي... إلخ.

     كذلك فإن للكيان الوقفي بخاصة- أحد أهم أنواع مشتملات القطاع الثالث- رافدًا تنمويًا يلبى المتطلبات المهمة للإبقاء على الأصول المنتجة ورعايتها وصيانتها وتعميرها، وتوليد عوائد منها، تغطي النفقات الجارية للمؤسسات الدينية والصحية والتعليمية والاجتماعية، لاسيما وأن النفقات الجارية على هذه القطاعات تشكل نسباً كبيرة من حجم النفقات العامة.

      فدور الوقف الاقتصادي من الممكن أن يمتد ليشمل كافة القطاعات الاقتصادية، سواء في مجال القطاعات السلعية – الزراعة والري، البترول، الصناعة، التشييد، الكهرباء – أم قطاع الخدمات الإنتاجية – النقل والمواصلات والتجارة والمال والتأمين – أم قطاع الخدمات الاجتماعية – الإسكان والمرافق العامة والخدمات التعليمية والخدمات الصحية.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك