رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 18 مارس، 2019 0 تعليق

القصة..الوسيلة التربوية الأكثر تأثيرًا

أسلوب القصة من الأساليب التي اعتنى بها القرآن الكريم والسنة النبوية عناية خاصة؛ لما فيها من عنصر التشويق، وجوانب الاتعاظ والاعتبار، قال -تعالى-:  {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الأعراف: 176)، ولا تزال القصة والحكاية فارس الميدان الأول في وسائل التربية والتوجيه، وهي الأقوى تأثيرًا والأكثر جذبًا للأطفال؛ إذ إنها من أبلغ الأساليب لتوثيق الفكرة، وإصابة الهدف التربوي؛ نظرًا لما فيها من تدرج في سرد الأخبار، وتشويق في العرض، وطرح للأفكار، كما أنها تصدر مقترنة بالزمان والمكان اللذين يغلفان الأحداث بإطار يمنع الذهن من التشتت وراء الأحداث. (أحمد فريد: التربية على منهج أهل السنة والجماعة،ص:266 بتصرف).

     وتأمّل – عزيزي المربي- كيف كونت التربية بالقصة الهادفة المثل الأعلى في خيال طفل الخامسة، فقد حدث في إحدى المدارس الأهلية أن طلبت المدرسة إلى التلاميذ أن يذكر كل واحد منهم أمنيته؛ ففعلوا، هذا يتمنى أن يكون مهندساً، وهذا طبيباً، وذاك طياراً، وآخر لاعب كرة، ووصل الدور إلى طفل صغير لم يتجاوز الخامسة، قالت له المدرسة: وأنت ماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن أكون صحابياً! نعم، صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهنا اندهشت المدرسة لمّا سمعت ذلك؛ فاتصلت بوالدة ذلك الطفل وأخبرتها بما قال؛ فقالت الأم: لا غرابة في ذلك؛ فإن أباه يقصّ عليه كل ليلة واحدة من قصص الصحابة، حتى أصبح كأنه يعيش معهم ومع بطولاتهم، ويحاول أن يحاكي أخلاقهم وتصرفاتهم التي يسمعها في سيرتهم! (د.سميحة غريب، كيف تربي طفلاً سليم العقيدة؟،ص:160).

قصة قبل النوم

     ناشد أطباء علم نفس الأطفال مؤخرًا الأمهات بضرورة العودة لـ(حدوتة قبل النوم)، التي ترويها الأم أو الجدة بصوتها الحنون، بدلاً من الاعتماد الكلي على ما تعرضه أجهزة التلفاز والحواسيب؛ حيث يزيد وجود الأم إلى جوار ابنها قبل نومه من ارتباطه بها، ويبث في نفسه قدراً كبيراً من الطمأنينة، ويجنبه أي نوع من المخاوف أو القلق، و يمنع عنه الأحلام المفزعة أو الكوابيس أثناء النوم .

     كما أن سرد القصة أو الحدوتة على مسامع الطفل قبيل نومه له أهمية خاصة؛ لأن أحداثها تختمر في عقله، وتثبت في مركز الذاكرة في المخ أثناء النوم؛ فتظل راسخة في ذاكرته، ويصعب عليه نسيانها، الأمر الذي يجعل منها وسيلة رائعة و مثمرة من وسائل التربية .

تأثير القصة  في نفس الطفل وعقله

     إننا نستطيع من خلال السرد القصصي المصحوب بالأداء الدرامي بالصوت والحركات، أن نثير الحيوية في أحداث بعيدة عن أبنائنا في زمانها ومكانها؛ فتتحول من أخبار جامدة إلى أدوات لزرع الأفكار والقيم فيهم، ومن ثم وسيلة إلى نقد السلوكيات السيئة في حياتنا.

الأثر التربوي

والقصة تترك أثرها التربوي في نفوس الأبناء بأمرين:

- أحدهما: المشاركة الوجدانية؛ حيث يشارك الأبناء أبطال القصة مشاعرهم وانفعالاتهم؛ فيفرحون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم، وكأن أحداث القصة تحدث في اللحظة ذاتها التي تحدث فيها.

- الثاني: تأثر الأبناء تربوياً بما يسمعونه بغير وعي كامل منهم؛ إذ إن سامع القصة يضع نفسه موضع أشخاصها، ويظل يعقد مقارنة خفية بينه وبينهم؛ فإن كانوا في موقف البطولة والرفعة والتميز، تمنى لو كان في موقفهم، ويصنع مثل صنيعهم البطولي، وإن كانوا في موقف يثير الازدراء والكراهية حمد لنفسه أنه ليس كذلك!

وبهذا التأثر المزدوج تؤثر القصة تأثيراً توجيهياً يرتفع بقدر ما تكون طريقة أداء الراوي بليغة ومؤثرة، وبقدر ما تكون المواقف داخل القصة عامة وليست فردية أو عارضة.

مثال تطبيقي

     إننا لا نبالغ إذا قلنا: إنه من خلال القصة الموجَّهة والمُختَارة بعناية، يمكننا أن نعالج الكثير من الأمراض الفكرية القاتلة، والسلوكات الخطأ التي قد تتسرب إلى عقول أبنائنا، مثل: الانهزامية، والسلبية، وعدم الموازنة بين التوكل الصادق على الله -تعالى-، وضرورة ممارسة الأسباب والأخذ بها بجدية، كإحدى مفردات عبودية التوكل؛ فمن خلال قصص نجاحات المسلمين جماعات وأفراداً، نعلمهم قوانين النجاح التي تدفعهم إلى إتقان العمل بدلاً من تسويغ الفشل!

     ولا مانع أن نقص عليهم قصص الإخفاق التي لحقت بالمسلمين(في غزوتي أحد وحنين، مثلاً) كي نوضح لهم أسباب الخلل وتخلف النصر والنجاح فيهما، رابطين بينها وبين النتائج، وكيف أن ذلك حدث والنبي  صلى الله عليه وسلم  بين صفوف المسلمين، يقودهم ليستقر في نفوس الصغار الواعدين، أنّ  للنصر والنجاح المنشود الذي ينهض بالأمة، قوانين ربانية لا تتخلف ولا تحابي أحداً، وأسباب ووسائل لابد من الأخذ بها عن كثب ومثابرة.

ومثال آخر لغرس فضيلة خُلُقيّة ودينية: غرس فضائل المراقبة لله -تعالى-، والنصح للمسلمين، والأمانة وعدم الغش، في نفس الابن من خلال قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع راعي الغنم، وأيضاً قصته مع بائعة اللبن وابنتها الأمينة.

ماذا نحكي لأبنائنا ؟

يتساءل بعض الناس قائلا: ماذا يمكنني أن أحكي لأبنائي ولاسيما في ظل هذا الزخم الهائل من وسائل التقنية الحديثة؟

قصص القرآن الكريم

     قال -تعالى-: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}(يوسف:3)؛ فقصص القرآن الكريم هو أحسن القصص؛ لأنه يمتاز بسمو غاياته، وشريف مقاصده، وعلو مراميه، اشتمل على فصول في الأخلاق؛ مما يهذب النفوس ويجمل الطباع، كما يحوى  كثيراً من تاريخ الرسل مع أقوامهم، ويشرح أخبار قوم هُدوا، فمكّن الله لهم في الأرض، وأقوام ضلوا فساءت حالهم، وخربت ديارهم، ووقع عليهم النكال والعذاب؛ ليضرب بسيرهم المثل، ويدعو الناس إلى العظة والتدبر .

القصص النبوي

     من أهم مميزات القصص النبوي أنه اعتمد على حقائق ثابتة، وقعت في غابر الزمن، وهي بعيدة عن الخرافات والأساطير، وإنما هي قصص تبعث في نفس الطفل الثقة بهذا التاريخ، كما تمنحه الانطلاق نحو المكارم، وتبني فيه الشعور الإسلامي المتدفق الذي لا يجف نبعه، والإحساس العميق الذي لا يعرف البلادة. (محمد نور سويد، منهج التربية النبوية للطفل، ص:329)، كما يتضمن القصص النبوي ما قصّه النبي  صلى الله عليه وسلم على أصحابه من أخبار الأمم السابقة، مثل: قصة الأبرص، والأقرع، والأعمى، قصة أصحاب الأخدود، قصة المقترض الأمين، وغيرها كثير، كما يتضمن أحداث السيرة النبوية والغزوات وأخبار الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين.

     وللمربي الحاذق بعد ذلك أن يتخير من أخبار العظماء والناجحين في أمتنا عبر التاريخ إلى يومنا هذا وما أكثرهم ولله الحمد!؛ فإن أخبار العلماء العاملين والنبهاء الصالحين - مع التركيز على فترات الطفولة في حياتهم - من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة، وتبعث فيها السمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات.

احذر هذه القصص

     وعلى المربي أن يحذر في المقابل من قصص الخيال العلمي مثل (سوبرمان) و (النينجا)و(جرانديزر) و(بطاقات الباكوجان) ....، التي تصيب الطفل بالإحباط والعجز أكثر مما تفيده، وتفقده القدوة فيمن حوله، فضلاً عمّا تحتويه من مخالفات صريحة لعقيدة التوحيد لله -تعالى-؛ لذلك لا يصح أن يترك الطفل أمام هذه القصص بلا رقيب.

قصص السحر والجان

     مثل علاء الدين و المصباح السحري، والأميرة والأقزام، ومثيلاتها التي تعد أيضاً من نوع الخيال الذي يتنافى مع العقيدة الإسلامية؛ فهي تعلم الأطفال أن الجان يساعدون من يلجأ إليهم، ويخضع لهم، وتوحي القصة بأن خادم المصباح قد ينجي الإنسان من المهالك، وأن الركوع لغير الله جائز.

قصص الرعب

     مثل بيت الأشباح، والرجل أبو جوال يحمل فيه من لا يسمعون الكلام من الأطفال، وهي ممنوعة؛ لما تؤدي إليه من إصابة الطفل بالهلع والخوف حتى لا يكاد يجرؤ على النهوض ليلاً ليدخل الحمام، وهي لا تصلح أبداً وسيلة من وسائل التربية أو التوجيه للطفل .

قصص الرذيلة والمكائد

القصص التي تدعو إلى الرذائل والدنايا والمكائد، ولا تدعو إلى حب الخير وأهله، كقصص الحب والجنس، أو القتل والسطو؛ فهذه لا يجب أن يراها الأبناء أو تحكى لهم في أي مرحلة عمرية وتحت أي مسوغ.

     وأخيراً -عزيزي المربي-، تأكد أن حرصك ومواظبتك على رواية أجمل القصص والحكايات الهادفة لأبنائك، تمنحهم أشياء أخرى تزيد على فوائد القصة التربوية، مثل الحب والارتباط بينك وبينهم؛ فاجعلهم يشعرون بحرارتها؛ إذ يستلمونها منك، ندية دافئة، ترطبها نبراتك الصادقة وأنت تمنحهم نسخة من أعماق الخير الذي تؤمن به، وتحمله بين جنبيك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك