القرآن الكريم فيه هداية البشرية وسعادتها
القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى- على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون فيه هداية وسعادة البشرية في نهاية تاريخها، قال -تعالى-: {ِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء 9)، ولكن بسبب ضعف اللغة العربية عند كثير من المسلمين المعاصرين، أصبحت هداية القرآن غير واضحة لهم، رغم شدة عنايتهم بالقرآن استماعًا وقراءة وحفظاً، إلا أن الفهم الجيد لمقاصد القرآن وتوجيهاته لا يزال دون المستوى المطلوب.
ويمكن تشبيه حال المسلمين مع فهم القرآن بحال الطالب الذي يحفظ القانون الرياضي والمثال الموجود في الكتاب المدرسي، لكنه يقف حائراً في الامتحان إذا تغيرت الأرقام أو تغير طرف المعادلة المفقود عن المثال الذي حفظه!، ورغم أن كثيراً من المسلمين يقرؤون القرآن لكنهم لا ينمّون معرفتهم بمقاصد القرآن وتوجيهاته، ومن ثم لا تتحسن سلوكياتهم أو مبادراتهم ومواقفهم.
دراسة تفسير القرآن
ولعل من الأشياء التي تساعد على زيادة تدبر القرآن هو دراسة تفسير القرآن والكتب المتخصصة في بيان قضايا القرآن الكريم، كما أن حضور مجالس تفسير القرآن أو سماعها - وقد أصبحت بفضل الله ميسرة - وسيلة مثالية للكسالى في القراءة.
معرفة القضايا التي تناولها القرآن الكريم
ولعل مما يساعد على فهم القرآن الكريم معرفة القضايا التي تناولها القرآن الكريم؛ مما يعطي فكرة كلية في الذهن لمواضيع القرآن تساهم في فهم أفضل للقرآن. ويرى د. فريد الأنصاري - رحمه الله- في كتابه (البيان الدعوي)، أن القرآن الكريم جاء لأمرين:
الأمر الأول: تفسير معضلة الوجود
تفسير معضلة الوجود التي يعبر عنها بأسئلة من أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟ ولماذا؟، وموقع الإنسان منها، فالقرآن الكريم بيّن للإنسانية جمعاء حقيقة وجودها وكيفية نشأة الحياة على الأرض، هذه النشأة التي تضاربت فيها التصورات البشرية دون دليل أو برهان، لكن القرآن الكريم -بما أنه كلام الخالق لهذا الكون- فإنه يقدم الحقيقة التي لا نقاش فيها، ولا يتوقف القرآن الكريم عن بيان حقيقة نشأة الحياة والكون، بل يقدم لنا المستقبل القريب وهو ما بعد الموت ودخول القبر، والمستقبل البعيد الذي هو اليوم الآخر وما فيه من نعيم وعذاب، وتشرح لنا آيات القرآن الكريم كيف خلق الله هذا الكون؟ ولماذا؟
طمأنينة القلب
والرؤية القرآنية لكل هذه الأسئلة تولد طمأنينة في القلب، بأن الخالق هو رحمن رحيم وعالم قدير وقوي عزيز، كما أنه عادل وكريم، فلذلك تسكن النفس وتهدأ، وتحب هذا الخالق وتلجأ إليه، بعكس الرؤى الأخرى التي تصور هذا العالم وقد جاء نتيجة خبط عشواء، أو صراع جبابرة أو غيرها من التصورات السقيمة.
والآيات التي تتناول هذه الإجابات تكاد تشغل ما يزيد عن ثلث القرآن، فمن فهم هذه الغاية الأولى للقرآن الكريم يستطيع المرء ربط الكثير من مدلولات الآيات والسور في ذهنه؛ فيتولد في قلبه إيمان وتعظيم وخشية لله -عز وجل-، ويقبل على أداء واجب الإيمان بالخالق والرب والإله العظيم وهي الغاية الثانية للقرآن الكريم.
الأمر الثاني: بيان وظيفة الإنسان في الدنيا
بيان الوظيفة المنوطة بالإنسان في الدنيا، أو بعبارة أخرى بيان ما يصلح شأن الإنسان في الأرض حتى يصل إلى الجنة في السماء، وأعتقد أن الرؤية التي قدمها د. عبد الكريم حامدي في كتابه (المدخل إلى مقاصد القرآن) تشرح أبعاد الوظيفة المنوطة بالإنسان في وجوده على الأرض.
ثلاثة إصلاحات عامة
حيث قرر د. حامدي أن القرآن جاء لتحقيق ثلاثة إصلاحات عامة، هي: الصلاح الفردي والاجتماعي والعالمي.
الصلاح الفردي
فالصلاح الفردي يشمل إصلاح العقل بالاعتقاد الصحيح والتفكير السليم، وإصلاح النفس بالخلق القويم والعبادة الحقة، وإصلاح الجسم بتجنبيه ما يضره من الأمراض والأطعمة والأشربة.
الإصلاح الاجتماعي
أما الثاني وهو الإصلاح الاجتماعي الذي جاء به القرآن الكريم فيتناول الإصلاح المالي، وقد رأينا العالم مؤخرا قد حصد نتائج الربا الوخيمة التي حذر منها القرآن، والإصلاح العقابي الذي يضمن استقرار المجتمعات، والإصلاح العائلي الذي به يتناغم الإنسان مع الوجود من حوله، ولكن رغم آلاف السنين لا يزال البشر لم يتفقوا على تصور بشري يحقق المصلحة العائلية، ولذلك يشهد العالم اليوم محاولة فرض منظومة قيم عائلية من منظور علماني إلحادي.
الإصلاح العالمي
والإصلاح الثالث الذي جاء به القرآن هو الإصلاح العالمي من خلال الإصلاح التشريعي، بجعل حق التشريع للخالق الرحيم بعباده، والعليم بما يصلحهم، بدل تركه في أيدى البشر يتلاعبون فيه بحسب مصالحهم وأهوائهم، ومن خلال الإصلاح السياسي المؤسس على العدالة والحق، والواقع السياسي اليوم يصرخ بحاجته إلى الإصلاح، فالديمقراطية التي تعد بلا شك اليوم من أرقى النظم السياسية التي اخترعتها البشرية إلا أنها تعانى الكثير من الثغرات والعيوب، ومنها على سبيل المثال أن الديمقراطية قد تفرز طغاة مثل هتلر.
الخريطة الشمولية
فامتلاك المسلم هذه (الخريطة الشمولية) لمجالات الإصلاح في دنيا البشر ودوره فيها بحسب موقعه، يساعده على فهم القرآن الكريم وتدبر معانيه، والعمل بمقتضى أوامره ونواهيه، التي استغرقت الآيات المتعلقة بها حجما كبيرا جداً في القرآن الكريم.
منهج الأنبياء
ومما لفت إليه د.عبد الكريم الحامدي أن الله -عز وجل- حين خلق الكون، ومنه الأرض، خلقها على وجه الصلاح، ولكن الإنسان هو الذي أفسدها بطغيانه عن أمر الله، ولذلك كان منهج الأنبياء دوما هو منهج الإصلاح كما قال -تعالى- على لسان شعيب -عليه السلام-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} (هود 88)، وكان الذم للكافرين بأنهم هم المفسدون، قال -تعالى-: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الأعراف 74).
إصلاح الإنسان
أما د. فريد الأنصارى فينبه إلى أن القرآن وهو يدعو إلى إصلاح الإنسان، فذلك ليكون الإنسان منسجماً مع الكون الذي خلقه الله -عز وجل- كما في قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} (الحج 18).
لاتوجد تعليقات