رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 15 يناير، 2019 0 تعليق

القرآن الكريم دليل النبوة الخالد

القرآن الكريم بما جاء فيه من أوجه إعجاز في الطب، والفلك، وعلوم الأرض، والأحياء، والتاريخ، واللغة، هو أعظم دليل وأقوى حجة تدل على أن المتكلم بالقرآن تفوق قدراته قدرات المخلوقين جميعهم؛ مهما اتسعت معارفهم، وكملت علومهم؛ فما بالنا وقد نزل القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يعالج حياة شديدة القساوة، بالغة الصعوبة؛ فيتحدى به فحول العربية، في البيان، والحكمة، والتأثير، وإذا به يعالج العديد من القضايا، العقائدية، والتشريعية، والأخلاقية، والتاريخية، والفلكية، ثم هو يأتي مع كل ذلك، وقد صيغ في آيات على أقصى غاية في التركيز، والدقة، والجلال، والسهولة، والإتقان، فمن أين حصل للنبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك؟ إلا أن يكون قد تلقاه بوحي من الخالق جل جلاله.

 

محمد صلى الله عليه وسلم أمين الأرض

     فلقد تلقى صلى الله عليه وسلم ما أوحى به الله إليه عن طريق أمين السماء جبريل -عليه السلام-، دون تصرف منه في شيء، ولا مدخل له برغبة أو طلب لشيء؛ فبينما كان يكابد الجوع، والتعذيب، والتشريد، وموت الزوجة والعم والولد في مكة، كانت تنزل عليه سور القرآن الكريم، لا تشير إلى شيء من عذاباته، ولا تعلق على شيء من معاناته، ولا تجعل من حياته الشخصية محوراً للحديث عن شيء سوى الدعوة والدعوة فحسب، ثم هو في المدينة يخوض الحروب، لا يكاد يمر عام إلا وقد شهد غزوة أو فتحاً، وقد تخلل ذلك أيضاً موت بناته، وأبنائه، وأحبابه، ولكن ليس في القرآن الذي نزل بالمدينة أيضاً شيء يتعلق سوى بالدعوة والدعوة فحسب، يستثنى من ذلك سورتي التحريم والأحزاب؛ فأما سورة الأحزاب؛ فتحدثت عن زواجه من زوج ابنه المتبنى، وعالجت التشريع المتعلق بذلك؛ فالتناول تشريعي تماماً، وأما سورة التحريم؛ ففيها جوانب متعددة على قِصَرِها، منها ما هو تشريعي، وما هو دعوي، وما هو تربوي، والشاهد أن الحياة الخاصة للنبي صلى الله عليه وسلم على زخم ما زخرت به من أحداث، لم تكن محوراً لآيات القرآن الكريم إلا نادراً، كما لم تكن عائقاً يعوق نزول القرآن حتى في أحلك الظروف وأقسى المواقف.

القرآن كلام الله

وإن مما يدل على أن القرآن الكريم كلام الخالق -جل جلاله- فضلاً عما سبق:

أن المتكلم في القرآن هو الله -تعالى

     ففي جميع كتب الديانات السابقة، ولاسيما اليهودية، والنصرانية، تجد أن الكلام فيها يشبه إلى حد بعيد كتب التاريخ؛ فمرة يكون المتكلم فيها هو النبي (موسى، وعيسى، إلخ)، ومرة غيره من الناس، وأحياناً يكون الكلام منسوباً إلى الله -تعالى-؛ فتجد مثلا في عديد من المواضع بالعهد القديم عبارة: «وكلم الرب موسى قائلاً»، لكنك تجد أيضا في مواضع أخرى: «هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع بني إسرائيل» (تثنية، صح1، فق1)، «ودعا موسى جميع بني إسرائيل وقال لهم» (تثنية، صح5، فق1)، ثم إنك تجد هذه الأسفار التي من المفترض أنها نزلت على موسى، هي نفسها الأسفار التي تخبرنا بوفاة موسى وبكاء بني إسرائيل عليه، (تثنية، صح34، فق8:6)؛ فمرة المتكلم (الرب)، ومرة (موسى)، ومرة (طرف مجهول)!! وأما الإنجيل؛ فموضوعه واضح من البداية: (كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم، أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا) (متى، صح1، فق1و18)؛ ولذلك فإن القرآن من هذه الجهة يمثل الرسالة الإلهية الوحيدة على الأرض، التي يتوجه فيها الخطاب من الله -تعالى- إلى الناس مباشرة من غير واسطة ملك ولا نبي؛ فالخطاب في القرآن لم يرد بصيغة قال محمد صلى الله عليه وسلم، ولا هذا ما تكلم به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حتى هذا ما بلَّغ محمد صلى الله عليه وسلم ، أو أُمر ببلاغه عن ربه، ولكنه جاء بالصيغة المباشرة من الله إلى الخلق: {يا أيها الناس}، {يا أيها المؤمنون}، {يا بني آدم}، وحين يكون النبي صلى الله عليه وسلم طرفاً في الخطاب؛ فإنه يقول: {يا أيها النبي}، أو {يسألونك .. قل}، أو {قل}، وهكذا في غير ما لبس يظهر أن المتكلم في القرآن هو الله -تعالى-، ومن ثم فإن دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يعدو أن يكون دور الحامل للرسالة والمبلغ لها، لا غير.

جلال القرآن وجماله

     يتميز القرآن الكريم عن غيره من الكتب بجلال عبارته، وأثرها الجاذب للنفوس؛ فهو بذاته من غير مؤثرات خارجية، يحدث ذلك التأثير في النفوس. بينما جميع الديانات الأخرى تجتهد في إضفاء هذا الجلال على كتبها، بتمطيط الكلمات، وتضخيم الأصوات، وتنغيمها، وإضافة آلات موسيقية مساعدة لتحقيق الأثر النفسي المأمول لها، بينما القرآن الكريم لا يمكن التمطيط فيه؛ حيث يعد ذلك لحناً قادحاً في صحة التلاوة؛ فالمدود في القرآن في مواضع معينة، لامجال فيها للاجتهاد، أو التغيير؛ وهي لذلك تؤدي دوراً محدداً في إبراز المعنى، نابعاً من النص ذاته، لا من حذق المؤدي وحنكته أو مدى انفعاله؛ وهي لذلك أيضاً تعد وجهاً من وجوه الإعجاز فيه؛ فلا يحتاج القارئ للقرآن إلى شيء من خارجه لإبراز جماله وجلاله، ولكن فقط يؤدي بطريقة صحيحة، وفق قواعد اللغة، وأحكام التلاوة؛ فسيخرج عند ذلك جليلاً جميلاً، مهما كانت إمكانات الصوت، وأوصافه.

 التحدي به منذ اللحظة الأولى

     حين نزل القرآن، وكان نزوله متتابعاً، على مدى ثلاث وعشرين عاماً، بادر من البداية بإظهار التحدي للإنس والجن مجتمعين أو منفردين أن يأتوا بمثله، وبالغ في التحدي حين عجزوا عن الإتيان بمثله؛ فتحداهم أن يأتوا ببعضه، ولو بأقل سورة فيه؛ من حيث الكم، وإن هذه الثقة لا يسع أن يتملكها صاحب دعوة يتمتع بالحكمة، إلا إذا كان متأكداً من العجز الكامل لخصومه عن ذلك، وإلا كان معرضاً دعوته للفشل، حين يأتي أحد النابهين بمثل قوله، والمدهش أن هذا التحدي ليس له زمن معين، بل قائم من حين نزول القرآن الكريم وإلى قيام الساعة، وهذا دليل قوي على صدق نسبة هذا القرآن إلى الخالق -سبحانه-، ومن ثم صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته؛ لأن التنبؤ بعجز الخصم عن النهوض بمثل ذلك في الحاضر ممكن بتقدير إمكاناته، لكن الخرص بذلك فيما تستقبله الأجيال، يعد مغامرة لا يقدم عليها إلا متهور، أو عليم حكيم خبير -سبحانه-، وإنه قد أخبر عن ذلك في القرآن فقال: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(هود: 1)، وقال: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}(النمل: 6).

إعجاز القرآن في كماله

      فلقد تعدد محاولات الأدعياء في أزمنة متعددة للنيل من قدسية القرآن الكريم بطرائق شتى، من ذلك محاولة معارضته، والإتيان بمثله، ولكنها كلها محاولات فاشلة، لم تزد أصحابها إلا افتضاحاً بالغباء والحمق والجهل، ليس فقط من جهة ركاكة الأسلوب وتهافت الصياغة، ولكن أيضاً من حيث المضمون الذي يتسم بالسطحية والتقليد والرغبة في المحاكاة من غير ثبر، وعدم القدرة على الفهم بأن مكمن الإعجاز في القرآن في كماله؛  فهو لا يتوقف في إعجازه على التدفق في جانب من العلوم دون آخر، ولا على ناحية من النواحي دون أخرى؛ فأين الكتب الملفقة من كمالات القرآن الكريم التي لم تقتصر على إشباع الحياة الروحية للإنسان فقط، ولا على الوفاء بمتطلبات الفرد على المستويين المادي والمعنوي فقط، ولا على إحداث التوازن بين حاجات المجتمع والأمة من جانب، وحاجات الأسرة والفرد من جانب آخر؟ أين هي الكتب الملفقة من التشريعات القرآنية التي تقنن لعلاقة راقية بين الناس رجالهم ونسائهم بتشريعات تحفظ لكل ذي حق حقه، وتبرز في الوقت ذاته قيمة الإنسان ذكراً كان أم أنثى، طفلاً كان أم رجلاً؟ أين الكتاب الذي يضاهي القرآن الكريم في تكامل عطاءاته على هذا النحو لتشمل اهتمامات البشرية كلها في مناحي الحياة الدنيا وما بعدها؟

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك