رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 22 فبراير، 2021 0 تعليق

القرآن الكريـم صــراط اللـــه المستـقـيــم

 

الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي

 

قال الله -تعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان:1)، وصف الله القرآن بهذا الوصف الجليل، المطابق للواقع؛ فإن الفرقان هو العلم النافع الصحيح، الذي يوضح الحقائق، ويميز بني مراتب الأشياء المتباينات، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} (الأنفال:29). أي: علما، ومعارف عظيمة، تفرقون بها بين الأمور النافعة والأمور الضارة.

     فعلوم القرآن تعطي العالم بها فرقانا يفرق بين الحق وبين الباطل، فإنه وضح الحق والأصول والعقائد، وبينها بطرقها وبراهينها، فبين التوحيد والرسالة والمعاد، بيانا كافيا شافيا بأدلتها وبراهينها التي لا تبقي شكا ولا ريبا ولا إشكالا، وأبطل ما يضاد ذلك وينافيه ويعارضه بالبراهين الدالة على بطلانه.

وفرق بين الصراط المستقيم المتضمن معرفة الحق والانقياد له، وبين السبل الأخرى وهي سبل المذاهب الباطلة والطرائق الفاسدة، وأقام الأدلة على فسادها شرعا وعقلا، وفرق بين أولياء الله بذكر صفاتهم وإيمانهم وأخلاقهم وأعمالهم الجميلة الصالحة.

     وبين أعداء الله بذكر انحراف عقائدهم وضلالهم وسوء مقاصدهم وأخلاقهم الرذيلة وأعمالهم الفاسدة، وفرق بين الدين الحق، وهو دين الإسلام الذي يدعو إلى الإيمان بكل رسول أرسله الله، وبكل كتاب أنزله الله، وألا نفرق بين أحد من رسله، وبين شيء من كتبه، بل نؤمن بالحق الذي نزلت به الكتب وأرسلت به الرسل كلهم.

قرر الحقائق كلها

     فجمع الدين الإسلامي جميع الأديان الصحيحة، وقرر الحقائق كلها، وذكر انحراف من تناقض في دينه، وإيمانه فآمن ببعض الرسل وبعض الكتب دون بعض، وأخبر أنه بهذا الإيمان الذي زعمه بالإبطال، فإن الرسل يصدق بعضهم بعضا، ويؤمن بعضهم ببعض، والكتب السماوية كذلك، وتكذيب بعضهم تكذيب للجميع، ولهذا قال الله -تعالى- عن هؤلاء الضالين الظالمين: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (النساء: 150-151).

وقال -تعالى- آمرا جميع الخلق: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة:136).

     فهذا الإيمان الذي أمر الله به الخلق كلهم، جمع الحق كله، والدين الصحيح كله، واحتوى على إقرار جميع الحقائق الصادقة، والحث على جميع العلوم النافعة، والمعارف الصحيحة، والأخلاق الجميلة، والأعمال الصالحة، المصلحة للدين والدنيا، المصلحة للعقول والقلوب والأرواح، في الدين والدنيا والآخرة.

يهدي للتي هي أقوم

     وأخبر -تعالى- أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم- أي: أزكى وأفضل وأكمل، من العقائد والأخلاق والأعمال، والعلوم والمعارف، والصلاح المطلق، والإصلاح والفلاح. وفرق أيضا بين الحلال والحرام، والطيب والخبيث، فأمر وأباح كل طيب نافع من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ومن المآكل والمشارب والملابس والمناكح، والمعاملات والاستعمالات، فكل طيب نافع أباحه وأمر به، بحسب حاله، وكل خبيث ضار من هذه المذكورات منعه وحرمه، وحذر الخلق عنه، رحمة بهم في الأمرين- فيما أباحه لنفعه وخيره وبركته، وفيما حرمه لضرره وشره.

حق الله وحق رسوله - صلى الله عليه وسلم 

     وفرق القرآن بين حق الله الخاص، وهو الاعتراف بوحدانيته، وأنه ليس له شريك في شيء من خصائص أوصافه والقيام بعبوديته على وجه الإخلاص والإحسان، وبين حق رسوله الخاص، من التوقير والتعزيز والنصرة وتوابعها، وبين الحق المشترك، وهو الإيمان به وبرسوله، ومحبته ومحبة رسوله، وطاعته وطاعة رسوله، فهذا أصلا، ولرسوله تبعا.

حقائق العباد.

     كما فرق القرآن بين حقوقه من العبادات كلها، وبين حقوق خلقه على اختلاف حقوقهم ومراتبهم، من الوالدين والأولاد، والأقارب والأصحاب، والجيران وأبناء السبيل، والمساكين والمعاملين، والزوجات والأزواج، فذكر حقوق هؤلاء مجملة مفصلة، حصل بها الفرقان بين من قام بها فاستحق الثواب الجزيل، ومن أهملها أو بعضها فاستحق من العقاب بحسب حاله.

التفريق بين الأموال المباحة والمحرمة

     وفرق القرآن بين الأموال التي تؤكل بحق، وهي الحاصلة بكل طريق مباح شرعي، وبين الأموال التي تؤكل بالباطل وبغير حق من المعاملات الفاسدة، والميسر والاستيلاء عليها بغير حق، فذكرها موضحة مفصلة، وبين المواريث ومستحقيها، وأحكام الأنكحة وشروطها ومحرماتها وحقوقها، والطلاق والرجعة والعدد، وبين الجنايات على النفوس والأموال، وموجباتها، وما يترتب عليها من الديات والضمانات.

التفريق بين الأيمان الصحيحة والمحرمة

وفرق القرآن بين الأيمان الصحيحة المنعقدة، وبين غيرها من الأيمان المحرمة أو غير المنعقدة والنذور، وبين الأحكام والأقضية العادلة، وطرقها، ومتعلقاتها، وذكر ما يضاد ذلك وينافيه.

التفريق بين العلوم النافعة والعلوم الضارة

     وفرق القرآن بين العلوم النافعة التي تعين على الدين والدنيا، وتنفع في العاجل والآجل، فحث عليها، وأمر بها، وبين العلوم الضارة التي كلها ضرر، أو ضررها أكثر من نفعها، ونهى عنها وحذر منها، فما من علم نافع ومعرفة صحيحة وخلق جميل، وعمل صالح وسعي نافع إلا بينه، وحث عليه، ونهى عن ضده.

فلا بقي شيء يحتاج إلى تفصيل وتوضيح وفرقان، إلا كان هذا القرآن كفيلا ببيانه، وكافيا للمقبلين عليه، ولا تزال علومه ميسرة للمتذكرين، وكنوزه معدة للمتدبرين، وآياته ظاهرة للعالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك