رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 22 مارس، 2011 0 تعليق

القذافي والإعلام الصهيوني

 

تعامل الإعلام الصهيوني في بداية الأمر مع الأحداث في ليبيا بحذر وحرص - إلى حد ما – على اعتبار أن ما يحصل فيها هو حالة مشابهة لما حصل في تونس ومصر، ونقل صورة الأحداث بنوع من الاتزان، وبعد أن تبين أن ثورة الشعب في ليبيا تحولت إلى حرب أهلية، وأصبح الثوار متمردين، وسيطرت قوات القذافي على بعض معاقل المتمردين، تحول الإعلام الصهيوني إلى إعلام يخدم القذافي وجيشه، وغابت عن التغطية حقائق المجازر وسفك الدماء وإبادة الشعب، وتناغم الموقف اليهودي مع مواقف القذافي وتصريحاته ورؤيته الإستراتيجية!!

     لا شك أن انحياز وسائل الإعلام اليهودية في الأيام الأخيرة إلى نظام الزعيم الليبي يعبر عن مصالح المؤسسة السياسية والأمنية بالكيان الصهيوني مع ذلك النظام؛ حيث كانت هناك تلميحات من الكيان الغاصب شبه رسمية إلى أن أميركا والدول الأوروبية لا يمكنها أن تجازف بسقوط ليبيا في أيد خطرة، بسبب موقع ليبيا القريب من أوروبا وثروتها النفطية واحتمال وجود سلاح كيماوي بحيازتها.

      حيث انتدبت صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أيام وفي خطوة وصفتها بالتاريخية مراسلها العسكري (رون بن يشاي) إلى ليبيا، ليوثق ما يحدث من قلب العاصمة طرابلس، ناقلا من هناك المواقف والانطباعات الجماهيرية المساندة للعقيد القذافي.

حقيقة الأصول اليهودية:

       وفي خضم هذا التناغم والانحياز نشرت صحيفة عبرية « إسرائيل اليوم» خبراً تحت عنوان: «القذافي من أصول يهودية ومن حقه اللجوء إلى إسرائيل»مفاده أن الزعيم الليبي معمر القذافي يعود إلى أصول يهودية، مستشهدة بتفاصيل أوردتها امرأتان يهوديتان من أصول ليبية قالتا للقناة العبرية الثانية العام الماضي إنهما من أقرباء القذافي.

       وأكدت (غويتا براون) وحفيدتها (راشيل سعدا)أن أصول القذافي يهودية، مشيرتين إلى أن جدة براون وجدة القذافي شقيقتان.وأوضحت سعدا أن القصة بدأت عندما تزوجت جدة القذافي اليهودية رجلا من بنى جلدتها ولكنه أساء معاملتها فهربت منه وتزوجت مسلما زعيما لقبيلة، فأنجبت منه طفلة أصبحت والدة القذافي.

       ورغم أن جدة القذافي اعتنقت الإسلام عندما تزوجت ذلك الزعيم، فإنها تبقى حسب القانون الإسرائيلي يهودية. وعلق المذيع حينها بالقول: إن «المهم في ذلك أن القذافي لا يملك أقرباء يهودا وحسب، بل هو نفسه يهودي».

       وتقول المجلة العبرية: إن تلك الأنباء ليست بالأمر الجديد، ولكن في ظل الانتفاضة الأخيرة في ليبيا التي تهدد بالإطاحة بنظام القذافي –كما حصل في تونس ومصر- فإن الزعيم الليبي «قد يبحث عن إستراتيجية خروج». وإذا ما كانت تلك الأنباء صحيحة -والكلام للمجلة- فإن من حق القذافي الهجرة إلى إسرائيل وفقا للقانون الإسرائيلي الخاص بـ«عودة اليهود».

         ولكيلا ننساق وراء الإعلام اليهودي، ونكرر ما ينشره ويشيعه، ولاسيما في هذه الأجواء المشحونة التي يعيشها عالمنا العربي، نتساءل: لماذا كل هذا الحديث عن الأصول اليهودية عن القذافي في هذا الوقت بالذات؟! وهل هي دعاية مغرضة ذات أسباب سياسية؟ أم لها أساس من الصحة؟! ولن نتبنى أي رواية إلا إذا كانت مثبتة، أما اليقين لدينا فهو أن القذافي دكتاتور ومخادع وكتابه الأخضر يكشف واقع فكره وطاماته المخالفة للشريعة والعقل السليم.

        علماً بأنه قد فجر الموضوع بداية تقرير مقتضب نشرته صحيفة معاريف العبرية في مطلع العام 2006م أشارت فيه إلى علاقة سيف الإسلام القذافي بالممثلة اليهودية (أورلي فاينرمان). وقالت الصحيفة في تقريرها: إن الممثلة، التي تكبر القذافي الابن بثلاث سنوات، تسافر سرا من الكيان الصهيوني إلى إيطاليا لمقابلة سيف الإسلام بعيدا عن أنظار الصحافة.

         وتنقل الصحيفة عن قريب الممثلة « خشية عائلتها من أن تعتنق الإسلام من أجل زواجها منه». ووصفت الصحيفة العبرية اليمينية الأكثر مبيعاً هناك، هذه العلاقة بأنها «قناة جديدة للسلام مع الشعب الليبي»؟! ورغم أن الخبر جرى تناقله على نطاق واسع في وسائل الإعلام، فإن الإعلام الليبي الرسمي تجاهل الأمر ورفض التعليق عليه حين حاول عدد من وسائل الإعلام الغربية الاتصال بالنظام الليبي للحصول على تعليق رسمي، خصوصا أن الصحيفة العبرية أشارت في تقريرها إلى أن العلاقة ليست مجرد «علاقة غرامية» عابرة، وإنما مشروع زواج.

         ومنذ تلك الفترة بدأ اليهود بشكل رسمي وشبه رسمي نبش « تاريخ سلالة القذافي» والبحث عن « أصولها اليهودية». لكن النبش ظل أسير الحكايات غير القابلة للتصديق إلى أن بثت القناة الإسرائيلية الثانية برنامجا خاصا كان بمثابة «قنبلة» في المجتمع العبري، فقد استقبلت القناة راشيل براون وابنتها جويتا، وهما عربيتان يهوديتان من أصل ليبي تعيشان في الكيان الصهيوني.

الساعدي وشركة «الاختيار الطبيعي»:

        كشفت تقارير أجنبية أن الساعدي -نجل الزعيم الليبي معمر القذافي- استثمر مبلغ 100 مليون دولار في شركة إنتاج سينمائية يملكها منتج يهودي، باتت تواجه خطر الإفلاس بعدما قاطعها «أهل هوليوود» بسبب أموال القذافي. وتتمركز شركة «Natural Selection» أو «الاختيار الطبيعي» في مدينة لوس أنجلس، حيث كان صاحبها ماثيو بيكرمان أعلن أواخر صيف العام 2009 أنه تلقى مبلغ 100 مليون دولار كاستثمارات مالية من الساعدي.

          وكان بيكرمان التقى الساعدي القذافي في مهرحان (كان) السينمائي في العام 2009، واتفقا على الصفقة الضخمة بعدما كانت شركة بيكرمان تواجه خطر الإفلاس من جراء تداعيات الأزمة العالمية الاقتصادية. وكانت صحيفة (جويش جورنال) أكدت أن بيكرمان ينتمي لعائلة أمريكية يهودية، ونقلت عنه في مايو/أيار 2010 قوله إن القذافي سأله فيما إذا كان يهوديا، فأجاب بيكرمان بالإيجاب، وعندها قال القذافي: «جيد، بما أننا سنعمل معا (مسلمين ويهود) فإن ذلك سيغير النظرة إلى الأمور»، على حد ما جاء في الصحيفة.

          وقد صرح القذافي في يوم إعلان الصفقة بأنه «سعيد جدا للخوض في هذه المغامرة والعمل مع ماثيو، وفي صناعة عزيزة على قلبي»، وأضاف: «لطالما أحببت صناعة الأفلام، واليوم أستطيع أن أدعمها شخصيا عبر هذه الشراكة».

 بقاء القذافي وأمن اليهود:

        الفوضى ستعم المنطقة بأسرها وصولا إلى إسرائيل وأوروبا إذا تمت تنحيتي عن الحكم، تلك هي كلمات قالها معمر القذافي، وقال في موضع آخر «إذا نجحت القاعدة في الاستيلاء على ليبيا فإن المنطقة بأسرها حتى إسرائيل ستقع فريسة للفوضى»، مشيرا إلى أن ليبيا هي صمام الأمان للاستقرار في البحر المتوسط. وهذا اعتراف صريح بأن نظامه وجد لتحقيق الأمن بل الحماية للكيان المحتل لأرض فلسطين. ففي نهاية المطاف اضطر القذافي لمخاطبة الكيان الصهيوني بأنه هو الضامن لأمنهم في المنطقة، وعليهم أن يساعدوه في البقاء لأن نظامه يؤكد ولاءه لأمن الكيان الصهيوني.

 

        ونشرت جيروزالم بوست في الكيان الصهيوني تقارير قالت فيها: إن الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، حاول عام 2007 إقناع اليهود الذين تعود أصولهم إلى ليبيا في إسرائيل بقبول أموال منه لتأسيس حزب والدخول إلى الكنيست. وقالت الصحيفة، نقلاً عن مائير كالون، رئيس الجمعية العالمية ليهود ليبيا: إنه خلال الفترة ما بين 2005 و2007، التقى ممثلين عن الجمعية بقيادات ليبية، لمناقشة قضية معالجة ملف ممتلكات اليهود في ليبيا وشمال أفريقيا، التي تركوها بعد سفرهم لإسرائيل.

         وذكر كالون أن المسؤولين الليبيين قالوا: إنهم على استعداد لتقديم الأموال لليهود إن شكلوا حزباً سياسياً لأن طرابلس لا يمكنها أن تدفع مباشرة لمواطنين إسرائيليين، وأضاف: «لا يمكنني كشف اسم المسؤول الليبي أو تحديد المبلغ الذي عرضوه علينا، ولكن العرض كان حقيقياً.»

إسراطين والكتاب الأبيض:

        مصطلح «إسراطين» الذي سكه الرئيس الليبي معمر القذافي،، رآه الزعيم الليبي حلاً شاملاً لقضية فلسطين، بإقامة دولة واحدة للعرب واليهود، زاعماً بأنها مجسدة فعلا بوجود المغتصبات اليهودية إلى جانب المدن الفلسطينية في الضفة وغزة – وكأنها مستوطنات قانونية!! والحل عنده قبول اليهود والتعايش معهم في دولة واحدة كما يلخصه كتابه الجديد «الكتاب الأبيض».

        وكان قد دافع القذافي عن فكرته بإقامة دولة واحدة للعرب واليهود يقترح إطلاق اسم «إسراطين» عليها، قائلا: «إنها مجسدة فعلا بوجود المستوطنات الإسرائيلية إلى جانب المدن الفلسطينية في الضفة وغزة، مسوغاً مصطلحه بأن فلسطين لكل الفلسطينيين سواء كانوا عربا أم إسرائيليين، يهودا أم مسلمين»، وهي غير قابلة للتقسيم ولا تحتمل قيام دولتين، مشيرا إلى أن العرب واليهود يعيشون جنبا إلى جنب «ويعتمدون على بعضهم كل الاعتماد» وهم «أقرب إلى بعضهم مما هو الحال إلينا نحن» العرب الآخرين، ولا بد من إسقاط الافكار «العنصرية» قومية كانت أم دينية، وصفها بأنها أفكار يتمسك بها «الحرس القديم».

        وقدم الكتاب الأبيض عرضا تاريخيا لأصل كلمة فلسطين، مشيرا إلى أنه من الناحية التاريخية فلا أحد له الحق في أن يؤكد أنها أرضه هو، فذلك مجرد ادعاء، ولا يوجد ما يعطي الحق لطرف في جزء من فلسطين، وأن ليس له الحق في الأجزاء الأخرى.

        وأعرب «القذافي» عن شكوكه في مدى صحة تعرض الفلسطينيين للذبح على أيدي اليهود في دير ياسين، مضيفا أن اليهود لا يكرهون الفلسطينيين، ولا يريدون إخراجهم من أرضهم فلسطين، ولم يقرروا ذبحهم كما كان يشاع، وأنه حتى مذبحـة دير ياسيـن ليست حقيقية، وأن العرب من غير الفلسطينيين هم الذين هجموا على فلسطين وأعلنوا الحرب على اليهود.

         ونسأل العقيد القذافي: كيف دمر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة؟! ومن ارتكب 34 مجزرة حتى تُقام دولتهم على أرض فلسطين؟! وهل كان الجنرال اليهودي (مائير بايل) والذي كان في دير ياسين لحظة وقوع المذبحة وكان يشغل ضابط الاتصال مع الهاغانا يحلم حين كتب في صحيفة أحرونوت، في 4 أبريل 1972م: « إن الهجوم على دير ياسين وَصمةُ عارٍ سوداء في تاريخ الشعب اليهودي والمجتمع الإنساني»؟!

       ولماذا كتبت الباحثة البريطانية «روز ماري» في وصفها المجزرة: « إن مجزرة دير ياسين التي وقعت في 8 أبريل قتل فيها مالا يقل عن 300 قروي قد حازت قسطا كبيرا من الاهتمام... وعمدت القيادة الصهيونية في البداية إلى التَّنصل من المجزرة، وبَعَث بن غوريون رسالة اعتذار إلى الملك عبد الله وضع فيها اللوم على كاهل المجموعات الإرهابية « غير الرسمية «، مع أنه في الحقيقة شاركت وحدة من (البالماخ) في الهجوم على دير ياسين إلى جانب منظمتي الأرغون وشتيرن؟!

      ولماذا اعترف مناحم بيغين في كتابه «الثورة» بها بقوله: «إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، ولولا دير ياسين لما قامت إسرائيل»؟!!

         وأبت الحقيقة إلا أن تظهر على لسان مجرمي العصر فهذا (موشي دايان) عندما شعر بأنه من الضروري تذكير مواطنيه، بما في ذلك أولئك الذين كانوا يعارضون المستعمرات اليهودية في منطقة رفح والضفة الغربية، بما لم يعرفه بعضهم من الجيل الأصغر عمرا، خطب دايان، سنة 1969م في معهد التخنيون في حيفا قائلا لمن عارضه من اليهود على سياساته الاستعمارية (نشرت تلك الخطبة في صحيفة هآرتس 15 أبريل 1969م):

         «لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب توطنوا فيه، ونحن نبني دولة يهودية... لقد أُقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية. أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم؛ لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة. وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربية نفسها زالت أيضا.. وما من موضع بني في هذا البلد إلا وكان أصلاً لسكان عرب». وبعد هذا لماذا يبرئ القذافي اليهود من تلك المجازر والمقاصد!!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك