رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات 23 ديسمبر، 2017 0 تعليق

القدس قضية إسلامية عادلة ليست محلا للمقايضة أو المفاوضة

في مساء الأربعاء السابق نفذ الرئيس الأميركي (ترامب) ما وعد به أثناء حملته الانتخابية ، وصدّق على القانون الذي أصدره الكونغرس الأميركي في 23 أكتوبر 1995م، الذي  يسمح بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعطى الحرية للرئيس بالتوقيع عليه لإقراره، وقد أعطى القانون الرئيس الأميركي سلطة تأجيل تنفيذه لمدة 6 أشهر، وإحاطة الكونغرس بهذا التأجيل، وهو ما دأب عليه الرؤساء الأميركيون المتعاقبون .

      و يأتي قرار (ترامب) في هذا التوقيت استغلالاً لحالة الضعف والتشرذم وتناقض المصالح بين كثير من الدول الإسلامية المؤثرة، وهو ما يكبل أكثرها – وربما جميعها – عن اتخاذ ردود أفعال ترقى لتطلعات الشعوب المسلمة وطموحاتها التي تشعر بالمراراة من هذا الصلف والاستكبار الأميركي والصهيوني .

      وكالمتوقع، تتابعت ردات الفعل على المستوى الدولي والإسلامي والعربي، نظرًا لما تمثله قضية القدس والمسجد الأقصى من قداسة -خصوصًا عند المسلمين-؛ بحيث  لا يمكن المساومة عليها أو مقايضتها، وانطلاقًا من واجبنا تجاه قضايانا الإسلامية، يتعين علينا التذكير ببعض المحاور الرئيسة حول هذه القضية .

قداسة القضية وعدالتها

      لم يرد ذكر المسجد الأقصى وبيت المقدس في كتاب الله -تعالى- إلا موصوفًا بالقداسة أو البركة، قال -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء :1)، قال ابن كثير في تفسيره : وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم، فأمهم في محلتهم ، ودارهم .

      و في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر لما سأله : «أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى ، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة». (رواه مسلم، رقم:520). وهذا يدل على ان عمارة المسجد كانت على يد إبراهيم -عليه السلام- أو إسحق أو يعقوب أو هم جميعًا؛ لأن الثابت أن إبراهيم -عليه السلام- هو من بنى الكعبة، والفارق بينهما أربعون عامًا، وقد بُني المسجد على التوحيد والإسلام دين إبراهيم وإسحق ويعقوب، ووصيتهم لأبنائهم من بعدهم .

      والمسجد الأقصى -كالمسجد الحرام- ميراث الأنبياء لأهل التوحيد والإسلام على مر العصور والأزمان ، بغض النظر عن النسب والعرق، وقد زالت أحقية بني إسرائيل منها لما كفروا وبدلوا وأفسدوا في الأرض، وانتقلت وراثتها إلى أهل الإسلام أتباع إبراهيم على الحقيقة، وكان التنبيه على ذلك منذ فجر دعوة الإسلام؛ فأُمِر  المسلمون بالتوجه إلى بيت المقدس في الصلاة أول أمرهم، وأسرِي بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه، وجمع الله له الأنبياء، وصلى بهم إماما، ليبين  إمامة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقال القيادة له ولأمته ؛لاستكمال مسيرة الأنبياء .

      فالقدس بدأت إسلامية وستعود -بموعود الله- إسلاميةً، ولو كره الكافرون ، وما كان بهذه القداسة فإنه -كما أسلفنا- ليس محلاً للمقايضة أو المفاوضة ، بل يظل حقًا سليبًا يجب على المسلمين السعي لاسترداده .

طبيعة الصراع

      لا يمكن إدارة صراع بنظام ناجح دون فهم أبعاده ودوافعه، والقرآن العظيم بيّن لنا ذلك بيانًا شافيًا، فقال -تعالى- {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217)، وبين -عز وجل- أنهم لا يرضون عن المسلمين حتى ينسلخوا من دينهم تمامًا ، فقال -تعالى-: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120).

      والمشروع الصهيوني قائم في أصله على أساس ديني؛ فالقدس عندهم، بل من النيل إلى الفرات هي وعد الله لهم؛ ففي سفر التكوين، الإصحاح 15، الآية 18: «في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلًا لِنَسْلِك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات»، وبينما يربي اليهود أبناءهم على ذلك، يجتهد العلمانيون العرب في إضعاف القوة المحركة للمسلمين، والباعثة لمكامن طاقاتهم، وتضليل المسلمين عن طبيعة هذا الصراع . وهذا النص الذي يحتج به الصهاينة من توراتهم المحرفة ، إن صح ، فليس فيه دليل على ما يزعمونه؛ فإن العرب هم نسل إبراهيم، وقد بقوا في هذه الأرض منذ تفرق عنها بنو إسرائيل في الآفاق، ثم دخلوها مع عمر بن الخطاب ومازال أهلها حتى اليوم .

      أما يهود اليوم فأقل القليل منهم من ينتسبون حقاً إلى بني إسرائيل وفي ذلك أبحاث كثيرة تثبت ذلك من علم التاريخ وعلم السلالات، والشاهد من ذلك : أن نص توراتهم لو صح فهو مرتد عليهم.

التحالف البروتستانتي الصهيوني

      كذلك يدعم الأمريكان الكيان الصهيوني دعمًا مطلقًا، انطلاقًا من عقيدة دينية  بروتستانتية، تؤمن بعودة المسيح المخلص ليحكم العالم، وقبل ذلك لا بد من حشر اليهود في أرض فلسطين، وإقامة دولة صهيون، وهدم المسجد الأقصى، وإقامة كيان اليهود مكانه، ومن هنا قام هذا التحالف الاستراتيجي ، وهذا الدعم المطلق.

وقد أكد هذه الحقيقة عدد من الباحثين الأمريكيين منهم جورج بوش الجد في كتابه: (إحياء رميم إسرائيل) وبول فندلي في كتاب: (من يجرؤ على الكلام).

هل يمثل القرار خطرًا ؟

      يحاول بعض الناس التهوين من شأن الأمر بحجة أن القدس محتلة بالفعل، فلا جديد في الأمر . وهذا غير صحيح؛ فهذه الخطوة تمثل اعترافًا من أكبر دولة في العالم بأحقية اليهود للقدس، وهو ما ينافي الوضع القانوني الدولي الذي يعد القدس الشرقية مدينة محتلة منذ عام 1967م، وفرق  بين باطل معترف ببطلانه، وشرعنة هذا الباطل والاعتراف به، ثم إن القرار سيدفع لتتابع دول العالم على مثل ذلك، وهو ما يرسخ اعتبار القدس عاصمة للصهاينة ومن ثَمَ إخراجها من أي سياق تفاوضي مرتقب؛ فالقرار يمثل خطوة كبيرة في عملية تهويد القدس، بل وهدم المسجد الأقصى وإقامة الكيان المزعوم .

واجب الأمة

      يتنوع الواجب بحسب القدرة والعجز ، والمسؤولية التي يتولاها الشخص، فما يخاطب به الحكام غير ما يخاطب به العلماء ، وما يخاطب به عموم المسلمين ، والكل مأمور على حسب طاقته ، فمن ذلك :

السعي لجمع كلمة المسلمين ، وإزالة أسباب الشقاق؛ فإنه ما استهان العدو بنا إلا بالتنازع المفضي للفشل وذهاب الريح والقوة .

      العمل على إنهاء حالة الفوضى التي دبت في كثير من بلاد المسلمين ، وكان المشروع الشعوبي، والتكفيري الخارجي من أكبر عوامل هدم حواضر أهل الإسلام وبلاده، وانشغال البقية بما نتج عن ذلك. المقاطعة السياسية للكيان الصهيوني، وإيقاف أي كلام حول عملية سلام في ظل مصادرة ركن القضية الأساسي .

الضغط السياسي والقانوني والاقتصادي -ومع الأسف- يمتلك المسلمون من ذلك أوراقًا كثيرة ولكنهم لا يجيدون استخدامها .

      تذكير المسلمين بحقيقة الصراع، وإحياء القضية في نفوسهم بشتى الوسائل والفعاليات المشروعة .الحذر من الخطاب الانهزامي الذي يبث روح الإحباط في نفوس الأمة وشبابها؛ فالهزيمة النفسية هي الهزيمة الحقيقية، والتاريخ يثبت أن الأمة تمرض، ولكنها لا تموت بفضل الله -تعالى- وقد مرت على المسلمين سنون ومحن أشد مما يجري الآن، وقامت الأمة بعد ذلك من رقدتها؛ فالتبشير بوعد الله -تعالى- وبث الثقة في نفوس المسلمين مما يتعين ولاسيما في مثل هذه الأزمات ، وقد أمر الله -تعالى- موسى -عليه السلام- زمن تسلط فرعون علي قومه بالتبشير، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(يونس: 87) .

      الإنكار لهذا الأمر بالوسائل الممكنة كلها، وإظهار بطلانه للعالم، وإظهار مدى غضب المسلمين من ذلك، وأنهم لا يمكنهم قبوله، وهذا يدخل ضمن الإنكار باللسان، وهو واجب، ولاسيما لمن عجز عما فوقه، ولا يصح الاستخفاف أو الاستهزاء  بمشاعر الشباب الذين يظهرون غضبهم على مواقع التواصل بحجة أن هذا لا يفيد؛ فإن أكثرهم لا يستطيع أكثر من ذلك، ومن يستخف بهم غالبا لا يفعل شيئًا كذلك .

      ويبقى الواجب الحقيقي اللازم لكل فرد من أفراد الأمة، وهو العودة إلى الله، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح والدعوة إلى الله -تعالى- بالطرق الممكنة والمتاحة، والسعي في الإصلاح بحسب الممكن والمتاح؛ فإن هذا طريق التغيير الحقيقي، الذي به يتحقق موعود الله -تعالى- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور: 55).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك