القدس عاصمة الثقافة .. وأكاذيب يهود “الحلقة الرابعة”
الدور العلمي في رد شبهات اليهود وأكاذيبهم حول القدس والمسجد الأقصى وتبيان هزلها وسخافتها هو مدخل في الدفاع عن القدس والاحتفاء بها بوصفها عاصمة للثقافة العربية؛ لذا ارتأينا أن نطرح بعض شبهات اليهود وأكاذيبهم وأعوانهم من المستشرقين والفرق الباطنية وأكاذيبهم في التشكيك والتهوين من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وألحقنا تلك الأكاذيب بالردود من غير تطويل ما أمكن؛ بغية كشف الحقائق، وحتى يزول الخداع والغشاوة، ويعي الجميع حجم المؤامرة والخداع الذي يحاول أولئك الأفاكون تسطيره وإثباته في مؤلفاتهم !
وسأذكر في هذا العدد باب شبهة رابعة من شبه اليهود وأكاذيبهم حول القدس والمسجد الأقصى:
يزعمون: أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء!
كتاباتهم في هذا الزعم:
قرر " بوهل " - المستشرق اليهودي - تحت مادة «القدس» التي كتبها في الموسوعة الإسلامية، "أن ما حدث للرسول[ في رحلته إلى بيت المقدس يدخل في باب الرؤية والكشف، ورجح أن الرسول محمد[ ربما فهم منذ البداية أن المسجد المذكور في الآية الكريمة إنما هو مكان في السماء، وليس المسجد الذي بني فيما بعد في مدينة بيت المقدس.
ويقول إسحق حسون - العضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية، وهو باحث ومؤلف يهودي - في مقدمة تحقيقه لكتاب: «فضائل البيت المقدس» لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي، الذي قامت بطباعته الجامعة العبرية في القدس باللغة العربية، ما يأتي: "كانت ثمة اتجاهات لتعظيم حرمة مكة والمدينة، والتقليل من حرمة القدس! وإن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعا على أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس؛ إذ رأى بعضهم أنه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة»، ويستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو ديمومين! حاول من خلاله التمييز بين القدس السماوية والقدس السفلية!
ونقول: هذا الزعم مما ادعاه اليهود في بحوثهم ودراساتهم، وبعض الفرق الباطنية في مراجعهم وتفاسيرهم وسيرهم وأدبياتهم، ودللوا على ذلك بنصوص واهية موضوعة لا تصح سنداً ولا متناً، وتلقف تلك الأقوال كل من أراد أن يشكك في مكانة المسجد الأقصى والقدس والأرض المباركة، من باحثين يهود،ومستشرقين غربيين، وكتّاب علمانيين تبنوا وجهة نظر اليهود، ليقولوا كلمتهم جميعاً: إن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس الذي أُسري بخاتم الأنبياء محمد[ إليه، بل هو مسجد آخر في السماء!!
وتتردد هذه المقولة في كتابات العديد من المستشرقين المشككين في مكانة المسجد الأقصى في النصوص الإسلامية؛ ويُستشهد بها حقيقة مسلمة دون مناقشة أو تقويم!! للتدليل على مركزية القدس في التصورات اليهودية، وإثبات مكانتها الثانوية في العقيدة الإسلامية!!
وخرج علينا كذلك القاديانيون - فرقة باطنية ضالة- بقدسية « قاديان » في الهند، فهم يعتقدون أن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان، وليس الذي في بيت المقدس!!
فقد جاء في صحيفة «الفضل» القاديانية عدد (3) (سبتمبر - سنة 1935م): " لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث مكة والمدينة وقاديان، واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته".
وفي عدد (23): "إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله هو مسجد قاديان"!!
ولم يُكتَفَ بذلك، بل كتب أحدهم مقالاً بعنوان: "المسجد الأقصى هو: "المسجد الأقصى هو: المسجد النبوي"!! حاول فيه إبعاد المسجد الأقصى عن أي فضيلة، وأنه لم يكن للمسجد الأقصى وجود قبل عمارة عبد الملك!!
وخلص بذكائه إلى "أن المسجد الذي بناه عبد الملك في القدس وسمي بالمسجد الأقصى، لم يكن له وجود من قبل "!! وقد رد عليه الأستاذ أحمد الريماوي -عضو اتحاد المؤرخين العرب - ببحث مفيد ننصح بقراءته، وسمى كاتبه: " أحد عبادلة ابن سبأ"!!
ولعل مصدر الغرابة في تأويل كل هؤلاء لمكان المسجد الأقصى، أنهم نسبوا ذلك الفهم إلى مصادر إسلامية!! دون تحديد لأسمائها!! لأنه في الحقيقة كذب صريح، فلم يرد في أي مصدرٍ من المصادر المعتمدة، ولم يَقُل أي عالم من علماء المسلمين المتبعين للكتاب والسنة إنه مسجد غير مسجد القدس.
وَرَد الدكتور محمود إبراهيم في كتابه «مخطوطات عربية قديمة» على تلك الأكذوبة بقوله: "فإن أحداً من المسلمين لم يأخذ به ولم يتقبله منذ أن تـنزلت سورة الإسراء وإلى يومنا هذا، وما فسرت به الآية القرآنية وما أخذ به المسلمون منذ أن نزلت آية الإسراء في تفسيراتهم، ولم نسمع أو نقرأ أي تصور للرسول[ أو لصحابته والتابعين من بعدهم بأن المسجد الأقصى مجرد تخيل في السماء، وليس على الأرض، وفي مدينة القدس على وجه التحديد، وأجمع المفسرون على فضل المسجد الأقصى، ولم يقتصروا على آية الإسراء الأولى فيما يتعلق بمكانة القدس والمسجد الأقصى، بل جمعوا إلى هذه الآية التي لا خلاف على دلالتها آيات قرآنية أخرى".
وأضاف: "وجاءت حادثة الإسراء بالنبي[ لتؤكد على وحدة الرسالة، وبركة المكان؛ لذلك صلَّى النبي[ في المسجد الأقصى إماماً بالأنبياء والمرسلين، ومنه عرج - صلوات الله وسلامه عليه - إلى السماء".
والمسجد الأقصى: بارك الله فيه وفيما حوله من البلاد؛ قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} (الإسراء:1). ولفظ: «البركة» قد أطلق في القرآن الكريم سبع مرات على أرض فلسطين، أرض بيت المقدس.
كيف هو في السماء وقد بارك الله حوله؟! وكيف هو في السماء وقد بشر النبي[ بفتحه، وأوضح فضله بقوله: "ولنعم المصلى هو"؟! وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، وثالث المساجد التي تُشد إليها الرحال، وهو أول قبلة للمسلمين؟!
وكيف هو في السماء وقد أجاب رسول الله[ صحابته حين سألوه: أيهما أفضل أمسجد رسول الله، أم بيت المقدس؟ فقال: «صلاة في مسجدي هذا بأربع صلوات فيه»؟!
وكيف هو في السماء ومضاعف للمسلمين أجر الصلاة فيه، وقد شد الصحابة الكرام الرحال إليه، وهو مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين، وأرض المحشر والمنشر؟!
وكيف هو في السماء وقد كان ملجأ الأنبياء ومحل دعوتهم لتوحيد الله تعالى؟! وقد أسري بنبي الله إليه، ومنه عرج إلى السموات العلا! وقد أخبرنا الصادق - عليه أفضل الصلاة والتسليم- أن الدجال لن يدخله، وفيه يتحصن المؤمنون منه!
وكيف هو في السماء وقد ثبت له أسماءٌ متعددة، تدل كثرتها على شرف مكانة المسمى وعلوه، وأشهرها كما جاء في الكتاب والسنة: «المسجد الأقصى، وبيت المقدس، وإيلياء »؟! ولم يشكك أحد علماء المسلمين في تلك الأسماء أنها مما اختص بها المسجد الأقصى الذي بارك الله فيه وفيما حوله!
وكيف هو في السماء وقد نص الحديث الصحيح على أنه ثـاني المساجد وضعاً في الأرض بعد المسجد الحـرام؟! فعن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله؛ فإن الفضل فيه». رواه البخاري.
وكيف هو في السماء وحديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...» حديث صحيح متواتر، رواه جمعٌ من الصحابة؛ ورواه عنهم جمع من الثقات، وتلقته الأمة بالقبول، وعمل به السلف وأتباعهم إلى يومنا هذا؟! ولم يشك أحد من المسلمين أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس الذي أسري بنبي الله محمد[ إليه، إلا بعض الروايات التي ذكرها الشيعة في أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء!! وتلك الروايات لم تنتشر كثيراً إلا بعد أن تلقفها المستشرقون من اليهود والباحثون منهم، وبنوا عليها أن مكانة المسجد الأقصى في الإسلام هي موضع خلاف!! وجعلوها مسلّمة من المسلّمات التي لا جدال فيها، وبنوا عليها قاعدة: أن القدس ليست مقدسة عند المسلمين؛ لكون المسجد الأقصى ليس مسجد القدس؛ لذا لا اعتبار للأقصى ولا للقدس!! ولا فضيلة لمسجد القدس ولا للقدس!!
وهل نقل لنا أن أحداً من الصحابة فهم من النبي محمد[ أن المسجد الأقصى هو: مسجد في السماء؟! وهو الذي وصفه أمامهم وكان يصدقه من زار المسجد الأقصى؟!
والنبي وصفه الله تعالى بأنه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3-4).
وإن كانوا يقولون: إن النبي[ قد أسري به من المسجد الحرام إلى مسجد في السماء اسمه: المسجد الأقصى؛ فإنهم بذلك ينكرون المعراج من المسجد الأقصى إلى السموات العلا، أو ينكرون الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لأنه -بوجهة نظرهم- انتقال واحد، وليس انتقالين!!
فمهما حاولتم دس السم فلن تفلحوا.. فقلوب الصحابة وأعينهم كانت تواقة لفتح بيت المقدس قبل أن تفتح بلاد الشام، وكان أصحاب رسول الله[ يدركون أن الأرض المقدسة المذكورة في القرآن الكريم هي: أرض القدس وفلسطين.
إننا لن نبحث عن علل لتقديس المسجد الأقصى؛ فقداسته ربانية، ولن نبحث عن علل لتبريك المسجد الأقصى؛ فبركته ربانية، ولسنا نحن الذين سميناه: المسجد الأقصى، وإنما الذي سماه هو الله السميع البصير، ولسنا نحن الذين نزعم أن الرسول الأعظم جاء إليه ليلاً مع أحد الملائكة راكباً دابةً سماوية، وإنما هي الحقيقة الناصعة في صريح كلام الله -تعالى- في كتابه الكريم، وفي صريح السنة الصحيحة المتواترة عن الرسول[.
ولذا نقول للباحثين اليهود، ولمن سبقهم من المستشرقين، ولمن يلحق بهم من الفرق الباطنية: ليس أحد من الصحابة ولا التابعين ولا غيرهم من علماء الأمة قال بهذا القول، وما فهموه من الآية والأحاديث أنه مسجد بيت المقدس، وتلقت هذا الفهم الأمة من بعدهم على مدى أربعة عشر قرناً جميعاً: صحابة، وتابعين، وأئمة، وفقهاء، ومحدثين، وسائر علماء المسلمين: أنه مسجد بيت المقدس، وتلقته بالقبول، ولم ينكر أحد هذا! ثم يأتي من يزعم أنه مسجد في السماء!! فسبحان مثبت العقول وموزع الأفهام!
لاتوجد تعليقات