رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 4 فبراير، 2020 0 تعليق

القدس حق ثابت للمسلمين


قال الله -تعالى-: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، دعيت قبل أيام إلى إلقاء محاضرة حول التهويد في القدس، وبعد الانتهاء من المحاضرة طرح احد الحضور السؤال الآتي: أليس لليهود حق في المسجد الأقصى وأرض فلسطين؟ سؤال فاجأني، وتساءلت: ما السبب في تكرار مثل هذه التساؤلات؟ ومن أشاع هذا التشكيك في بعض النفوس؟

     إن فلسطين بلا شك أرض عربية؛ لأنها قطعة من جزيرة العرب، وموطن عريق لسلائل من العرب، استقر فيها العرب أكثر مما استقر اليهود، وتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية، وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة، وسادت فيها العربية أكثر مما سادت فيها العبرية؛ فأين كان اليهود كل هذه القرون ؟

القبائل العربية

     أليس الثابت تأريخاً وجود القبائل العربية من الكنعانيين في فلسطين قبل ظهور اليهود بآلاف السنوات؟ ولم ينقطع وجود العرب واستمرارهم في فلسطين إلى يومنا الحالي؛ فالعرب عاشوا في فلسطين قبل مجيء اليهود إليها، وفي أثناء وجودهم فيها، وظل العرب فيها بعد طرد اليهود منها .

لا يمتون بأيّ صلة للقدس

     أليس أكثر من 80% من اليهود المعاصرين -بحسب دراسات عديدة من اليهود أنفسهم- لا يمتون تاريخياً بأيّ صلة للقدس وفلسطين؟ كما لا يمتون قومياً لبني إسرائيل؛ فالأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود إلى يهود الخزر   (الأشكناز) وهي قبائل تترية، تركية قديمة، كانت تقيم في شمال القوقاز، وتهودت في القرن الثامن الميلادي، ولم يتسن لهم أو لأجدادهم أن يروا فلسطين في حياتهم.

سلالة الخزر

     واليهود المعاصرون -سلالة الخزر- إن كان لهم حق المطالبة بأرض، فعليهم أن يطالبوا بالحق التاريخي لمملكة الخزر في جنوب روسيا وفي عاصمتهم (إتل) وليس في فلسطين أو بيت المقدس؛ لأن أجداهم لم يطؤوها من قبل ، ومن دولة (خزريا) اليهودية انحدر 92% من يهود العالم، وتقدر نسبة يهود الخزر في فلسطين بحوال 83 % من اليهود في فلسطين؛ فإن كان ثمة حق عودة لليهود، فهو ليس إلى فلسطين وإنما إلى جنوب روسيا .

الحق المزعوم

     والغريب أن هذا الحق المزعوم لم يظهر طوال القرون التي مضت، بل لم يظهر بداية ظهور الصهيونية؛ حيث إن فلسطين لم تكن هي المرشَّحة لتكون الوطن القومي لليهود، بل رُشحت أقطار عدة في أفريقيا وأمريكا الشمالية كذلك، ولم تَظهر فكرة فلسطين -باعتبارها أرض الميعاد- إلا بعد فترةٍ من الزمن؛ فقد حاول هرتزل الحصول على مكان في (مُوزمبيق)، ثم في (الكنغو) البلجيكي، كذلك كان زملاؤه في إنشاء الحركة الصهيونية السياسية، فقد كان (ماكس نوردو) يلَقَّب بالإفريقي و(حاييم وايزمان) بالأوغندي، كما رُشِّحت (الأرجنتين) عام 1897 و(قبرص) عام 1901، و(سيناء) في 1902، ثم (أوغندا) مرَّة أخرى في 1903 بناء على اقتراح الحكومة البريطانية، وأُصيب هرتزل بخيبة أملٍ كبيرة؛ لأن اليهود في العالم لم تَرُقْ لهم فكرة دولة يهوديَّة سياسيَّة، سواء لأسباب أيديولوجية، أو لأنهم كانوا عديمي الرغبة في النزوح عن البلاد التي استقرُّوا فيها، بل إن مؤتمر الحاخامات الذي عُقد في مدينة فيلادلفيا في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر أصدر بيانًا يقول: إن الرسالة الروحية التي يَحمِلها اليهود تتنافى مع إقامة وحدة سياسية يهودية منفصلة . 

حقيقة هذا الكيان

     وهذا ما أكده حديثاً أكثر من حاخام من حاخامات الأرثوذكس الذين كشفوا حقيقة هذا الكيان الغاصب الذي أسمى نفسه (إسرائيل)، وكيف أن قيام هذا الكيان مخالف للعقيدة اليهودية التي ترى أن اليهود منفيون في الأرض بأمر من الله بسبب مخالفتهم لتعاليم اليهودية؟ وأنه يجب ألا تكون لهم دولة؛ لأن قيام الكيان الصهيوني، يعارض أوامر التوراة!

لماذا يشيعون الأكاذيب؟

     إن كان لليهود حق فلماذا يشيعون الأكاذيب؟ هل يحتاج من يزعم بأنه صاحب حق إلى إطلاق الأكاذيب وإشاعتها لأخذ حقه؟ ولماذا أطلقوا العديد من الأكاذيب لتسويق الحجج وإيجاد المسوغات لسلب الأرض؟! ولماذا اختبؤوا وراء أكذوبة أنهم لم يأخذوا أرض فلسطين إلا بيعاً من أهلها وشراء من اليهود؟ أيحتاج صاحب الحق أن يشتري ما يملكه؟

أرض بلا شعب

     ولماذا قالوا: إن فلسطين أرض بلا شعب؟ وأنها صحراء خالية؟ وأنهم حولوها من جرداء إلى جنان؟ وأن الفلسطينيين خرجوا منها طوعا ولم تخرجهم العصابات الصهيونية؟ وغيرها الكثير من الأكاذيب التي لخصها (عاموس إيلون) بقوله: الإسرائيليون أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة المصقولة، وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق. ويقول إيلي إيلون: إن أي شيء يقيمه الإسرائيليون مهما كان جميلاً، إنما يقوم على ظلم الأمة الأخرى.

 حقائق قرآنية

     يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في تفسيره قول الله -تعالى-:  «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ»، كان بنو إسرائيل أفضل العالم في زمانهم؛ لقوله -تعالى-: {وأني فضلتكم على العالمين}؛ لأنهم في ذلك الوقت هم أهل الإيمان؛ ولذلك كُتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة، فقيل لهم: {ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} (المائدة: 21)، والأرض المقدسة هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء: 105)، وقال موسى لقومه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} (الأعراف: 128)، ثم قال: {والعاقبة للمتقين} (الأعراف: 128) .

المتقون هم الوارثون

     إذاً المتقون هم الوارثون للأرض، لكن بني إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين، أما في وقت موسى؛ فكانوا أولى بها من أهلها، وكانت مكتوبة لهم، وكانوا أحق بها؛ لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به  النبي صلى الله عليه وسلم صار أحق الناس بهذه الأرض المسلمون.

دل عليها القرآن

     وقال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة: وقال الله -تعالى- لموسى -عليه السلام-: {سأريكم دار الفاسقين}، وهي الدار التي كان بها أولئك العمالقة، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين، وهي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة؛ فأحوال البلاد كأحوال العباد؛ فيكون الرجل تارة مسلما وتارة كافرا، وتارة مؤمنا وتارة منافقا، وتارة برا تقيا وتارة فاسقا، وتارة فاجرا شقيا، وهكذا المساكن بحسب سكانها.

     وفي إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ج3ص 98 يفسر الآية بالآتي : {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} يعني: أرض فلسطين، ليخلِّصوها من الوثنيين؛ لأنها كانت بيد الوثنيِّين، وموسى -عليه السلام- أُمر بالجهاد لنشر التّوحيد ومحاربة الشرك والكفر بالله وتخليص الأماكن المقدَّسة من قبضة الوثنييِّن، وهذا من أغراض الجهاد في سبيل الله. {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؛ لأن الله كتب أن المساجد والأراضي المقدَّسة للمؤمنين من الخلق من بني إسرائيل وغيرهم، {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، شرع أن تكون الولاية عليها للمؤمنين، كما قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(105)}؛ فالوِلاية على المساجد ولاسيما المساجد المبارَكة، وهي المسجد الحَرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وسائر المساجد كون الولاية عليها للمؤمنين، ولا يجوز أن يكون للكفار والمشركين من الوثنيِّين والقبوريِّين سلطة على مساجد الله -سبحانه وتعالى-: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ(17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

     وفي الختام نقول: كيف تكون الأرض المقدسة لمن أعرض عن شرائع الله -تعالى- وفرائضه ووصاياه؟ وكيف تكون الأرض المقدسة لمن عبد غير الله -تعالى-، وعبد الآلهة والأوثان؟ وكيف تكون الأرض المقدسة لمن كذب الرسل، وقتل الأنبياء، وأساء الأدب مع الله -تعالى؟ وكيف تكون تلك الأرض المباركة حقاًّ لمن كفر من بني إسرائيل، وادعى كذباً أنهم أحفاد نبي الله يعقوب -عليه السلام؟

طال الزمان أو قصر

     ولابد أن نوقن أن هذه الأرض لأهل الإيمان والتقوى طال الزمان أو قصر؛ فالنصر والتمكين لدين الله قادم لا محالة بنا أو بغيرنا قال -تعالى-: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}(التوبة: 33)؛ فالنصر موعود الله -سبحانه وتعالى- للجباه الساجدة، والقلوب الموحدة، والأيدي المتوضئة، قال -تعالى-: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً فمن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}(النور: 55)، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله -سبحانه- سيحقق النصر على أيدي المؤمنين -أتباع هذا الدين- في الأرض المقدسة على أعدائهم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك