رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 8 سبتمبر، 2015 0 تعليق

القابض الباسط

- قرأت في (طريق الهجرتين) للشيخ ابن القيم - رحمه الله تعالى - إن من أسماء الله الحسنى مالا يطلق عليه بمفرده، بل يجب أن يكون مقرونا بمقابلة كالمانع والضار والمنتقم فلا يجوز أن تفرد هذه الأسماء عن مقابلها: المعطي والنافع والعفو، ومثل المعز المذل، فهذه الأسماء المزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد، ولا تفصل عن بعضها، مثل الاسم المفرد الذي لا يجوز فصل حروفه عن بعض!! هل هذا الكلام صحيح؟

صاحبي مطلع جيد، وقارىء ذكي،ومتتبع فطن كنت معه في قاعة المغادرين في رجلة قصيرة إلى مصر.

- كلا، هذا الكلام غير صحيح، ولجأ شيخ الإسلام ابن القيم إلى الربط لأن إفراد الاسم مثل (المانع) ليس فيه ثناء ولاكمال لله - عز وجل - فاضطر أن يقرنه بـ (المعطي)، وكلا الاسمين لم يثبتا أنهما من الأسماء الحسنى لا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم  الصحيحة.. وكذلك الأسماء الأخرى التي ذكرها، وأسماها أسماء مزدوجة  أو مركبة، مثل (المذل المعز) لم تثبت أنها من الأسماء الحسنى؛فلايحتاج المرء أن يجمع بين أي اسمين من الأسماء الحسنى ويعدها اسماً واحداً؛ فأسماء الله الحسنى كلها تدل على الكمال والثناء والمدح لله وإن كانت منفردة؛ فالشيخ - رحمه الله - لم يوفق في هذه الجزئية؛ لأنه اعتمد حديثاً ضعيفاً في نسبة الأسماء الحسنى لله، فإذا لم تثبت هذه الأسماء فلا حاجة لعد الاسمين إسماً واحداً.- وماذا عن الأسماء المقترنة التي وردت في القرآن الكريم مثل (القوي العزيز)... و(الغفور الرحيم)... وغيرها؟

- هذه أيضا ذكرها الشيخ ابن القيم -رحمه الله- وأجاد في بيانها فقال: «من صفات الله - سبحانه وتعالى - صفة تحصل من اقتران اسمين أو وصفين وفي ذلك قدر زائد على مفرديهما مثل (الغنى الحميد)، فإن الغني صفة كمال و(الحمد) صفة كمال واجتماع (الغني) مع (الحمد) كمال آخر  بدافع الفوائد. فالفرق بين هذا وذاك واضح، هنا كل اسم يثبت منفرداً، أما في (الأسماء المزدوجة) فلا يثبت الاسم منفرداً». وفي المحصلة نعرف أنه لو التزم ابن القيم - رحمه الله - إثبات فقط ما صح من الأسماء الحسنى لم يضطر إلى مفهوم (الأسماء المزدوجة).

- وماذا عن الباسط القابض؟

- هذان الاسمان وردا في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس «غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول الله صلى الله عليه وسلم لو سعرت لنا! فقال صلى الله عليه وسلم : إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولامال».

وإذا عرفنا معنى (القابض) لغة في الحديث الذي ورد فيه هذا الاسم لله فإننا نطلق على الله اسم (القابض) ولو كان منفرداً.

- ماذا عن معنى القابض لغة؟

- القابض في اللغة اسم فاعل، فعله قبضه يقبضه قبضاً وقبضة، والقبض خلاف البسط، وهو في حقنا جمع الكف على الشيء، وهو من أوصاف اليد وفعلها، والقبضة ما أخذت بجمع كفك كله. والقبض قد يأتي بمعنى تأخير اليد وعدم مدها أو على المعنى المعاكس وهو تناولك للشيء بيدك ملامسة.

     قبضت الشيء قبضاً يعني أخذته، والقبض قبولك المتاع وإن لم تحوله من مكان، والقبض أيضاً تحويلك المتاع إلى حيزك، وصار الشيء في قبضتي أي في ملكي، وقبض المريض إذا توفي أو أشرف على الموت. وتقبضت الجلدة في النار أي انزوت، وقال تعالى في وصف المنافقين:{ويقبضون أيديهم} (التوبة: 67)، أي عن النفقة والصدقة.

- و (القابض) في حق الله سبحانه هو الذي يمسك الرزق عمن يشاء، ويمسك الخير وينزله بقدر على من يشاء بحكمته سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك إلا لله سبحانه وتعالى. فيضيق على من يشاء، ويوسع على من يشاء؛ فهو (الباسط) أيضا، وورد في كتاب الله -عز وجل- {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} الزمر: 67).

     (الباسط) اسم فاعل، فعله بسط يبسط بسطاً، والبسط نقيض القبض، وأرض منبسطة مستوية، وانبسط الشيء على الأرض  امتد عليها واتسع، وتبسط في البلاد أي سار فيها طولا وعرضا، وبسيط الوجه يعني متهلل، والبسيط هو الرجل المنبسط اللسان، وبسط إلى يده بما أحب وأكره، بسطها يعني: مدها وبسط اليد في حقنا معلوم المعنى والكيفية أما في حق الله فمعلوم المعنى مجهول الكيفية.

     الباسط - سبحانه - هو الذي يبسط الرزق لعباده بجوده ورحمته، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته، قيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته، فإن شاء وسع وإن شاء قتر؛ فهو الباسط القابض، فإن قبض ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى مواد جوده لا تتناهى كما قال تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الشورى: 12) . {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} الشورى: 27). وبذلك تبقى القاعدة التى طبقناها على جميع الأسماء الحسنى التي ثبتت لله - عز وجل- سارية مع هذين الاسمين كلاهما (القابض) (الباسط) يدل على الثناء والكمال لله - عز وجل- وهناك كمال جديد من اقترانها - سبحانه - له الأسماء الحسنى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك