رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 13 يوليو، 2020 0 تعليق

الفَهْمُ الصَّحِيحُ لِمَنْهَجِ السَّلَفِ (2)

 

ما زال الحديث موصولاً عن الفَهْم الصَّحِيح لِمَنْهَجِ السَّلَف؛ حيث ذكرنا أنه ينبغي لكل مسلم يريد سعادة نفسه وفوزها وفلاحها في الدُّنيا والآخرة، أن يهتمَّ بهذا الفهم الصَّحيح، وأن يُعنى بذلك غاية العناية؛ لأنّ الأمر والعبرة ليس بمجرَّد الدعوى، وإنَّما العبرة بالحقائق والأعمال، كما جاء عن الحسن البصريِّ -رحمه الله- قال: «ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلّي، ولكنّ الإيمان ما وقر في القلب وصدّقته الأعمال»، وقد ذكرنا أن من صفات السلف الصالح الأخذ بالسنة، والاقتداء بالأمر، والصفة الأولى وهي الأخذ بالسنة تتعلق بالعلم، والأمر الثاني وهو الاقتداء بأمره يتعلَّق بالعمل.

     فأهل السُّنة يقتدون بالرَّسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو أسوتهم وقدوتهم كما قال الله -جلَّ وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21)، قدوتهم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتدون به، ينظرون في أعمال النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويسألون عن عبادات النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عن طاعاته، وقيامه بأمر الله، ويسألون عن صفة صلاته، وصفة حجِّه، وصفة ذكره لله -جلَّ وعلا-، ثم يقتدون به. وهذا - ولا ريب - يتطلّب العلم بسنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العلم الصَّحيح، وتمييز الصَّحيح من الضَّعيف ومعرفة الثابت من غيره، ثم يقتدي بأمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم .

هدي أهل السُّنة

وعندما قال: «بَأَمْرِهِ» أي بما ثبت أنه من أمره، فما لم يثبت أنَّه من أمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُونه ويقتدون بأمره؛ أي الثَّابت عنه - رضي الله عنه -، فهذا هدي أهل السُّنة في الأخلاق والأعمال والعبادات والسُّلوك في الاقتداء بأمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم .

الخالِف بالشر

     ثم لما ذكر - صلى الله عليه وسلم - هاتين الصِّفتين للحواريين والأصحاب قال: «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ» ومعنى قوله: «تَخْلُف» أي تَحْدُث، يحدث بعد هؤلاء الذين يأخذون بالسُّنة ويقتدون بالأمر يحدُث ويوجَد خُلوف، والخُلوف: جمع خَلْف {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} (الأعراف: 169)، والخَلْف هو الخالِف بالشر؛ مَن يخلُف الصَّحابة في الشَّر بترك ما هم عليه بالإحداث والابتداع وابتكار الآراء والمناهج والطُّرق هو خَلْفٌ، والذي يتَّبع هدْي هؤلاء الذين هم الصَّحابة ويقتدي بهم ويستنّ بهم وهم مستنُّون بسنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هو من السَّلف.

صفات الخلوف

     «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ» بماذا وَصَفهم - صلى الله عليه وسلم ؟ وصفهم بصفتين: قال: «يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ»؛ هاتان صفتان بإزاء الصِّفتين السَّابقتين لأهل السُّنة وهي: الأخذ بالسُّنَّة، والاقتداء بالأمر، أمَّا الخلف أو الخُلوف هم الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، و«يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ»: هذا فيه إشارة وتنبيه إلى أنَّ من طريقة هؤلاء الخَلَف كثرة القول وعدم الاهتمام بالعمل.

أهل الكلام

ومن الألقاب التي هي لقب لعددٍ من الطوائف لقب (أهل الكلام)؛ لأنَّ شغلهم الشَّاغل هو الكلام والجدل وكثرة القيل والقال كما قال أحدهم:

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

                                   سوى أن جمعْنا فيه قيل وقالوا

فيهتمُّون بالكلام والنَّظر ولا يهتمُّون بالعمل، مع أنَّ غاية العلم العمل، كما يقول عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -:

يهتف العلم بالعمل

                        فإن أجابه وإلا ارتحل

     والله -عزَّ وجلَّ- يمقت ويبغض من يقول ولا يعمل، قال -تعالى-: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 3)، فلابدَّ من العمل بالعلم، أمّا أن يقول ويتكلم ولا يعمل فهذا ليس من هدي أهل السُّنة والجماعة؛ ولهذا قال الله -عزَّ وجلَّ- عن شعيب -عليه السَّلام-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود: 88)، ويقول -تعالى-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44)، فلابدَّ من العمل.

غاية الاجتهاد

ولهذا عندما يسمع المسلم السُّني السَّلفيّ الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو الآثار المروية عن السَّلف الصَّالح، فإنه يَجِدُّ في المتابعة والاقتداء والائتساء غاية الاجتهاد ليخرج من هذه الصِّفة وهي القول بلا عمل؛ بل يجدُّ في المحافظة على أركان الإسلام ومن أهمها بعد الشَّهادتين الصَّلاة.

مصيبة عظيمة

     ولهذا تجد بعض الشَّباب مَن لا يقوم إلى صلاة الفجر، ويشتغل في جدل ونقاش، ويسهر اللَّيل في نقاشٍ في رأيه أنه ينتصر به للدِّين ونحو ذلك، ثم ينام عن صلاة الفجر ويداوم على ذلك، وهذه مصيبة عظيمة جدًّا! المسلم يعتني بالعمل بطاعة الله، بعبادة الله، بامتثال أمر الله، بالاقتداء برسول الله، بأصحاب النَّبيِّ  صلى الله عليه وسلم ، ويديم النَّظر ويُكثر القراءة في سيرة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفي سيرة أصحابه، ويجتهد في التَّشبه بهم، أمّا أن يكون كذلك فهذا خطر عظيم.

خطر صفة الخُلُوف

ولهذا ينبغي للمسلم أن يستشعر خطر هذه الصِّفة (صفة الخُلُوف)، وهي أن يقول ما لا يفعل «يقولون ما لا يفعلون»، بل ينبغي أن يكون قوله موافقا لفعله، ومنطقه موافقا لباطنه، وقالبه موافقا لقلبه، يجتهد في ذلك، ولا يكون من أهل هذه الصِّفة.

صفات أهل الكلام

     ذكرتُ أنّ أهل الكلام الباطل هذه من صفاتهم؛ القول والبحث والنَّظر، يعني على سبيل المثال: تجده يتحدث في محاضرات وكتب ونحو ذلك عن الإسلام والانتصار للإسلام، ومحاسن الدِّين ويُدافع عنه ونحو ذلك؛ لكنه يُفرِّط، يُفرِّط في الأركان ربَّما، يُفرِّط في الواجبات، يُفرِّط في الطَّاعات، ربَّما لا يقيم الصَّلاة أو يتهاون فيها، فإذا كان يبيّن محاسن الدِّين للنَّاس لابد أن يكون من أسبق النَّاس قياماً بالدِّين وبطاعة الله، أمّا أن يكون قولا بلا فعل، فهذا يمقته الله -تبارك وتعالى-، فينبغي لنا أن يكون القول موافقًا للعمل، والقول ليس أيَّ قول، بل يكون القول هو ما ثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لا بالبدع والأهواء والمحدثات.

وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ

     أما الصفة الثانية فهي قوله: «وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ»؛ هذا فيه إشارة إلى فساد مصدر التَّلقي عندهم؛ لأنّ صاحب السُّنة مصدر التَّلقي عنده كما تقدّم الأخذ بالسُّنة، يفعل ما يؤمر به، أمّا هؤلاء يفعلون ما لا يؤمرون، فمصدر التَّلقي عندهم فاسد، لم يؤمر بالأمر، لم يأت فيه نص لا في الكتاب ولا في السُّنة فيفعله ويتعبَّد لله تبارك وتعالى به، إمّا بناءً على رأيه أو على عقله أو على وَجْده أو على ذَوقه أو على قصص وحكايات أو منامات أو ادِّعاءات مثل ما يدّعي بعض المتصوِّفة يقول: «حدثني قلبي عن ربي» أو نحو ذلك، فهؤلاء كلهم ينطبق عليهم قوله: «ويفعلون ما لا يؤمرون»، ولا يسلم من هذه الصِّفة إلا من يتّبع الأمر ويفعل بما أُمر به ويكون من أهل - ما تقدم معنا - الأخذ بالسُّنة والاقتداء بالأمر، لا يسلم من هذه الصِّفة إلا من كان كذلك، ومَن سواهم لم يسلم؛ بل يكون وصفًا لازمًا له فِعْلُ ما لم يؤمر حتى يدَع الأهواء ويترك البدع والمحدثات، يدَعها تمامًا اتِّباعًا للرَّسول صلى الله عليه وسلم واقتداءً به.

دراسة صفات السنة وعلاماتها

     من هنا ينبغي للمسلم أن يعرف السُّنة وصفاتها وعلاماتها، ويدرس ذلك دراسةً جيِّدة ليعمل بها، وينبغي له أيضًا في الوقت نفسه أن يعرف البدعة وصفاتها وأهلها حتى يحذرها، كما كان الصَّحابي الجليل حذيفة بن اليمان - وقد ثبت كلامه في صحيح البخاري- أنه كان يقول: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي»، المسلم يعرف الشَّرَّ وسبله وطرقه حتى يحذرها ويتقها.

تعلَّمِ الشَّرَّ لا للشرِّ ولكـــنْ لتوقِّيه

                                فإن مَن لم يعرفِ الشَّرَّ مِن النَّاسِ يقعُ فيه

     فهنا عرّف النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بصفات أهل الخير وعلاماتهم، وعرّف بصفات أهل الشر وعلاماتهم، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - نصيحة للأمة، وإعذار وإقامة للحجة والمعذرة، نصحهم ببيان ذات وعلامات أهل الخير وصفات أهل الشر وعلاماتهم، فالمسلم ينظر في علامات أهل الخير ويتدبرها ويتأملها تأمُّلًا جيدًا، ويتبصّر فيها ثم يقتدي بهم، وأيضًا يعرف علامات أهل الشَّرِّ ويتفقَّد نفسه وينظر في حاله، هل فيه شيء من ذلك ؟ فإن كان فيه فليجتهد في إبعاده عن نفسه، وإن كان سالماً فليحمد الله -تبارك وتعالى- ويسأله الثَّبات.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك