رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فاطمة لول داؤود 18 يناير، 2016 0 تعليق

الفيدرالية في الصومال: هل تصبح بديلا عن الدولة المركزية؟

لم يعد للصومال دولة فاعلة منذ حكومة العسكر بزعامة بري

أثيوبيا وكينيا هما المعمل الفعلي الرئيس لبلورة فكرة (فدرلة) الدولة الصومالية

برزت مواقف سياسية جديدة لإنقاذ ما تبقى من الصومال المنهار

إثيوبيا الخصم التاريخي للصومال لتنفيذ مصالحها، بينما كينيا هي الخصم الأضعف

 التحرر من القبيلة واللجوء إلى نظام فيدرالي خال من بطش القبيلة تجربة تحتاج إلى سنوات وسنوات لتحقيقها

 خيار (فدرلة) الصومال هو الخيار الأممي والأوروبي والإقليمي لإنهاء مأساة الدولة القابعة في قلب شرق أفريقيا

مشروع الفيدرالية الصومالية بصيغته الحالية لا يصب في صالح الدولة الصومالية

 

 

لم يعد للصومال دولة فاعلة منذ اضمحلال حكومة العسكر بزعامة (سياد بري) مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كما لم تتطور الحياة السياسية فيها أكثر عما كانت عليه سابقاً، بل اتجهت بوصلتها نحو الانشغال بمشاهد العنف التي كانت ترسم سياسة الصومال الملطخة بالدم والبارود، لكن مع انحسار مد أمراء الحرب وانقراض ديناصورات المليشيات المسلحة القبلية في البلاد، برزت مواقف سياسية جديدة، وأفكار أخرى يحملها رجال القبائل وبعض القياديين السابقين ولاسيما العسكريين القدامي لإنقاذ ماتبقى من الصومال المنهار.

     وبعد عشر سنوات عاشت البلاد خلالها بين مد الحروب وجزر الخلافات واتساع هوة التناحر بين الصوماليين، استبشرت الأوساط السياسية بالنظام الفيدرالي القائم بالمحاصصة القبلية، اي باختصار (الفيدرالية القبائلية)، وهي بعيدة كل البعد عن النماذج الفيدرالية التي وضعت على أسس تصب في المصحلة العامة بعيداً عن القبيلة وأدوارها الآنية .

     في هذا التقرير نحاول -قدر الإمكان- إلقاء الضوء على جهود (فدرلة) الدولة الصومالية التي تتسم بعناصر الوحدة أكثر من أي دولة أخرى في الجوار الجغرافي لها، وما دور المجتمع الدولي في الإسهام في تلك الجهود؟ وهل المجتمع الصومالي القبلي يرضخ لمبادئ الفيدرالية وقوانينها؟ وما الآثار والتداعيات التي قد تنشأ عن فدرلة الصومال؟

 الفيدرالية .. خلفية مشوهة

     يرجع تاريخ فكرة تطبيق الفيدرالية في الصومال -بوصفها جسراً للعبور إلى بر الأمان بعد عشر سنوات من الاقتتال الداخلي- إلى بدايات عام 2002 حين عقد في كينيا مؤتمراً يضم أطرافاً صومالية وقبائل متعددة، لتشكيل حكومة صومالية على أنقاض حكومة عبدالقاسم صلاد حسن، التي واجهها أمراء الحرب بالحرب الشعواء ولغة الرصاص.

     وفي نهاية عام 2004 تأسست حكومة صومالية فيدرالية حظيت بترحيب إقليمي ودولي؛ ذلك بعد سنتين من المباحثات وبين الشد والجذب بين الأطراف الصومالية، وهي الحكومة التي مهدت الطريق لإدخال نظام الحكم الفيدرالي في الصومال سياسياً لا إدارياً ولا إقليميا .

تقسيم الصومال

     ويقول معارضو هذه التجربة: إن أثيوبيا وكينيا هما المعمل الفعلي الرئيس لبلورة فكرة (فدرلة) الدولة الصومالية، والقصد من ذلك هو إضعاف الصومال سياسياً وجغرافياً، وتقسيم البلاد إلى (كانتونات) شكلية وولايات تلهث وراء الإملاءات الخارجية الإثيوبية/الكينية. بينما مؤيدو التجربة الفيدرالية يؤكدون أن القضية أبعد من أن تكون مؤامرات إقليمية كما يتوهم بعض الساسة، بل هي عبارة عن القلعة الأخيرة والحل  للخروج من نفق الأزمات السياسية وقاع التشرذم الحاصل الذي مزق البلاد، إرباً إربا .

     وماتزال حتى الآن تتبلور يوماً بعد الآخر فكرة تطبيق الفيدرالية، ويظل الخلاف يدور حول التجربة الديمقراطية التي ربما ستعين الصومال لحل أزماته السياسية، فهل تنفع التجربة الأميريكية أم الإماراتية أم تجربة الدولة الكونفدرالية؛ آراء متباينة لاتلتقي عند نقطة معينة، ويكثر الجدال والحرب الكلامية فيها بين الساسة من جهة والرأي العام من جهة أخرى عبر الأثير .

     وما لا شك فيه أن كينيا وأثيوبيا دولتان يجمعهما سياسة تفتيت الصومال، وتفرقهما المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية لكل منهما تجاه الصومال؛ فإثيوبيا -الخصم التاريخي-للصومال، تلعب خلف الكواليس، فتارة عبر آلتها العسكرية وتارة أخرى من خلال حلفائها من الأطراف الصومالية، لتنفيذ مصالحها، بينما كينيا الخصم الأضعف للصومال، يعيد سرد تاريخ الجغرافيا براً وبحراً حسب ماتقتضيه مصالحه المستقبلية، وبين الحين والآخر تتمدد القوات الكينية المنضوية تحت القوات الأفريقية في الأراضي الصومالية، وحيناً آخر يتخاصم مع الصومال في أملاكه البحرية التاريخية.

القبيلة والفيدرالية.. ضدان لايجتمعان

     المجتمع الصومالي واحد من المجتمعات العربية الرعوية أو بعبارة أخرى هو مجتمع بدوي غير متحضر، فالقبيلة فيه ركن أساس ومجد قديم لاتطاوله قوانين السياسة ومبادؤها، بل العرف القبلي السائد فيها هو (القبلية) المتحكمة والمسيطرة على مجريات الدولة، فالانتماء إلى القبيلة يأخذ أحياناً وضعاً يوصف بأنه التعصب والتشدد المذموم؛ والنظام السياسي فيه قائم بالمحاصصة القبلية، وهي التي أثبتت جذور الظلم والقهر والتعدي على القبائل الأخرى، بينما تظل هذه القبائل الصغرى تجاهد ليل نهار للحصول على حقوقها السياسية المغلفة أيضاً بالمطالب القبلية البحتة .

     وفي ظل هذه البيئة التي تعطي الولاء للقبيلة ورايات الانتصار والعز دائماً، فأنى للفيدرالية أن تغير مجريات الأمور؟!؛ من حيث مبادئها وسياساتها الإدارية التي تقتضيها التجارب الفيدرالية الناجحة؛ فالتحرر من القبيلة واللجوء إلى نظام فيدرالي خال من بطش القبيلة تجربة تحتاج إلى سنوات وسنوات لتحقيقها .

     ويلاحظ المتابع الصومالي أن الجهود الرامية حالياً لتطبيق الفيدرالية تنحصر فقط في تقسيم الدولة المركزية إلى ولايات إقليمية قبلية بحكم الموقع ونسبة سكان هذه القبيلة؛ مما يعطي لهذه القبيلة أو تلك حصة أكبر في نفوذ الحكومة المركزية بحكم موقعها الجغرافي ونسبة سكانها، بينما تصبح ولاية أخرى الحلقة الأضعف من الفيدراليات القبلية؛ وهذا يؤدي إلى فتح جبهات صراع حقيقية بين هذه الولاية وتلك على المدن والأقاليم.

     ويتساءل الكاتب الصحفي علي حلني: «هل الفيدرالية بصيغتها القبائلية الحالية إجبارية أم اختيار شعبي؟ من يحدد عدد الأقاليم الفيدرالية؟ ومن سيرسم الحدود بين الأقاليم؟ ومن سيحدد تداخل العلاقات السياسية والأمنية والإدارية بين الأقاليم الفيدرالية والحكومة المركزية؟ ومن سيدير العلاقات مع دول الخارج وتحديدا دول الجوار؟ الحكومة المركزية أم الأقاليم؟ ومن سيكون مسؤولا عن حماية الحدود، وكذلك إدارة المعابر التي هي بمثابة الحدود، مثل الموانئ والمطارات؟ من يكون مسؤولا عن الطرق والمواقع السيادية؟ ومن سيكون مسؤولا عن سياسات التعليم؟... إلخ

أسئلة كثيرة ربما تحتاج إلى إجابات دقيقة؛ لأن دعاة الفيدرالية في الصومال مازالوا منقسمين أمام تقبل الفيدرالية التي تطبق في الصومال شكلاً ومضموناً، في ظل وجود قوة القبيلة ورجالها المدججين بسلاح العشيرة  وعقيدتها .

تدويل الفيدرالية

     بعد سنوات طويلة كان المجتمع الدولي طرفاً فاعلاً في الأزمة الصومالية التي امتدت لأكثر من عقدين؛ حيث كانت الأمم المتحدة عبر مندوبيها إلى الصومال تؤدي الدور الأساسي لرسم معالم خارطة السياسة الصومالية، وذلك منذ أواخر القرن الماضي، فكانت تنظم المؤتمرات والقمم الأفريقية والدولية بشأن الصومال هنا وهناك. لكن مع مرور كل تلك الجهود لإحلال السلام في القرن الأفريقي يبدو خيار فدرلة الصومال هو الخيار الأممي والأوروبي والإقليمي لإنهاء مأساة الدولة القابعة في قلب شرق أفريقيا.

مفاجأت جديدة

     المشهد السياسي حالياً في المنطقة مليء بتغيرات سياسية نتجت عن جهود مفوض الأمم المتحدة السابق (نيكلوس كاي) الذي أدى دوراً محورياً في تأطير مسألة الفيدرلية وتطبيقها سياسياً وإدراياً في أرجاء متفرقة من البلاد، والأيام القادمة ستحمل أيضاً للصومال مفاجأت جديدة ربماً تنعكس على الأوضاع السياسية بالإيجاب من أجل التوصل لإتفاق صومالي/صومالي لتكوين حكومة فيدرالية تتسع للجميع من الشمال إلى الجنوب .

من الرمضاء إلى النار

     فدرلة الصومال.. من الرمضاء إلى النار؛ مما لايختلف عليه اثنان من المراقبين للشأن الصومالي. أن الفيدرالية لاتصب في مكصلحة الدولة الصومالية التي تتمتع بعناصر الوحدة، المتمثلة  في وحدة العرق والتجانس والديانة الموحدة واللغة والجغرافياً، كما أنها على العكس تؤطر لأزمات سياسية بين القبائل الصومالية والسياسين؛ إذ إنه من اللافت للنظر الحد الذي وصل إليه التراشق الإعلامي بين الصوماليين عبر الأثير وفي المجالس وحتى في الجلسات البرلمانية، فهذا مؤيد للفيدرالية وذاك معارض لها حد الحنق .

     فخيوط الفيدرالية وشبكاتها لن تنسج بيتاً يؤوي الصوماليين أينما كانوا بل العكس ينجم عنها تمزق وتفتت وتآكل لماتبقى من الدولة الصومالية المنهارة، ويعتقد الصحفي الصومالي علي حلني أن مشروع الفيدرالية الصومالية بنسخته الحالية لا يصب في صالح الدولة الصومالية، وإنما يصب في مصالح دول الجوار التي تريد أن يعود الصوماليون إلى وضعية رعاة الإبل قديما، وإلهائهم بقضايا تافهة حتى لا يكون لهم تأثير في مجريات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة.

     والسؤال المشروع هنا، أليست الفيدرالية التي يرعاها المجتمع الدولي ودول الجوار ولاسيما إثيوبيا وكينيا تصّب الزيت على النار في الصومال؟، أوليس الصومال أهلاً للوحدة بدلاً من الفرقة والانشطار مثل الخلية الهشة؟ وستظل هذه الأسئلة وغيرها مشروعة ومطروحة على الطاولة، لكن ما من مجيب، لينطبق عليهم قول الشاعر:

قد أسمعت لو ناديت حياً                                  ولكن لاحياة لمن تنادي

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك