رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: خالد بن عبد العال 9 أغسطس، 2018 0 تعليق

الفوائد العلمية من حديث المرأة الخثعمية

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (متفق عليه)، فهذا الحديث المبارك قد صدَّر به الإمامُ البخاريُّ كتاب الحج، وهو حديث - في ظني - أصل في بابه، اشتمل على كثير من فوائد وأحكام الحج وغيره؛ وها أنا ذا أحاول التعرض لتلك الفوائد والأحكام في مقالي هذا بشيء من الإيجاز، والله أسأل أن يكتب لنا التوفيق.

التعريف بالفضل بن عباس - رضي الله عنهما

     هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصاحبه؛ ويكنى أبا محمد وأبا عبد الله، أو أبا العباس المدني، وكان أسن ولد العباس، وبه كان العباس بن عبد المطلب يكنى، وأمه هي أم الفضل: لبابة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو شقيق عبد الله بن عباس.

     وغزا الفضلُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وحنيناً، وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين حين ولَّى الناسُ منهزمين مع من ثبت من أهل بيته وأصحابه معه، وشهد معه حجة الوداع، وأردفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، فيقال له: رديفُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان شاباً وسيماً، وكان فيمن غسَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - وولي دفنه.

مات في طاعون عمواس لما خرج إلى الشام - ناحية الأردن - مجاهداً، سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يترك ولداً إلا أم كلثوم، تزوجها الحسن بن علي، ثم فارقها، فتزوجها أبو موسى الأشعري.

جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة

فقد كان الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مزدلفة إلى منىً، كما كان أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - رديف - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفات إلى المزدلفة.

     وذلك في (الصحيحين) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ أُسَامَةَ - رضي الله عنه - كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلَاهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.

     وقد أردف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر - رضي الله عنه - في طريق الهجرة، وأردف معاذ بن جبل، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، وأردف زوجته صفية - رضي الله عنها -، وأردف أبو طلحة الأنصاري ربيبه أنس بن مالك، وأردف عبدُ الرحمن بن أبي بكر أخته عائشة أم المؤمنين بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم- لتأتي بعمرة من التنعيم... وهذا في السنة كثير، ودلائله لا تخفى على الكبير أو الصغير.

تواضع الرسول - صلى الله عليه وسلم

     حيث كان يردف خلفه على دابته غيره من رعيته ممن لا دابة لهم، وهو سيد الناس، وأكرمهم عند ربه، فلا يأنف كما يأنف الملوك ونحوهم من إرداف الرعية على دوابهم ولو أبصر بعينه هلاك الراجل منهم! أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقد أردف حتى الصغار من أولاد الصحابة، بل وكان يحادثهم ويؤنسهم ويعلمهم، فصلوات ربي وسلامه عليه.

فضل الركوب في الحج

     وجه ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب في الحج مع كمال قوته، ولقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً. (متفق عليه)، ولأن ركوبه وقع في عبادة، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». (أخرجه مسلم في صحيحه)؛ ولكون الركوب أعون على الدعاء والابتهال، ولما فيه من المنافع الكثيرة في الحج.

وهذا قول جمهور العلماء، وذهب بعض العلماء إلى أن المشي في الحج أفضل؛ لأن الله -تعالى- قدمه في الذكر على الراكب، في قوله -تعالى-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: ٢٧).

فقوله: (رِجَالًا) أي مشاةً على أرجلهم. ولكونه أكثر عناءً ومشقةً، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «وَلَكِنَّهَا (العمرة) عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ». (متفق عليه).

     ولا خلاف في جواز الحج راكباً وماشياً؛ لأن الله -تعالى- سوى بينهما في قوله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: ٢٧). ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - حجوا راكبين وراجلين معه في حجة الوداع، كما قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في سياق حجة الوداع - في (صحيح مسلم): «... ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ؛ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا... الحديث».

لكن الخلاف بين العلماء في الأفضل منهما، وقد علمتَ الخلاف في ذلك، ولعل الأصح هو: أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر، وغيرهما من أهل العلم.

الاهتمام بالقضايا النافعة

وفيه: أن الصحابة كانوا يهتمون بالأحكام والقضايا النافعة، ويعرضون عن تسمية الأشخاص - في كثير من الأحيان -؛ لأن تعيينهم لا يترتب عليه كبير فائدة - في نظرهم -، أو للستر عليهم، أو إرادة العموم... ونحو ذلك.

الإبهام في المتن لا يضر

     وفيه أن الإبهام في المتن لا يضر، بخلاف الإبهام في السند؛ فإنه يضر بالسند، وربما بالحديث؛ ولذلك اشترط العلماء في رواة الحديث أن يكونوا عدولاً ضابطين، ولم يشترطوا ذلك في المذكورين في المتن؛ لأن العبرة بالقضية المذكورة وليس بصاحبها أو السائل عنها؛ فالعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، إلا ما دل الدليل على التخصيص، ومع ذلك فقد تكلف العلماء عناء البحث والتفتيش عن المبهمين في المتون، للوقوف عليهم؛ حيث إن تعيينهم قد يترتب عليه بعض الفوائد، كفضل، أو نسخ، ونحو ذلك كما هو معروف.

غض البصر

وفيه عدم نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية، ووجوب غض بصره، حتى لا يقع في الفتنة، نعوذ بالله منها، قال -تعالى-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور:٣٠)؛ ولذلك ضُرب على النساء الحجاب، حتى يكون المجتمع المسلم نظيفاً طاهراً، قال -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: ٥٣)، وروى مسلم في (صحيحه) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي.

التفريق بين الرجال والنساء

     ويؤخذ منه التفريق بين الرجال والنساء خشية الفتنة، وقد تقدم قول الله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: ٥٣)، وروى أبو داود، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.

إزالة المنكر باليد

     وفيه إزالة المنكر باليد إذا لم يترتب عليه منكر أعظم؛ فقد صرف النبي- صلى الله عليه وسلم - وجه الفضل إلى الشق الآخر بيده، وفي رواية للبخاري (٦٢٢٨): «فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ، فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا»، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ». (أخرجه مسلم في صحيحه).

كشف المرأة لوجهها

     وفيه حجة لمن قال بجواز كشف الوجه للمرأة، وهذا الحديث هو عمدتهم، ومن أقوى أدلتهم! والراجح هو وجوب تغطية وجهها عن الرجال الأجانب، للأدلة الكثيرة القاضية بذلك، ولعمل خيار نساء الأمة في الأزمنة الماضية، وعلى رأسهن أزواج النبي -  صلى الله عليه وسلم - وأزواج صحابته الكرام، وهذا الحديث محمول على أن المرأة كانت محرمة، أو كانت ساترة وجهها وكان نظر الفضل إليها إلى غير وجهها، كثيابها وهيئتها.

وأما الجواب على وضاءتها وحسنها وأنها كانت شابة، بأن يقال: يستطيع الرجل معرفة جمال المرأة وسنها من خلال صوتها ومشيتها ونحو ذلك وإن كانت ساترة وجهها.

فتيا العالم وهو راكب

     وفيه جواز فتيا العالم وهو راكب على دابته ونحوها، ففي (الصحيحين) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ». فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ».

فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»، وبوب عليه البخاري في كتاب العلم فقال: بَابُ الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا.

العلم قبل القول والعمل

وفي سؤال المرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج، دليل على أن العلم قبل القول والعمل.

الرجوع إلى العلماء

وفيه أهمية الرجوع إلى العلماء في المسائل النازلة، وفي رجوع المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله، دليل على وجوب الرجوع إلى العلماء فيما يُشكل على المرء، وفيما يستجد من مسائل.

حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم

وفيه حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث لم ينتهر الفضل حين نظر إلى المرأة، وإنما اكتفى بصرف وجهه، لعلمه بما جُبل عليه الإنسان من ذلك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك