رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 4 أبريل، 2016 0 تعليق

الفلوجة هل تتحول إلى مضايا جديدة؟

منظمة هيومن رايتس ووتش: الفلوجة تذبح بصمت، وهناك صمت وشلل سياسي من المجتمع الدولي إزاء ما يحدث فيها

هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز التغافل عن مأساة أهالي الفلوجة؛ فالمسلم أخو المسلم في كل الظروف والأحوال

القصف المتواصل على المدينة أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين، كما خلّف جيشًا من المعاقين والأرامل والأيتام، والمدنيين المحاصرين في المدينة الذين يعانون منذ شهور

مركز جنيف الدولي للعدالة: صمت الأمم المتحدة عن الحصار يجعلها مشاركة بطريقة مباشرة فيما يحصل من موت جماعي لسكانها وجريمة (الإبادة الجماعية) التي تحصل فيها

هيئة علماء المسلمين: الفلوجة تتعرض لجريمة حرب باستخدام التجويع وسيلة من وسائل الحرب الظالمة على أبناء المدينة الذين حالت ظروف قاهرة بينهم وبين الخروج منها

الإنزال بالطائرات هو السبيل الوحيد لتوصيل المساعدات للسكان بعد أن زرع تنظيم (داعش) الألغام عند مداخل المدينة ومنع المدنيين من مغادرتها

الفلوجة؛ فصل جديد من مآسي أهل السنة؛ حيث يُقتل الأطفال والشيوخ والنساء بالطائرات والمدافع من جانب، وبالمتسلطين على الرقاب من صوب آخر، خرج من خرج من تلك المدينة تاركًا وراءه البيت والوطن، هاربًا من بطش الباطشين إلى بطش من نوع آخر ربّما يكون أقسى وأمَّرّ، بطش التهجير والغربة والحاجة والفاقة ونقص الغذاء والدواء، فمات منهم من مات، وأصيب بالداء من أصيب، وعانى منهم الصغير والكبير ومازالوا يعانون أعظم المعاناة وأشدها قسوة، ومن لم يهن عليه أن يترك بيته للغرباء كان ومازال يلتهم الموت كلّ دقيقة وإن لم يمت؛  فالجوع والعطش والمرض والمصير المجهول ثمن يدفعه الأبرياء المتهمون بالإرهاب زورا وبهتانًا.

ويهدد الموت جوعًا نحو 150 ألف شخص ما زالوا يعيشون في أجواء إنسانية غاية في الصعوبة داخل مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة (داعش) منذ مطلع 2014، وتشهد حصارًا وقصفًا يوميًا تسبب في سقوط آلاف القتلى والجرحى بين المدنيين.

كل ذلك تحت أنظار مجتمع دولي يتجاهل تلك المأساة، بينما يذرف بالأخرى دموعًا سخيةً على ضحايًا هجمات (بروكسل) وغيرها كما لو أنه كُتب على العراقيين ألا يساووا غيرهم من بني البشر لا في حقوق الحياة، ولا حتى في استحقاقات الموت.

حصار من الداخل والخارج

     وفي الوقت الذي يفرض تنظيم الدولة على سكان المدينة إقامة جبرية، ويمنع مغادرة أي منهم، يفرض الجيش العراقي -تسانده فصائل الميليشيات-  طوقًا حول المدينة، جاعلين بذلك عشرات الآلاف تحت وابل القصف اليومي، الذي يبدأ مع غروب الشمس ولا يتوقف إلا مع طلوع الفجر.

وينعكس كل هذا على الوضع الإنساني، ويزيد من تدهوره؛ مما يؤدي إلى سقوط عشرات الضحايا كل يوم بسبب الجوع والمرض؛ نتيجة نقص المواد الغذائية والأدوية، في حال نجوا من القصف، والبراميل العشوائية، وأحكام الإعدام التي ينفذها التنظيم بحقهم.

     على الجانب الآخر كُللت كافة محاولات المنظمات الدولية بالفشل، وفي مقدمتها منظمة الصليب الأحمر من الدخول إلى المدينة المحاصرة، وتقديم مساعدات للمواطنين، ولاسيما الأطفال؛ حيث ترفض قوات الجيش والمليشيات دخول المساعدات إليه، وقد بات أهلها يعتمدون على زراعة الحدائق الداخلية والبساتين الواقعة على نهر الفرات لسد جزء من احتياجاتهم.

الموت البطيء

     من جهته حذَّر أحد أعضاء مجلس محافظة الأنبار، من أن الفلوجة «تُباد وأهلها ينتظرون الموت البطيء»، مؤكدًا أن الحكومة العراقية لم تستجب لمطالب حكومة الأنبار المحلية لإيصال المساعدات العاجلة لسكانها، وأضاف: «قدمنا مناشدات عاجلة إلى رئيس الحكومة العراقية بضرورة توجه قوافل المساعدات من الغذاء والمواد الطبية إلى مدينة الفلوجة»، مشيرًا إلى أنه لم يجد أي استجابة، كما أدى الوضع الإنساني السيئ إلى انتحار عدد من الأهالي.

ذبح بصمت

     من جهته، قال فادي قاضي -الخبير الحقوقي الدولي والمتحدث السابق باسم منظمة (هيومن رايتس ووتش)-: إن الفلوجة تُذبح بصمت، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن حال الفلوجة كحال الرقة ومضايا في سوريا، وأضاف أن هناك صمتا وشللاً سياسيًا من المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في الفلوجة، وأن هناك صورة سوداء لخريطة اهتمامات المجتمع الدولي.

     كما أشار قاضي إلى أن حجة الحكومة لمحاصرة الفلوجة بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على المدينة هي سياسة مستهترة وخطأ؛ حيث لا تقوم أي دولة عاقلة باتخاذ قرار بقصف مدينة ومحاصرة سكانها لمدة طويلة بهذه الطريقة تاركة أهلها يموتون جوعًا، مشيرًا إلى أنه لا وجود لأي فعل سياسي، لا على مستوى مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان أو جامعة الدول العربية فيما يخص الفلوجة.

الإنزال هو السبيل الوحيد

     من جهته ناشد محافظ الأنبار العراقية، صهيب الراوي، التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنزال مساعدات غذائية وأدوية طارئة لعشرات الألوف من المدنيين المحاصرين بقضاء الفلوجة معقل تنظيم (داعش) الذي تحاصره قوات الأمن منذ أيام استعدادًا لاقتحامه.

     وقال الراوي في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام بينها (إرم): إن الإنزال بالطائرات هو السبيل الوحيد لتوصيل مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والأدوية للسكان المحليين في قضاء الفلوجة بعد أن زرع تنظيم داعش الألغام عند مداخل المدينة ومنع المدنيين من مغادرتها، وأضاف: لا توجد قوة يمكنها تأمين وصول الإمدادات؛ لذلك ليس هناك خيار سوى إنزال المساعدات بالطائرات، لافتا إلى أن الوضع في الفلوجة يتدهور يوما بعد آخر.

أوضاع مروعة

من جانبها، وصفت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، ليز جراند الأوضاع في الفلوجة بأنها مروعة، مبينة أن الأمم المتحدة قلقة للغاية من تقارير عن أشخاص يموتون بسبب نقص الدواء والجوع المنتشر.

إبادة جماعية

     وكان مركز جنيف الدولي للعدالة قد قرر في بيان له أن صمت الأمم المتحدة عن الحصار الشامل الذي تفرضه السلطات العراقية على مدينة الفلوجة منذ أشهر يجعلها مشاركة مباشرة فيما يحصل من موت جماعي لسكانها وجريمة «الإبادة الجماعية» التي تحصل فيها.

وطالب البيان  الأمم المتحدة بالعمل على وقف القصف وفتح ممرات آمنة لإيصال المواد الغذائية والطبيّة لإنقاذ حياة آلاف العوائل المحاصرة دون غذاء ودواء، وفي ظل توقف معظم الخدمات الحيوية للحياة.

ويؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة أن ما يجري في الفلوجة يرقى إلى جريمة إبادة جماعية تُحاسب عليها السلطات العراقية وسلطات التحالف وأجهزة الأمم المتحدة المعنية، مطالبا الجميع باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الجريمة وإنقاذ السكان المحاصرين.

القتل جوعًا

     وتحت شعار (الفلوجة تقتل جوعا) دشن ناشطون حملة تسعى لإيصال معاناة أهل الفلوجة إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حول العالم، مع اشتداد الحصار والقصف وتعرض المستشفى الرئيسي في المدينة إلى الدمار جراء قصفه المتكرر من قبل القوات العراقية والمليشيات.

ويقدر ناشطون في الحملة أعداد الضحايا بالمدينة منذ بدء الحصار بأكثر من  3400 قتيل، خمسمئة منهم من الأطفال، فضلا عن ستة آلاف جريح.

سارعوا لإغاثة الفلوجة

     من ناحيتها ناشدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية، المجتمع العربي والإسلامي أن يسارع ويوحد جهوده لإغاثة آلاف المدنيين في مدينة الفلوجة العراقية الذين يواجهون الموت جوعاً في مأساة إنسانية، وأكدت الأمانة في بيان لها أنه في حين يجب القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي واجتثاثه، إلا أنه لا يجوز التغافل عن مأساة أهالي الفلوجة؛ فالمسلم أخو المسلم في كل الظروف والأحوال.

جريمة حرب

     كما استنكرت هيئة علماء المسلمين بالعراق بشدة سياسة القتل والتدمير والحصار والتجويع ضد أبناء الفلوجة كبرى مدن محافظة الأنبار منذ نحو عامين، وقالت الهيئة في بيان لها: إن مدينة الفلوجة تتعرض لجريمة حرب بكل ما لهذه الكلمة من معان وأبعاد؛ حيث يستخدم التجويع وسيلة من وسائل الحرب الظالمة على أبناء المدينة الذين حالت ظروف قاهرة بينهم وبين الخروج منها».

     وأكد البيان أن القصف المتواصل على المدينة أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين، كما خلّف جيشًا من المعاقين والأرامل والأيتام، مشيرًا إلى أن المدنيين المحاصرين في المدينة الذين يعانون منذ شهور من سياسة التجويع والحصار القاتلة أصبحوا بين مطرقة القصف المدمر وسندان فقدان الممرات والملاذات الآمنة.

حصار جائر

     وأوضحت الهيئة أن الحصار الجائر أودى بحياة العشرات من المرضى ولا سيما المصابين بمرض السكري والأمراض المزمنة الأخرى التي تحتاج إلى علاج يومي، كما سجلت حالات وفاة بين الأطفال وكبار السن؛ بسبب سوء التغذية وعدم توفر مادة الحليب، فيما تسبب قطع الطرق والمنافذ بنفاد الأدوية والمواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها إلى أرقام يعجز المرء عن اقتنائها، مطالبة جميع الأطراف التي تمارس سياسة تضييق الخناق على المواطنين في مدينة الفلوجة بالكف عن هذه السياسة الهوجاء والسماح لمن يريد الخروج من المدينة وإدخال المواد الغذائية إلى المدنيين الذين يحث الشرع الحنيف على تجنيبهم ويلات الحرب.

     وفي ختام بيانها حملت هيئة علماء المسلمين، المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، المسؤوليات القانونية والتاريخية والأخلاقية عن هذه الجرائم، داعية إياها إلى القيام بواجبها وبذل الجهود الكفيلة بخلاص الشعب العراقي من البطش والترويع والإبادة الجماعية وحرمانه من حق العيش الكريم، كما طالبت تلك المنظمات بنصرة العراقيين المظلومين وعدم تجاهل المآسي والنكبات والمجازر التي يتعرضون لها يوميا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك