الفكر التربوي عند الشيخ: عبد العزيز بن أحمد الرشيد (4)
الدراسة تستهدف التعرُّف على الفكرِ التربوي عند الشيخ عبدالعزيز الرشيد (ت 1356هـ، 1938م)، وإسهاماتِه في الحركة الثقافية، سواءٌ على مستوى الكويت أم خارجها، وذلك بالنظر إلى المشاريع التي قادها في هذا الاتجاه. وخلصت الدراسةُ إلى أن الشيخ عبد العزيز الرشيد رائدٌ من روّادِ الإصلاح الكبار على مستوى الكويت والخليج العربي، في اتجاهات عدة، ولاسيما التعليمُ وما استحدثه من مناهجَ جديدةٍ، اعتنى فيها بأركان العملية التعليمية (المتعلِّم، المعلِّم، المنهاج)، أدَّت إلى النهوض بالتعليم النظاميّ في الكويت. واتخذ الرشيد من إنشاء الصِّحافة وتأليفِ الكتب وإلقاء المحاضرات سبيلاً لإرساء النهضة الثقافية الكويتية مطلعَ القرن العشرين، وحاول جاهداً إبرازَ سماحة الدين الإسلامي في أحسن صورة، وأنه صالحٌ لكل زمان ومكان، وطبق ذلك عملياً في المشاريع التي تبنّاها، وأثبت أنه لا تعارض بين التطور الذي هو سِمةُ الحياة وبينَ الدين الإسلامي الحنيف.
- ما القضايا التي مثَّلت اهتمام الشيخ عبدالعزيز الرشيد في الجانب التربوي التعليمي؟ وما المنهجُ الفكريُّ التربويُّ الذي سعى عبد العزيز الرشيد إلى ترسيخه؟ والبحثُ في المعالم الفكرية لشخصية الشيخ عبد العزيز الرشيدِ أمر ضروريٌّ ومهم للإجابة عن مثل هذه التساؤلات، ولا سيما في البيئة الكويتية قد تساهم فيها مثلُ هذه الدراساتِ في تنمية الفرد والمجتمع تنميةً كبيرة، وتطورُ التفكيرَ ليصبح قادراً على مواجهة القضايا الفكرية المعاصرةِ ومُلمَّاً بكيفية معالجتها.
شخصية متعددة المواهب
- فلم يكن الرشيدُ مجردَ مؤرخٍ فقط أو فقيهٍ، وإنما كان رجلاً من نوع أخر؛ فهو رائدٌ من روادِ الإصلاح في مجالات عديدةٍ، هو الفقيهُ، والعالمُ، والمدرِّسُ، والرَّحالةُ، والأديب، والصحفيُّ، والداعية الوسطي، والكاتبُ، والخطيبُ، والسياسيُّ، والاقتصاديُّ، والاجتماعيُّ، والجنديُّ المدافع عن الوطن. إذاً نحن أمام شخصيةٍ متعددة الذكاءات والمواهب.
الإنتاج العلمي للرشيد
- الإنتاج العلمي للشيخ عبدالعزيز الرشيد المطبوع الذي بين أيدينا هو ثلاث رسائل وثلاث مجلات مع كتاب (تاريخ الكويت). والرسائل هي: رسالة (تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل المؤمنين)، ورسالة (المحاورة إصلاحية)، ورسالة (الدلائل البينات في حكم تعلم اللغات). أما المجلات هي: (مجله الكويت)، (مجلة الكويت والعراقي)، (مجلة التوحيد). ومن هذا الإنتاج العلمي سنتعرف على أهم المعالم الفكرية التربوية البارزة لدى الشيخ عبد العزيز الرشيد.
الفكر التعليمي: الكتاتيب والمسجد
- يمكن القولُ: إن التعليم في الكويت تطور على ثلاثِ مراحل: أولاً: المسجد: للمسجد دورٌ بارز في الحياة العلميةِ في التاريخ الإسلاميّ، فلم تقتصر وظيفةُ إمام المسجد على الإمامة في الصلاة فقط، بل امتدت ليشمل الوعظَ وتعليمَ الدين وقراءة القرآن، ولذلك يمكن عدُّ المسجد أولَ مراحل التعليم في الكويت؛ فهناك ما يثبتُ دور المسجد في نشر العلم، وقد حفظ لنا التاريخُ وجود نسخٍ للعديد من الكتب التي قام بنسخها أئمة المساجدِ في القرنين الثامنَ عشرَ والتاسعَ عشر (تاريخ التعليم في دولة الكويت: 2002). ثانياً: الكتاتيب: قبل بَدء التعليم النظامي في الكويت كانت الدراسة مقتصرةً على تعليم القرآن واللغةِ العربية ومبادئِ الحساب في الكتاتيب، وكان الأولاد يتلقَّون تعليمَهم فيها، وكان يقام احتفالٌ عند إتمام الطالب دراسةَ القرآن الكريم عند الملّا، بينما البناتُ عند المطوِّعة، نظيرَ مبلغ ماليٍّ صغير يسمى بالخميسية. (عبدالله خالد الحاتم: 1980).
التعليم النظامي
- تمثلت هذه المرحلة بالمدارس النظامية، ويرجع تاريخُ أولى المدارس النظامية إلى عام (1911)، حيث أنشئت أولُ مدرسة نظاميةٍ هي المدرسة المباركية، فكانت النواةَ التي بُني عليها التعليمُ النظامي في الكويت، وبعدها أُنشئت المدرسة الأحمدية عام (1921)، ثم تطور التعليم على نحو ملحوظ، وانتشرت المدارس، وتُوج هذا التطور بتأسيس جامعة الكويت عام (1966).
المباركية نقلة نوعية
- رغم أن مدرسة المباركية تعدُّ نقلةً نوعيةً في مسيرة التعليم الكويتي، إلا أن التطور التربوي فيها لم يصل حدَّ الطموحِ المطلوب من قِبل رواد الإصلاح التعليمي؛ فمن حيث المنهاج لا يوجد فيها لغاتٌ أجنبية ولا مادةُ الجغرافيا إلخ، إنما هو المنهاج القديم لكن طرأ عليه بعض التحسُّن، فلا يوجد جدول زمنيٌّ، ولا سلمٌ تعليمي واضح المعالم في مرحلة النقل، وكذلك النجاح والرسوب ليس راجعاً لمستوى التلميذ في الاختبارات التحصيلية، إنما ذلك راجع لرضى المعلم واقتناعه (النوري وأخرون: 1995).
الرشيد ينضم لاحقا للمباركية
- ومما هو جدير بالذكر تأخُّر الشيخ عبد العزيز الرشيد في الانضمام إلى مدرسة المباركية، ويرى الباحثُ أن من جملة الأسباب التي أدت إلى هذا التأخر حتى عام (1917): أن الفترة التي افتُتِحت فيها مدرسة المباركية كان الرشيدُ في أوج اهتمامه بطلب العلم؛ ففي عام (1911) سافر إلى بغداد ليلتحق بالمدرسة (الداودية) وليدرس على يد السيد محمود شكري الآلوسي، ثم غادرها إلى مصر، ومنها إلى الحجاز، وعاد إلى الكويت عام (1913)، وتبلورت أفكاره الإصلاحيةُ في تلك السنوات، ولمع نجمه بعدَها.
تركه العمل في المباركية
- رغم أن الرشيدَ أصبح مدرساً ثم مديراً لمدرسة المباركية، إلا أنه وجد مقاومةً شديدة لإدخال تعديلات على المنهاج المدرسي، وهذا أدى إلى تركه العمل في مدرسة المباركية عام (1919)، مع أسباب أخرى تتعلق برواتب المعلمين. (الحجي: 2005). لكنَّ طموحَ الرشيد كان عالياً؛ فهو دائماً يتطلع إلى كل ما هو جديد، فلما سمع بإنشاء المدرسة (العامرية) على يد عبدالملك الصالح، انضم إليها عام (1919)، ونظراً لأنها جديدةٌ على الكويتيين فقد قامت بتطوير طرائقِ التدريس لديها، مثل كتابةِ التلاميذ للرسائل وقراءتها تمريناً عمليا وتشجيعاً للتلاميذ، واستطاع الرشيد إدخال الجغرافيا في منهاج العامرية، الذي بدوره أثار حفيظة بعض معارضيه الذين يرفضون ما يتبناه من النظريات الحديثة، مثل كرويةِ الأرض ودورانها، وأنَّ المطر ينتج عن عملية تبخر مياه البحار.
الرشيد وإنشاء الأحمدية
- كان الشيخُ عبدالعزيز الرشيد صاحبَ فكرة إنشاء المدرسة الأحمدية عام (1921)، فبعد أن تداعى مجموعةٌ من وجهاءِ الكويت ومثقفيها إلى إصلاحِ التعليم، وأن البلادَ بحاجة ماسّة إلى خريجين يقومون بأعباء الدولة على أكمل وجهٍ، وبما أن المدرسة المباركية لم يستطع أحد أن يطورَ فيها شيئاً؛ بسبب الخلافات التي نشأت حولها مع مناوئين، طالبَ الشيخُ عبدالعزيز الرشيدُ بإحضار معلمين تربويين من مصرَ على الطراز الحديث. وأُلحق طلابِ مدرسة العامرية بالمدرسة الأحمدية، وشارك نخبةٌ من فضلاء الكويت التدريسَ فيها، وأُدخلت تعديلاتٌ على منهاج الأحمدية؛ فصار أقرب إلى المفهوم الحديث منه إلى القديم؛ حيث لم يعد يركِّز على المحتوى الدراسي والناحية المعرفية فقط، بل تعداها إلى أبعادٍ جديدة، ومحاولةِ التنمية الشاملة للمتعلم في الجوانب كافة.
الجغرافيا واللغة الإنجليزية
- وأُدرجت مادتا الجغرافيا واللغة الإنجليزية، وأُدخلت النظريات الحديثة في المنهاج الجديد، وأصبح الطالبُ يكتسب خبراتٍ جديدةً، مثل الخطابةِ والمناقشة، وتنوعت أساليب التقويم والاختبارات التحصيلية، وشاهدنا هناك حضوراً ومشاركةً لأولياء الأمور؛ فكان تطويرُ التعليم الشغلَ الشاغل للشيخ عبد العزيز الرشيد في الحِلِّ والترحال، ويتضح ذلك من عمله في البحرين وأندونيسيا كما مر سابقاً.
جهودَ الرشيد في التأليف
- تبين للباحثِ أنَّ جهودَ الشيخ عبد العزيز الرشيد في التأليف جاءت خدمةً للعملية التعليمية التعلُّمية، وظهرت في سنين مُبْكِرةٍ من حياته، وقد ناقش فيها كثيراً من القضايا التربوية، فألَّفَ رسالته الأولى: (تحذير المسلمين، الرشيد: 2017)، ولمع اسمُه بين أقرانه وهو في الرابعةِ والعشرين من عمره. ويرى بعضُ الباحثين في هذه الرسالة أن الشيخَ كان متشدداً في بدايةِ أمره في قضية المرأةِ وتعليمِها خاصةً، وعلى ذلك يقرر أصحابُ هذا الرأي رجوعَ الشيخ عن تشدده.(الوقيان: برنامج كشكول، https://youtu.be/IOo9Xs5dnrc). بينما ترى الفارس (2017) أنَّ للشيخ مذهباً قديماً ثم رجع عنه، وألمح د. سليمان الشطي إلى ذلك في (مقدمة تاريخ الكويت: 2020).
افتتاح جامعة الكويت عام 1966
الرشيد وتعليم المرأة
- يبدو أن الرشيد رجع عن رأيه القديم؛ حيث إن المسألة محلُّ نظرٍ واجتهاد بين الشرعيين، وبعد دراسةٍ لمؤلفات الرشيد وما نشره في الصحف والمجلات، وبعد الاطلاعِ على سيرته المهنية، وتحليلِ عباراته، واستصحاب ثقافته الدينية ومذهبِه الفقهي الحنبلي خاصةً، إضافةً إلى الشجاعة الأدبية التي تميَّز بها الرشيد نجد أن الرشيد لا توجد لديه عبارة تدل على أنه ينحى منحى تحريمِ تعليم المرأة ابتداءً، بمعنى أنه يرى أنَّ الجهل للمرأة خيرٌ لها من العلم.
العلم في الإسلام فرضٌ
- ووقد ذكر الرشيد هذا الرأي واضحا في بيان موقفه من أنَّ العلم في الإسلام متاحٌ للجميع (تحذير المسلمين 2017 ص 39): «العلم في الإسلام فرضٌ على الذكور والإناث؛ إذ يمكن تحصيلُ هذا الفرض في غير المدارس». وقال: «إنَّ لزومَ المرأة بيتَها وعدمَ الخروج منه للمدارسِ، ولا سيما في هذا الزمان الفاسد، أولى وأحرى». وبناءً عليه؛ فإن غايةَ ما يراه هو اعتراضه على ذهاب المرأة إلى المدرسة على الحالة التي رآها في بغدادَ، وقد علل ذلك بفسادِ الزمان في البيئة التي ألَّفَ فيها ولها هذه الرسالة، وهذا جرياً على قواعد مذهب الحنابلة بما يُعرف بقاعدة سد الذرائع؛ فالاعتراض ليس منصبًّا على تعليم المرأة وإنما على ما يترتب عليه من مفاسد؛ لذا صرح في (تحذير المسلمين 2017 ص 38): أنَّ الاعتراض على أمر ثانٍ وليس على تعليم المرأة من حيث المبدأ، فقال: «خروجُ النساء للمدارس غير جائزٍ؛ لما يترتب عليه من مفاسد».
لا يعترض على تعليم المرأة
- ومما يؤكدُ ما ذهبَ إليه الباحثُ قولَه في (تحذير المسلمين 2017 ص 15): «فإنَّ لها عوضاً يقومُ مقامَها يعني المدارس هو لزومُ البيوتِ، وقراءةُ العلم فيها، وإدراكُ العلم فيها غير مستحيل». وهذا النصُّ صريحٌ في أن الشيخَ عبد العزيز لا يعترض على تعليم المرأة من حيث المبدأ، ويؤيد ذلك أيضاً قولُه في (تحذير المسلمين 2017 ص 18): «إلا إذا كانت المدارسُ مخصوصةً للنساء، وكان لهنَّ مكانٌ منفردٌ، ولهن يومٌ مخصوصٌ».
رداً على قصيدة الرصافي
- لو نظر أيُّ باحث إلى حيثياتِ التأليفِ وسببه لعلمَ أنه ألَّف رسالة (تحذير المسلمين عن اتباع غير المؤمنين2017 ) وطبعَها في بغداد عام (1329هـ-1911) بتشجيعٍ من أستاذه محمود شكري الآلوسي، وقد جاءت رداً على قصيدة للشاعرِ معروف الرصافي؛ دعا فيها لمساواة الرجل بالمرأة في أمورٍ تُصادِمُ الشريعةَ والفطرةَ البشرية، وبما أن الشيخَ عبدالعزيز الرشيد قد جاء من بيئةٍ محافظة إلى بيئةٍ تختلفُ نوعا ما وهي بغدادَ؛ حيث تموج فيها التيارات الفكرية المختلفة؛ فإن الشيخ عبد العزيز الرشيدَ ظل ينشرُ رسالةَ (تحذير المسلمين) فيما بعد، ويعلن عنها في (مجلة الكويت: ج 4 - 5، ص 184)، ونشرَ ثناءَ أحدِ العلماءِ على هذه الرسالة في عدد (مجلة الكويت ج 10، م 1، ص 465) دونَ تعليقٍ أو إشارةٍ منه توحي برجوعه عن شيء منها.
لاتوجد تعليقات