الفكر التربوي عند الشيخ: عبد العزيز بن أحمد الرشيد (6)
الدراسة تستهدف التعرُّف على الفكرِ التربوي عند الشيخ عبدالعزيز الرشيد (ت 1356هـ، 1938م)، وإسهاماتِه في الحركة الثقافية، سواءٌ على مستوى الكويت أم خارجها، وذلك بالنظر إلى المشاريع التي قادها في هذا الاتجاه. وخلصت الدراسةُ إلى أن الشيخ عبد العزيز الرشيد رائدٌ من روّادِ الإصلاح الكبار على مستوى الكويت والخليج العربي، في اتجاهات عدة، ولاسيما التعليمُ وما استحدثه من مناهجَ جديدةٍ، اعتنى فيها بأركان العملية التعليمية (المتعلِّم، المعلِّم، المنهاج)، أدَّت إلى النهوض بالتعليم النظاميّ في الكويت. واتخذ الرشيد من إنشاء الصِّحافة وتأليفِ الكتب وإلقاء المحاضرات سبيلاً لإرساء النهضة الثقافية الكويتية مطلعَ القرن العشرين، وحاول جاهداً إبرازَ سماحة الدين الإسلامي في أحسن صورة، وأنه صالحٌ لكل زمان ومكان، وطبق ذلك عملياً في المشاريع التي تبنّاها، وأثبت أنه لا تعارض بين التطور الذي هو سِمةُ الحياة وبينَ الدين الإسلامي الحنيف.
التطور الفكري عند الرشيد
• ومما يدل على التطور الفكري الذي ترقَّى فيه الشيخُ عبد العزيز الرشيدُ، أنه كان يصرُّ على كتابة اسمه في البدايات مقروناً بـ (الحنبلي السلفي الكويتي) تقليداً للأسلوبِ السائد في زمانه، ثم نجد ذلك قد تغير فأصبح يكتب اسمه: (عبد العزيز الرشيد)، ويلاحظ الباحث في كتابات الرشيدِ الأولى التأثرَ الشديد بنقد المخالفين له الرأي في الكويت، مع الشدة في الردِّ عليهم، لكنه مع انتقاله إلى أندونيسيا بدأت تختفي وتخفُّ هذه الردود، وذلك راجع لسببين: الأول: بُعدُ المسافةِ الجغرافية، وانقطاعُ الأخبار عنهم، واعتقادُ الرشيد أنه تم إقناعهم. الثاني: انشغالُه بما هو أهمُّ؛ حيث حصل صراعٌ بين العرب في أندونيسيا، استهلك فيه طاقته العلمية، فضلا عن أنَّ الشيخَ لمع نجمُه وأصبح مرجعاً يُشارُ إليه بالبنان على مستوى العالم العربي والإسلامي.
المعالمُ الفكرية لدى العلماء
• البحثُ في المعالم الفكرية للعلماء والمصلحين أمر ضروريٌّ ومهم، ولا سيما في هذا العصر الذي يتميز بكثرةِ القضايا الفكرية المعاصرة، ومع تسارع الأحداث يُحتَّم على الباحثين تلمُّسُ الفكر الديني القائمِ على وسطية الإسلامِ، وهو الذي سيساهم على نحو كبير في تنمية الفرد والمجتمع فكريا ليصبح فكراً ناضجاً قادراً على مواجهة تلك المستجداتِ والأحداثِ في هذا العصر.
تميز الرشيد بالعلومِ الشرعية والثقافية
• ومما ساعد على تطويره ونضجه؛ الاستفادةُ الكاملةُ من آراء المربين والمفكرين، وطريقةِ تناولهم للقضايا المعاصرة، وكيفية معالجتها. والشيخُ عبدالعزيز الرشيدُ من الدعاةِ العاملين في حقل التربية؛ فهو مربٍّ فاضلٌ لديه سماتٌ قلما توجد في غيره، فهو يتميز بما يتصفُ به من الجمعِ بين العلومِ الشرعية والتعددية الثقافية، وقد ترجمها واقعاً ملموساً وسلوكاً واضحاً في أقواله وأفعاله، فضلا عن فهمه للواقع ومشكلاته المعاصرة، وقدرتُه على مناقشة هذه القضايا، وإقناعُ المخالف له في الرأيِ، وقيامُه بمشاريع إصلاحية في مجالاتٍ عدةٍ.
الرشيد نتاجُ المدرسةِ الحنبليةِ السلفيةِ الكويتيةِ
• فالشيخُ عبدالعزيز الرشيدُ لم يتسور المحرابَ على العلومِ الدينية، بل هو نتاجُ المدرسةِ الحنبليةِ السلفيةِ الكويتيةِ، وقد سبقت الإشارةُ إلى ذلك سابقاً، ويُعدُّ الشيخُ الرشيدُ من المصلحين الكبارِ على المستوى الديني، ويتضح ذلك من الثناء العاطر عليه من معاصريه. قال عنه الشيخ أحمد الجبالي (أحدُ علماء الأزهر): «عَلَمٌ من أعلام الفضلِ، وعالِمٌ جليلٌ، يَجمَعُ إلى عظيمِ الذكاءِ عظيمَ الإنصاف». (مجلة نور الإسلام: م2، ج3، ص212).
رئيسُ قضاةِ الحجازِ يثني على الرشيد
• وأثنى عليه رئيسُ قضاةِ الحجازِ العلامةُ عبدُالله بن حسن آل الشيخ، وقال: «ولا عجبَ، فإنَّ من كان مثلَ حضرتِكم في حسن المعتقد، وصدقِ الغَيرةِ الدينية، وسَعَةِ الاطلاعِ، وبَارِعَةِ التحريرِ، وسلامةِ الذوقِ، وحسن الاختيارِ، لا يُستغرَبُ منه إصدارُ مثلِ هذه المجلة» (مجلة الكويت والعراقي: م1،العدد10، ص485). وقال عنه زميلُه في المدرسةِ المباركيةِ الشيخ صالح العثيمين: «وحيدُ عصرِهِ، فريدُ دهرِهِ، في كثرةِ العُلومِ، وسَعَةِ الاطّلاعِ» (العثيمين: 2000).
الرشيد يسعى إلى الإصلاح
• أما الشيخ الرشيدُ فقد رسم لنفسه هدفاً في هذه الحياةِ، وقال معبراً عنه: «الإصلاحُ أنشودةُ المصلحين في كل عصرٍ ومصر»،(الرشيد: مجلة الكويت: ج2، م2، ص41). إذاً، هو ينشدُ الإصلاحَ، وأولُ هذا الإصلاحِ هو تطهيرُ الدينِ من الشوائب والخرافاتِ التي شوَّهت جمالَه، وابتعدت به عن الطريق القويم، سواءٌ على المستوى التعبديِّ أم على المستوى الأخلاقيِّ، أم على المستوى الفكريِّ، ولا سيما الجمودُ الذي ضرب مشايخَ الدينِ في العمقِ، فصار هناك انحطاطٌ فكري، عانت منه الأمة كثيراً، وحاربت كلَّ ما هو جديد باسم الإسلام.
رحلَ إلى البحرين ليواصل الإصلاح
• وفي طريق الإصلاحِ الدينيِّ تعرَّضَ الرشيدُ لهجوم من بعض المعارضين، ونددوا بما يقوم به من إصلاحات، ووصل الأمرُ أن رحلَ عن وطنه إلى البحرين، لكنه واصل طريقَ الإصلاحِ، موضحاً أن منهجه في الإقناع هو بالدليل والبرهان، ولم تتزعزع الثقةُ في نفسه، بل ظل مستبشراً مردِّداً: «ليس أشرحَ لصدر المرءِ من أن يرى أثرَ ما يقوم به من عملٍ في نفع دينه وإخوانه ماثلاً أمام عينيه، في وقتٍ وقفَ له بالمرصاد أعداءٌ ألدَّاءُ وخصوم أشداءُ، آلَوا على أنفسهم ألايعترفوا لصاحبه بفضل، وأن يرمُوا في سبيله ما يستطيعون من عراقيل، حسداً له وبغضاً» . (مجلة الكويت:ج1، م2، ص3).
حميَّته الدينية للإسلام والمسلمين
• والشيخ عبدالعزيز الرشيد -في مسيرته- يدعو للاقتداءِ بالشريعة السمحاءِ، ويؤكِّد أنَّ كلّ قانون غيرَ شريعةِ رب العبادِ لا بد فيه من النقصِ والتناقض (مجلة الكويت:ج8، م1، المقدمة). وأكَّد أيضاً أنه: «ليس في وُسعِ الخلق أن يعيشوا بلا دِينٍ في دارٍ ملؤُها الأطماعُ والشهواتُ». (مجلة الكويت،ج1، م1، ص6). له مواقف تدلُّ على حميَّتِه الدينيةِ للإسلام والمسلمين، وقد عبَّر عنها في المحاضرة التي ألقاها في المنتدى الإسلامي في البحرين، وسلطَ الضوء على دعاةِ التبشير في العالم الإسلامي. (مجلة الكويت والعراقي:العدد1، م1، ص12).
تشجيع شباب البحرين
•وقد شجع الرشيد شبابِ البحرين للدعوةِ إلى الله -تعالى- في كثيرٍ من الخطب التي كان يلقيها في المنتدى الإسلامي في البحرين. (مجلة الكويت: ج8، م1، المقدمة). ومن نشاطه الثقافي في المجتمعِ البحريني هذه الكلماتُ التي تدلُّ على معالي الأمور؛ فقال: «إن الحركاتِ المتنوعةَ التي يتمتعُ بها أهلُ البحرين اليومَ، سواءٌ في الدين والأخلاقِ أم في العلم والأدبِ، لحركاتٌ تبشِّرُ بمستقبل زاهرٍ لهذا القطرِ، ويتطلعون إلى حياة جديدة». (مجلة الكويت: ج 8،م 1، ص 327).
روح القيادةِ التربويةِ
•ويتحلى الشيخ عبدالعزيز الرشيد بروحِ القيادةِ التربويةِ، وتظهر لديه الخبرة النفسية لفئةِ الشباب الطموح للإصلاح، فجاءت نصيحتُه لمن يخالفُه في وسائلِ الإصلاح: «الدينُ الصحيحُ، فهو ـ ولا مِراءَ ـ الشجرةُ التي يتفرع منها الإصلاحُ الحقُّ، وليس في إمكانِ أيِّ أمةٍ الاستغناءُ عنه، مهما بلغتْ من التقدمِ والرقي في العلومِ والصنائع، وهذا أمرٌ لا يختلف فيه مُنصفان؛ إذ الدينُ ضروريٌّ لأمنِ الناس وراحتِهم، وله من السلطةِ على عقولهم ما ليس لسواه، فإذا كان الأمرُ كما تعلمون ـ أيها السادةُ ـ فليس من الحكمةِ أن نفاجئَ بالشدةِ من يخالفُنا من إخواننا المسلمين في شيءٍ من المسائل التي مَناطها الاجتهاد «، وذلك مثل ما جاء في عدد (مجلة الكويت: ج2، م2، ص42).
بَذل النصيحة والمشورة
•ومن أساليب التربوية الشيخ الرشيد بَذل النصيحة والمشورة في (مجلة الكويت: ج6-7، م2، ص220) على أمرٍ بدأت ملامحُه بالظهور على الشباب المسلم، هو تركُ العمل زهداً في الدنيا، وعدمُ مخالطة أهلها تورعاً، حتى ظنوا أنَّ الاشتغالَ بالتجارة والصناعة محظورٌ ديناً، فوضَّحَ الرشيدُ موقفَ الإسلام من العمل والتجارة وعِمارةِ الأرضِ والتمتعِ بزينة الحياة الدنيا من غير إٍسراف ولا خُيلاء.
رعايةُ المشاريع الإسلامية
•ويرى الرشيدُ أنَّ من واجبه رعايةُ المشاريع الإسلامية في أصقاعِ الدنيا؛ فنوَّهَ مثلاً بالدعوةِ الإسلامية التي بدأت تشقُّ طريقَها في الصين، وشجَّعهم على إنشاءِ جمعيةٍ ومجلةٍ للمسلمين (مجلة الكويت والعراقي: العدد1، م1، ص27)، ظهرت مشاعرُه الإسلامية في نبأ احتفالِ مسلمي النِّمسا بتأسيس الرابطة الإسلامية في فِينّا (جريدة التوحيد: العدد الأول)، وأشاد بالموقف الذي قام به الملكُ عبدالعزيز من طباعتِه الكتبَ والمراجعَ المهمة التي يعدها من أسفار الإسلام (مجلة الكويت:ج10، م2، ص380).
ثقافة الرش يدِ الشرعيةُ
•وتظهر ثقافة الرشيدِ الشرعيةُ في تدوينه (تاريخ الكويت: الرشيد: 2020)؛ فقد سلَّطَ الضوءَ على النشاط الديني في الكويت: فمثلاً قام بعمليةِ إحصاءٍ لمساجدِ الكويت وجوامعها، وسعى جاهداً في تحديد تاريخ البناءِ والأقدمية، وحصرها في ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ آل خليفة، ومسجد ابن بحر، ومسجد العدساني، ووصف هذه المساجدَ وعُمَّارها من المحسنين، وذكر مكوناتِها وأوقافَها، وذكر أنَّ في أحد المساجد بئراً تعتقد فيها العامةُ الشفاءَ، ثم علق الشيخ قائلا:» ولا ريبَ أن ذلك اعتقادٌ باطل». (تاريخ الكويت:الرشيد:2020، ص55).
المظ اهر السلبية
•بل ويصفُ بعضَ الدجاجلة في الكويت، ويطيلُ النَّفَسَ في وصف حالهم وأثرِهم السيئِ الذي خلَّفوه من جمودٍ للحركة الفكرية (تاريخ الكويت:الرشيد:2020، ص126). وأشار إلى بعض الأثار والقبور في جزيرة (فيلكا)، وعنَّفَ على ضعاف العقول والدجالين ما هم عليه من التعلقِ بها واعتقاد البركة فيها (تاريخ الكويت: 2020، ص70).
• كما وصف فتنةَ محمد الخراشي الأزهري الذي وفد على الكويتِ، وتوسم فيه الخير والصلاحَ والعقيدةَ السلفية، وكيف أنه سعى في تعيينه معلماً، ثم مديراً في المباركية والأحمدية، ولكنه- كما قال الرشيد- انتكس وخلف آثاراً سيئةً في الكويت (تاريخ الكويت: الرشيد:2020ص156).
ال قضاء الكويتي
• وأما عن القضاء الكويتي؛ فقد رصد الرشيدُ تاريخَ القضاء، وأن بداية منشئه كان على العرف، كما هو حال أهل البادية، ثم رجَّحَ أن أول من تولى القضاءَ غير معروف، ولكنَّ أقدم من تولى القضاء الشرعيَّ في الكويت هو الشيخ محمد بن فيروز (ت 1135هـ)، وذَكرَ أسماءَ من تعاقبوا على القضاء من بعد ابن فيروز (تاريخ الكويت، الرشيد:2020،ص 108).
* أما عن القضاء الكويتي، فقد رصد الرشيد تاريخ القضاء، وأن بداية منشئة كان على العرف، كما هو حال أهل البادية .
لاتوجد تعليقات