الفرق بين الاختلاف والافتراق
1. أن الافتراق: أشد أنواع الاختلاف، وثمرة من ثماره النكرة.
2. أن من الاختلاف ما لا يصل إلى حد الافتراق، وهو أكثر أنواع الخلاف بين الأمة، فالخلاف بين الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء لم يصل إلى حد الافتراق ولا التنازع في الدين.
ومن الاختلاف ما يؤدي إلى الافتراق وهو خلاف أهل الأهواء والبدع والفرق فيما فارقوا فيه أهل السنة والجماعة.
3. أن كل افتراق اختلاف، وليس كل اختلاف افتراقا.
4. أن الاختلاف سائغ شرعا، والافتراق غير سائغ.
5. أن الافتراق إنما يكون في أصول الاعتقاد والقطعيات والإجماع، وما يؤدي إلى الشذوذ عن جماعة المسلمين والخروج على أئمتهم، والاختلاف دون ذلك؛ إذ يكون في الفروع والاجتهاديات والمسائل الخلافية.
6. الافتراق مذموم كله، والاختلاف ليس كله مذموما.
7. الاختلاف يعذر صاحبه إذا كان مجتهدا، والافتراق لا يعذر صاحبه.
8. الاختلاف عن اجتهاد يؤجر عليه المجتهد، والافتراق موزور صاحبه.
9. الافتراق يكون عن هوى، أما الاختلاف فلا يلزم منه ذلك.
10. الاختلاف رحمة، وأهله ناجون إن شاء الله، والفرقة عذاب، وأهلها هالكون ومتوعَّدون. وإليك طرفا من أقوال أهل العلم في ذلك:
النزاع في الأحكام قد يكون رحمة:
فلهذا لا يعد من قبيل الأهواء ولا الافتراق، قال شيخ الإسلام: «والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم؛ ولهذا صنف رجل كتابا سماه: (كتاب الاختلاف)» فقال الإمام أحمد: سمه كتاب: (السعة)، وإن الحق في الأمر نفسه واحد» وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه؛ لما في ظهوره من الشدة عليه، ويكون من باب قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، كما أن الاختلاف رحمة وأهله معذورون، والافتراق عذاب وفرقة ولا يعذر أهله: فأهل السنة المختلفون في الفروع داخلون في قوله تعالى: {إلا من رحم ربك}؛ لأنهم باينوا الذين {ولا يزالون مختلفين}، وهم أهل الأهواء والافتراق.
والخلاف في مسائل الاجتهاد وقع قطعا من السابقين أهل الفضل والرحمة: الصحابة والتابعين، ولم يوجب افتراقا ولا خصومات في الدين، أما ما وقع من أهل الأهواء فهو من الخصومات في الدين؛ لأنه كان عن هوى، ولأنه أدى إلى تكفير بعضهم لبعض، فلو كان القول قولا واحدا لكان الناس في ضيق، كما قال عمر بن عبدالعزيز: «ما أحب أن أصحاب محمد [، لا يختلفون»، قال القاسم: «لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق»؛ لأنه اختلاف رحمة واجتهاد. أما اختلاف أهل الأهواء فهو اختلاف عذاب وفرقة.
الاختلاف الذي لا يؤدي إلى الافتراق ليس مذموما ما دام فيما أذن الله فيه:
قال الشاطبي: «فأما العلامات الإجمالية فثلاثة، إحداها: الفرقة التي نبه عليها قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}، وقوله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة}، روى ابن وهب عن إبراهيم النخعي أنه قال: هي الجدال والخصومات في الدين، وقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}. وفي الصحيح عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وصدق الحديث». وهذا التفريق - كما تقدم - إنما هو الذي يصيّر الفرقة الواحدة فرقا والشيعة الواحدة شيعا.
قال بعض العلماء: صاروا فرقا لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم، فافترقوا، وهو قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} ثم برأه الله منهم بقوله: {لست منهم في شيء}. وهم أصحاب الضلالات والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله.
قال: ووجدنا أصحاب رسول الله [ من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يتفرقوا، ولا صاروا شيعا؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد إلى الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصا، واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به: كاختلاف أبي بكر وعمر وعلي وزيد في الجد مع الأم، وقول عمر وعلي في أمهات الأولاد، وخلافهم في الفريضة المشتركة، وخلافهم في الطلاق قبل النكاح، وفي البيوع، وغير ذلك مما اختلفوا فيه، وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح، وأخوة الإسلام فيما بينهم قائمة، فلما حدثت الأهواءٍ المردية، التي حذر منها رسول الله [ وظهرت العداوات، وتحزب أهلها، فصاروا شيعا، دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه.
وقال الشاطبي: «قال (يعني بعض العلماء): كل مسألة حدثت في الإسلام واختلف الناس فيها، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة - علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة حدثت وطرأت، فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة - علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عنى رسول الله [ بتفسير الآية. قلت: وعليه فإن كل أصول الفرق مبتدعة وطارئة وليست من الدين في شيء فليحذر المسلم من المحدثات في الدين والفرقة.
لاتوجد تعليقات