رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صلاح الدين مقبول أحمد 30 سبتمبر، 2010 0 تعليق

الفرقان تنشر المقال وفاءً للشيخ الفاضل-يرحمه الله-(1-2) الشيخ عبدالعزيز الهده… ربع قرن من الإخاء

 

كان من أعزّ أمنياتي الدراسية منذ صغري أن أدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة الطيبة، وقد تحقق لي ذلك بفضل الله ومنه وكرمه. والتحقت بكلية الحديث الشريف والدراسة الإسلامية بالجامعة، وعندما كنت في السنة الرابعة من الكلية، التحق بها في السنة الأولى طالب من الكويت، مظهره كان ينمّ عن سلفيته عقيدة وعملاً ومنهجاً وسلوكاً لأن الظاهر في الغالب يكون عنوان الباطن. هكذا رأيته وإلى الآن أحسبه كذلك، ولا أزكّي على الله أحدا.

ولم يكن في الحسبان أبداً، بأني أذهب إلى الكويت فضلاً عن أن أتعرف على هذا الطالب الجديد عن كثب، ثم أزامله نحو ربع قرن من الزمان في مجال الدعوة إلى الله تعالى.

وبعد تخرجي في الجامعة تمّ تعاقدي مع «دار الإفتاء بالسعودية» في مكتبها في باريس (فرنسا) بأمر من سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز (المفتي العام بالمملكة العربية السعودية) – رحمه الله – ثم حصل تحويل تعييني من قبل إدارة الدعوة في الخارج» إلى الهند على غير علم مني.

وأنا لم أكن أرغب في الذهاب إلى باريس «فتسلمت هوية التعاقد من الإدارة، وكنت على أهبة السفر إلى الهند، حتى جاءتني تأشيرة الدخول إلى الكويت التي أخرجها أخونا الفاضل عبدالكريم فرحان الشمري - حفظه الله - وذلك بناء على طلب من أخينا الفاضل الدكتور فلاح ثاني السعيدي – حفظه الله -، رغبة منه في إقامتي في الكويت إن طاب لي المقام بها. فدخلت الكويت وكأني في طريقي إلى الهند، فاستأنست بما رأيت من وحدة العقيدة والمنهج، وبما لمست من الإخوة من رغبة صادقة في بقائي معهم، مع كرم الضيافة وحسن المعاملة، والحفاوة البالغة، والخير من معدنه لا يستغرب، والجدير بالذكر أنهم كانوا على قلب رجل واحد فبقيت في الكويت إلى الآن.

ولا أدري في أي أرض الله توفي بقية رزقي وأجلي: {.... وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} (لقمان: 34 ).

فإن كنت لا تدري متى الموت فاعلمن

بأنك لا تبقى إلى آخر الدهر

 أسأل الله تعالى حسن الخاتمة في الحل والترحال.

هكذا وصلت إلى مدينة الجهراء سنة 1402 هـ = 1982 م، وتيسّر اللقاء بيني وبين ذلك الطالب الجديد في الكلية، وتمّ التعارف الكامل، فعرفت أنه أبو يوسف عبدالعزيز ابن صالح الهده، من عائلة كريمة معروفة في الجهراء، واستمرّ الإخاء والتواصل. ثم رجع بعد تخرجه في الجامعة إلى بلده داعية قديرا، ومدرساً ناجحاً، مصداقاً لقوله تعالى: {فلولاً نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا  في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (التوبة: 122).

- من مهام وظائفه:

• انتظم بسلك التدريس في المرحلة الثانوية، واستمر بالتدرج الوظيفي حتى احتلّ منصب (الوكيل) ثم (الناظر)، وحاز في جميع مراحله الوظيفية إعجاب مسؤوليه وزملائه المدرسين، والطلبة وأولياء أمورهم على السواء، وهو يعدّ من أوائل من استخدموا الكمبيوتر في تطوير الأمور الإدارية، وتسهيلها على الناس.

• تولى الخطابة في مسجد العيار بالجهراء، وكان من أشهر الخطباء الذين كان يشار إليهم بالبنان. وكان يتميز بتناوله في خطبه مسائل وقضايا تهم المجتمع في عقيدته ودينه ودنياه مع الاهتمام بحماية جانب التوحيد، والردّ على مظاهر الشرك والإلحاد بأنواعها، وكان يتفاعل في خطبه لغيرته على عقيدته ودينه مع الأحداث محلية كانت أم دوليّة، وكان له جمهور كبير يتابعونه في خطبه ومحاضراته.

• برز في مجال إلقاء الدروس والمحاضرات في الملتقيات والندوات بكل جدارة وثقة، وكان له حضور دائم مع توجيه هادف عند كل حدث من الأحداث، وترك بصمة واضحة في مجال الدعوة إلى الله، وله فضل لا ينسى في إرشاد الشباب إلى النافع المفيد من الأقوال والأفعال: «وإن سكتوا أثنت عليك الحقائب».

• باشر وظيفة (التمليك) وعقد القران الرسمية بكل فرح وسرور  وحتى لا يكون بمنأى عن الأمور الاجتماعية، التي تستثمر لصالح الدعوة إلى الله.

• كانت له مشاركة فعالة في كتابة المقالات الصحافية الهادفة، التي اتسمت بإرشاد والقراء إلى الأصلح والأنفع في الأمور الدينية والدنيوية بكل صراحة وصرامة، وصارت وسيلة خير لإنجاز كثير من معاملات الناس المعلقة في الدوائر الرسمية، وغيرها.

• باشر رئاسة الهيئة الإدارية بجمعية إحياء التراث – فرع الجهراء- بعد أخينا المفضال الشيخ حمد صالح الأمير – حفظه الله - ، فكان الفرع وتطويره شغله الشاغل وللتركيز على الناحية الدعوية، والارتقاء بها إلى المستوى المطلوب كان نفسه يشرف على (لجنة الدعوة ولإرشاد) التابعة للفرع.

ولا ريب أن أعمال هذه اللجنة توسّعت،حتى شملت فيما بعد أقساماً كثيرة. منها: المعهد الشرعي – قسم الدعوة وشؤون المساجد، قسم إقامة المحاضرات والدروس – قسم الإصدارات – مشروع المكتبة والمخطوطات – قسم توعية الجاليات – قسم الملتقيات والمخيمات الربيعية – قسم الأرشيف الصحافي.

وقد كتب أبو يوسف – رحمه الله – كلمة لجنة الدعوة والإرشاد حين صدور كتيبات الأسرة المسلمة سنة 1418 هـ - 1997 م، قال فيها: الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات، والذى بفضله تمكنّا أن نواصل المسيرة مع الخيرين من هذا البلد في استكمال مشروع كتيبات الأسرة المسلمة الذى ما زلنا معه في جديد، منذ أن بدأناه قبل ست سنوات، في هذه اللجنة المباركة القائمة على الدعوة في سبيل الله  داخل هذا البلد. ثم ذكر محتويات هذا الإصدار فقال: وبهذا حوى هذا الإصدار من كتيبات الأسرة المسلمة شيئاً من العبارات، وآخر في العقائد وتصحيح المنهج، وآخر للنساء وطلبة العلم، وآخر للكبار وأخيراً للأطفال. هذا وأسأل الله أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، وأن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه، (رئيس لجنة الدعوة والإرشاد: عبدالعزيز صالح الهده).

اللهم تقبل يا سميع الدعاء. و»يرحم الله عبداً قال آمينا».

- من أعماله العلمية:

كان أبو يوسف – رحمه الله – مولعاً بشراء الكتب، وجمع المخطوطات من زمن الطلب، حتى كوّن مكتبة علمية عامرة، ليستفيد منها في مجال البحث والتحقيق، والتصنيف والتأليف، ولكن أراد الله له شيئاً آخر، فعرف بحكم وظائفه وأعماله مدرساً ناجحاً، وإدارياً محنكاً، وخطيباً بارزاً، وصحافياً قديراً، وداعية محظوظاً، فلم يكن يبقى عنده بعد مباشرة هذه الأعمال وقت كاف للتأليف والتصنيف، وكم كان يشكو من قلة الوقت وكثرة الأشغال، ولكنه أجاد فيما كتب، ولو أولى اهتمامه بجانب التأليف لأتقنه، مثل غيره من أعماله، ورسائله وكتيباته تشهد على ذلك، وهي مع قلتها في غاية الجودة والتأثير، منها:

• تيسير السلام في شرح أركان الإسلام.

• خير الهدى هدى محمد [.

• فتاوى رمضانية.

• رسالة في حكم الغناء في الإسلام.

• الطلاق بين جهل الجاهلين واستهتار اللاعبين. وغيرها من الرسائل المفيدة والبحوث النافعة والمقالات الصحافية.

هذا وإن تجمع مقالاته وخطبه، ومحاضراته وفتاواة  تبلغ مجلدات.

وكان - رحمه الله – لإعجابه الكبير بكتاب («جامع البيان في تفسير القرآن) للإيجي الشافعي وخاصة بالتعليقات عليه – اقترح عليّ أن نشارك في تحقيقه وتصحيحه، ولكن تأخرنا في بدء المشروع، وحالت منيته دون ذلك.

ثم قمت بعد وفاته بتحقيقه وتصحيحه بناء على طلب من أخينا الفاضل نجم سهيل الشمري (صاحب دار غراس)، وهو مطبوع متداول – بل في طور الطبعة الثانية - الآن، لكثرة الطلب عليه، وتحقق لي أنه كان لإعجاب الشيخ به معنى كبير، وكذلك تحققت أمنيّته أيضاً؛ فجزاه الله خير ما يجازي به عباده الصالحين.

- من تلامذته:

جلّ الإخوة والشباب العاملين في سلك التدريس، وأئمة المساجد وخطبائها من أهل الجهراء، بل كلّهم إمّا درسوا عليه في المدارس، أو استفادوا من دروسه في الحلقات، فهو توفي - رحمه الله – وكان أستاذ الأساتذة حقاً.

- من زملائه:

من أبرز زملائه في مجال الدعوة والتدريس في الجهراء، الذين لهم حضور دائم في الملتقيات والندوات والدروس والمحاضرات، الشيخ: حمد صالح الأمير والدكتور فلاح ثاني السعيدي، والشيخ سعيد عماش السعيدي حفظهم الله ورعاهم، ومتعنا بطول حياتهم مع الصحة والعافية -. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك