رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 11 ديسمبر، 2016 0 تعليق

الفتاوى القاتلة

كتبه: أحمد عبد السلام ماضي 

     إن مما يرفع وتيرة العنف، ويشجع على سفك الدماء وانتهاك الحرمات، تلك الفتاوى الضالة المنحرفة التي تنشأ نتيجة الجهل والهوى أو التعصب والتهور والاندفاع؛ فتجد فتاوى قد وُضعت في غير موضعها مِن النصوص التي فيها دفع الظلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التي تأمر بالجهاد وقتال الكفار وأهل البدع مِن الخوارج، ويستدل بالنص في غير موضعه مع عدم قراءة متأنية للواقع.

 كل ذلك تجده منتشراً على الفضائيات، يسمعها كثير مِن الشباب المغرر بهم؛ مما يؤجج مشاعر الغضب والغل والحقد، ويدفع لارتكاب أعمال متهورة مجنونة.

فتاوى التكفير

     وأنكى مِن ذلك فتاوى التكفير لأشخاص ومؤسسات فاعلة في البلاد؛ مما يؤدي إلى شر مستطير. وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا في الفتوى في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه، فسأله: هل له مِن توبة؟ فقال: لا. فقتله فأكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: مَن يحول بينك وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء.. قارن معي: بين فتوى الراهب وفتوى العالم.

الجهل ومخالفة الدليل

1- فتوى الراهب نابعة مِن الجهل ومخالفة للدليل، يدل على ذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلمبالراهب، بينما وصف الثاني بالعالم.

الإفتاء إلى الفطنة

2- كما أن الراهب افتقد إلى الفطنة، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فلم يستعمل المعاريض والمداراة مع هذا القاتل، وهذا يدل على جهله بالواقع أيضًا، وليس بالشرع فحسب.

روح التهور

3- وتجد في الفتوى روح التهور والاندفاع؛ فكان مِن الممكن أن يستمهل القاتل للمراجعة والبحث، لكنه اندفع بفتوى صادمة أدت إلى مزيد مِن سفك الدماء، بل إنه أعانه على قتل نفسه، ولولا رحمة الله بأن هيَّأ له عالمًا ربانيًّا صحَّح الخطأ، وتدارك الموقف، ودله على الطريق، وسد باب الشر؛ وإلا لانطلق هذا الرجل يسفك الدماء في كل فجٍّ.

فتاوى جائرة

4- فبهذه الفتاوى الجائرة تُصنع الطواغيت، وتُسفك الدماء؛ فإذا سد في وجوههم باب التوبة بسبب الجاهلين والمتهورين ازداد شرهم وفسادهم.

تشويه صورة الدين

5- وفي هذه الفتوى تشويه صورة الدين بأنه ليس فيه مجال للتوبة والإنابة.

6- ومِن الأخطاء أن فيها روح التعالي والتألي على الله، وكأن الله لا يقبل التوبة إلا من الراهب وأمثاله وأتباعه.

نتاج عاطفي

7- مِن أخطاء الفتوى أيضًا أنها نتاج عاطفي دون رجوع للشرع وتحكيم للعقل، فكأن الراهب استعظم قتل كل هذه النفوس، ولا يدري أنه بذلك يؤدي إلى مزيد مِن سفك الدماء.

الافتقاد لبُعْد النظر

8- كما أنها افتقدت لبُعْد النظر وفقه المآلات وعواقب الأمور؛ فلو أنه تفكَّر في عاقبة فتواه ما أقدم عليها، وربما أدرك خطورة الموقف، ولكن أصر ليثبت بطولة زائفة وشجاعة في غير موضعها.

الافتقاد لفقه المصالح

9- الفتوى تفتقر لفقه المصالح والمفاسد؛ حيث إنها زادت الشر وسدت باب الخير، وهذا ينافي مسلك أهل العلم؛ فإذا نظرت إلى فتوى العالم تجد عليها النور والهداية والشفقة والرحمة بالخلق، ومتابعة الدليل والرفق، والحرص على صيانة الدماء وعافية الناس في الدنيا والآخرة، وتقليل الشر وتكثير الخير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك