الــردة فـي الإســلام
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أثار الدكتور طارق السويدان قضية الردة في الإسلام في إحدى الفضائيات قائلا: إذا تعارض القرآن والسنّة نقدم القرآن، وإذا تعارضت عشرات الآيات مع حديث واحد.. نقدم القرآن.. والقرآن يقول لنا: {لا إكراه في الدين}، و:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة}، وهناك حديث واحد يقول: «من بدل دينه فاقتلوه»، فهل نأخذ الحديث ونترك الآيات؟! وماذا نستفيد من قتل مرتد في باكستان؟! هذا الحكم كان في بداية الإسلام!
وهذا يدل دلالة واضحة على أن الدكتور طارق السويدان ينكر إنكارا واضحا حد الردة، وخاض في بحر عميق لا يعرف أغواره في العلم الشرعي، كما أنه يجهل جهلا تاما أن الإسلام العظيم لم يبتدع هذا الحد؛ بل سبقته إلى ذلك الأديان السماوية من قبل.
جاء في في سفر الخروج 22 : 20 قول الرب: «من يقرب ذبائح لآلهة غير الرب وحده يهلك»، وجاء في سفر التثنية 13 : 6 قول الرب: «وإذا أضلك سرا أخوك ابن أمك، أو ابنك أو ابنتك، أو زوجتك المحبوبة، أو صديقك الحميم قائلا: لنذهب ونعبد آلهة أخرى غريبة عنك وعن آبائك من آلهة الشعوب الأخرى المحيطة بك أو البعيدة عنك من أقصى الأرض إلى أقصاها، فلا تستجب له ولا تصغ إليه، ولا يشفق قلبك عليه، ولا تترأف به، ولا تتستر عليه، بل حتما تقتله، كن أنت أول قاتليه، ثم يعقبك بقية الشعب، ارجمه بالحجارة حتى يموت»، ترجمة كتاب الحياة.
وورد في سفر الخروج 32 : 28 أن الرب أمر نبيه موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل من بني لاوي فقتل منهم 23 ألف رجل: «فأطاع اللاويون أمر موسى. فقتل من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل، عندئذ قال موسى للأويين: لقد كرستم اليوم أنفسكم لخدمة الرب، وقد كلف ذلك كل واحد منكم قتل ابنه أو أخيه، ولكن لينعم عليكم الرب في هذا اليوم ببركة». وورد في سفر التثنية 13 : 1-5 أنه لو دعا نبي إلى عبادة غير الله يقتل وإن كان ذا معجزات عظيمة: «إذا ظهر بينكم نبي أو صاحب أحلام، وتنبأ بوقوع آية أو أعجوبة، فتحققت تلك الآية أو الأعجوبة التي تنبأ بها، ثم قال: هلم نذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفوها ونعبدها، فلا تصغوا إلى كلام ذلك النبي أو صاحب الأحلام؛ لأن الرب إلهكم يجربكم ليرى إن كنتم تحبونه من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم... أما ذلك النبي أو الحالم فإنه يقتل».
وورد في سفر التثنية 17 : 2-7 قول الرب: «إذا ارتكب بينكم رجل أو امرأة، مقيم في إحدى مدنكم التي يورثكم إياها الرب إلهكم، الشر في عيني الرب متعديا عهده، فغوى وعبد آلهة أخرى وسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لأي من كواكب السماء مما حظرته عليكم، وشاع خبره، فسمعتم به، وتحققتم بعد فحص دقيق أن ذلك الرجس اقتُرف في إسرائيل، فأخرجوا ذلك الرجل أو تلك المرأة، الذي ارتكب ذلك الإثم إلى خارج المدينة، وارجموه بالحجارة حتى يموت».
وجاء في سفر الملوك الأول 18 : 17-40 أن إيليا ذبح في وادي قيشون 450 رجلا من الذين كانوا يدعون نبوة البعل: «ثم قال إيليا للشعب: أنا بقيت وحدي نبيا للرب، وأنبياء البعل أربعمئة وخمسون. فقال إيليا: اقبضوا على أنبياء البعل ولا تدعوا رجلا منهم يفلت فقبضوا عليهم، فساقهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك».
وهذا رد على من يتهم الإسلام من أهل الكتاب بأنه دين قائم على سفك الدماء، فهؤلاء لم يقرؤوا كتبهم المقدسة حتى يعلموا ما فيها.
كذلك الدكتور طارق سويدان يجهل ما في الكتب السماوية من حدود فجعله ذلك يحاول الدفاع عن الإسلام، بنفي حد الردة، فإن كان يجهل ما في الكتب السابقة فنحن نتغاضى عن ذلك، أما أن يجهل ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه، وهو يتصدر ويتقدم الدعاة إلى الله، فهذه هي الطامة الكبرى.
فالردة ذكرت في القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإليكم الأدلة الشرعية:
قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} (المائدة: 54)، وهذه الآية بمثابة إنذار لكل المسلمين في كل عصر ومصر وتحذير لمن توسوس له نفسه أن ينقلب على هذا الدين ويرتد عنه.
وقال تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم} (محمد:25).
والآية تدل على أن التآمر مع العدو في السر خيانة وارتداد عن الدين، وأن الردة انتكاس على الأدبار، وأن الشيطان يسول للمسلم ليرتد عن دينه، وأن المرتد هو من الطابور الخامس، قال تعالى: {ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة: 217).
وقال سبحانه وتعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم} (النساء: 137). وأهل العلم أجمعوا على أن الردة كفر من أنواع الكفر، وأنها جريمة يقتل صاحبها رجلا كان أم امرأة، تواتر ذلك عن الخلفاء الراشدين وكثير من الصحابة منهم معاذ وخالد وأبو موسى الأشعري وابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزني بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه». وهذا أبوبكر الصديق رضي الله عنه يأمر بقتل «أم فروة» حين ارتدت ولم تتب، وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر مولاه قنبر بتحريق طائقة من المرتدين المغالين في حبه، الذين نسبوه إلى الألوهية حين قالوا له: أنت هو، فقال: ومن هو؟ قالوا: أنت الله! فحرقهم في النار حتى الموت، روى البخاري مثل ذلك.
وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أنه أمر خالد ابن الوليد فحرق طائفة من المرتدين في النار حتى الموت، وجاء الخطاب الذي أرسله إليهم محذرا ومنذرا فمن استجاب له وأقر واعترف وعمل صالحا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى.. أمره أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم في النار.
وإذا ارتد أهل بلد واستعصى أمرهم على إمام المسلمين واستفحل أمرهم، وخيف من نار الفتنة، جاز للإمام أن يأمر بقتلهم وبتحريقهم في النيران حتى الموت كما فعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه عندما أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يحرق طائفة من المرتدين في حروب الردة ولولا حزمه رضي الله عنه لأكلت نار الفتنة من بقي من العرب على دينه.
واعلموا أن:
1- الردة كفر وخروج من الملة والدين فلا يغسل المرتد ولا يكفن ولا يصلى عليه.
2- والمرتدون كفار لا يجوز مناكحتهم ولا يحل طعامهم.
3- ويجوز اغتنام أموال المرتدين.
4- ويحل قتال المرتدين.
5- ودم المرتدين في كل حين مهدر.
6- ولا يجوز لإمام المسلمين أن يعفو عن المرتدين.
7- ولا تجوز الصلاة خلف المرتدين.
8- ولا يجوز الدعاء للمرتدين.
9- والردة تفسخ عقد الزواج تلقائيا.
10- ويسقط المرتد من تعداد الأمة الإسلامية.
لقد أدت اليهودية دورا قذرا في نشر الارتداد بين المسلمين، ومن أشهر الفرق التي كان لليهود ضلع كبير في ظهورها في عصرنا:
أ- البابية.
ب- البهائية.
ج- القاديانية.
وهناك الردة النظرية والردة العملية:
أ- الردة النظرية: إذا اعتقد المسلم حل أكل الخنزير أو الزنى أو الخمر أو السرقة أو شك في صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو في الجنة والنار أو البعث والنشور.
ب- الردة العملية: وهي كل قول أو فعل يخرج المسلم عن دينه مثل التعبير بالكتابة أو الرسم أو الإشارة.
أما القوانين الوضعية التي وضعها الاستعمار وطبقت من قبل الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين والمنصرين فإنها لا تعتبر الردة عن الإسلام جريمة بل إنها لا تراها إلا جنحة تستحق التعزير، كما نرى اليوم من المغردين الكفرة وهم يطعنون في الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن.
فالقوانين الوضعية خلت من النص على عقوبة المرتد، فالمرتدون وجدوا أرضا خصبة لنشر إلحادهم وكفرهم باسم حرية الفكر والرأي الحر.
لكن عقوبة الخائن الجاسوس الذي يخون الدولة هي الإعدام!
وأخيرا أمر الله جل وعلا باتباع أحكامه، ونهى عن اتباع ما يخالفها، فقال جل شأنه: {واتِبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف:3).
والله لم يرخص لمؤمن ولا مؤمنة أن يرضى بحكم غير حكم الله، ولا يتحاكم إلى غير ما أنزل الله، بل أمرهم أن يكفروا بكل حكم غير حكمه، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبل يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} (النساء:60).
والله لم يرخص لمؤمن ولا مؤمنة أن يختار لنفسه غير ما اختاره الله له ورسوله من الأحكام، فقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (الأحزاب:36).
لاتوجد تعليقات