رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: خالد محمد جاسم الأنصاري 21 نوفمبر، 2018 0 تعليق

الغلو والتطرف في الإسلام

ترجع بذور الغلو والتطرف في الإسلام إلى بعض العباد الذين تعبّدوا الله على جهل وعدم بصيرة، بل كان يعبدون الله على هوى في نفوسهم، فما رأوه يوافق هواهم، تعبّدوا الله به وإن كان مخالفا للكتاب والسنة، وما رأوه مخالفا لهواهم لم يفعلوه وإن كان الإسلام أمر به.

ومن أشهر من تعبّد الله على هذه الطريقة:

أ- الخوارج

      هم: طوائف من الناس في زمن التابعين وتابع التابعين، رؤوسهم: نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، ومحمد بن الصفار، ومن شايعهم، وسموا خوارج؛ لأنهم خرجوا عن الحق فحكموا على مرتكب الكبيرة بالشرك والخروج عن الإسلام، ومن هنا كان مظاهر غلوهم وتطرفهم واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، فأصلوا الأصول وظهرت قواعدهم العقدية من خلال تعاملاتهم مع المسلمين، وهم فرق؛ فمنهم: المحكمة، والأزارقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية، وهؤلاء رؤوسهم والباقون فروع عنهم، ويجمعهم القول بالبراءة من عثمان وعلي رضي الله عنه ؛ حيث حكموا عليهما بالكفرا ويكفرون أصحاب الكبائر في الدنيا، ويحكمون عليهم بالتخليد في نار جهنم في الآخرة، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا، كما أنهم كانوا لا يصححون المناكحات إلا على ذلك، ولقد ترتب على تكفيرهم لمرتكب الكبيرة الخروج على المسلمين بالسيف؛ فاستحلوا دماء المسلمين وأعراضهم؛ ولذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم.

     فعن أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: بعث علي - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة فقسمها بين الأربعة الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب؛ فغضبت قريش، والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: «إنما أتألفهم»؛ فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق؛ فقال: اتق الله يا محمد، فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟!»؛ فسأله رجل قتله، -أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه؛ فلما ولى قال: «إن من ضئضئ هذا، أو: في عقب هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد».

ولقد كان من ضلال الخوارج وتطرفهم أنهم أنكروا سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - وعولوا على القرآن الكريم فقط؛ ومن هنا أنكروا كثيرا من الأحكام التي لم تثبت إلا عن طريق السنة، كرجم الزاني المحصن، والمسح على الخفين وغيرهما.

ولقد كان من ضلالهم أيضا القول بخلق القرآن؛ وإنكار رؤية الله -تعالى- في الآخرة.

ب- المعتزلة:

     فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة؛ مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وسموا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري، وكوَّن حقلة خاصة به؛ لقوله بالمنزلة بين المنزلتين؛ فقال الحسن: اعتزلنا واصل، وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة، والقدرية، والعدلية، وأهل العدل، والتوحيد، والمقتصدة، والوعيدية، وحاصل قولهم هو: أن الله -تعالى- قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلا؛ فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة، والرب -تعالى- منزه أن يضاف إليه شر وظلم، وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالما، كما لو خلق العدل كان عادلا، واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة، استحق الثواب والعوض، والتفضل معنى آخر وراء الثواب، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها، استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط: وعدا ووعيدا.

ج- المرجئة:

     وهي: طائفة من أهل العلم أخطأت في باب الإيمان؛ حيث أخرجوا العمل منه، وكان وقت ظهور هذا الإرجاء أواخر عصر الصحابة، وموطنه الذي ظهر فيه هو الكوفة، وقد أحدثه قوم كان قصدهم جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفارا، قابلوا الخوارج والمعتزلة فصاروا طرفا آخر.

وغلاة المرجئة طائفتان: طائفة تقول: إن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن عند الله -عز وجل- ولي له -عز وجل- من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني واصحابه.

     والثانية: الطائفة القائلة: إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله -عز وجل- ولي لله -عز وجل- من أهل الجنة، وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي، ومن على شاكلته.

المطلب الثاني

     تطور الغلو والتطرف في الإسلام ومظاهره حديثا: لم يزل خطر الفرق التي غلت قديما من أمثال الخوارج، والمعتزلة وغيرهما مستمرا، حتى ظهر الغلو والتطرف في حياة كثير من الناس في العصر الحاضر، ومن مظاهر ذلك في العصر الحديث جماعة التكفير والهجرة، وجماعة التوقف والتبيين، تلك الجماعات التي نادت بأصول أسلافهم؛ فكفرت مرتكب الكبيرة، وغير ذلك من ضلالات الأوائل، ويرجع ظهور هذا النهج في العصر الحديث إلى عوامل رئيسة عدة.

ومن أهم عوامل ظهور الغلو والتطرف في العصر الحديث:

1- الإعراض عن دين الله -تعالى:

     يلاحظ إعراض كثير من المسلمين عن دين الله -تعالى- عقيدة وشريعة وأخلاقا، ولقد حذرنا الله -تعالى- عن الإعراض عن دينه؛ فقال -سبحانه-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.

قال ابن كثير -رحمه الله- أي لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

ويتجلى هذا الإعراض في حياة كثيره من المسلمين اليوم في مظاهر كثيرة منها:

أ- كثرة البدع والعقائد الفاسدة، وما نتج عن ذلك من الافتراق والفرق والأهواء، والتنازع والخصومات في الدين.

ب- الإعراض عن نهج السلف الصالح وجهله، أو التنكر له.

ج- علمنة أكثر بلاد المسلمين.

د- شيوع الفساد، وظهور الفواحش والمنكرات، وحمايتها.

هـ- التعلق بالشعارات والمبادئ الهدامة والأفكار المستوردة.

و- وقوع أكثر المسلمين في التقصير في حق الله -تعالى-، وارتكابهم للذنوب والمعاصي، والمنكرات، وضعف مظاهر التقوى والورع والخشوع في حياة المسلمين اليوم.

ز- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التقصير فيه في أكثر بلاد المسلمين.

٢- شيوع الظلم بشتى أنواعه:

ومن ذلك ظلم الأفراد، وظلم الشعوب، وظلم الولاة وجورهم، وظلم الناس بعضهم لبعض؛ مما ينافي أعظم مقاصد الشريعة، وما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم .

٣- تحكم الكافرين في مصالح المسلمين، وتدخلهم في شؤون البلاد الإسلامية، ومصائر شعوبها عبر الاحتلال، تحت ستار المصالح المشتركة، أو المنظمات الدولية، ونحو ذلك؛ مما تداعت به الأمم على المسلمين من كل حدب وصوب، بين طامع وكائد وحاسد.

 ٤- محاربة التمسك بالدين والعمل بالسنن: التضييق على الصالحين والمتمسكين بالسنة، والعلماء، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وبالمقابل التمكين لأهل الفسق والفجور والإلحاد؛ مما يعد أعظم استفزاز لذوي الغيرة والاستقامة.

5- الجهل بالعلم الشرعي وقلة الفقه في الدين: المتأمل لواقع أكثر أصحاب التوجهات التي يميل أصحابها إلى الغلو والعنف، يجد أنهم يتميزون بالجهل، وضعف الفقه في الدين، وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية؛ فحين يتصدون للأمور الكبار والمصالح العظمى يكثر منهم التخبط، والخلط، والأحكام المتسرعة، والمواقف المتشنجة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك