رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 25 يناير، 2011 0 تعليق

الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية تشعل مواجهات دامية- فتنة الغلاء والبطالة تضرب عدداً من الدول الإسلامية

 

 خلال الأيام القليلة الماضية ضربت بعض بقاع  العالم الإسلامي موجة من الاحتجاجات الشعبية الرافضة للسياسات الاقتصادية التي أفضت إلى حدوث ارتفاعات كبيرة في أسعار سلع مهمة وأساسية مثل المحروقات والأرز والسكر والزيت، وفي مقدمة هذه المناطق باكستان، وبعض بلدان المغرب العربي، حيث خرجت قطاعات جماهيرية واسعة تتحدث عن معاناتها الشديدة في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل معاناة عدد كبير من مواطني هذه البلاد من أزمة بطالة تجاوزت في بعض البلدان حاجز الـ%20، وتطول في أغلبها الشباب المتخرجين في مؤسسات التعليم العالي الذين أنفقت أغلب البلدان عليهم مليارات الدولارات كي ينضموا في النهاية لطابور البطالة، فيما هددت أزمة ارتفاع أسعار المحروقات استمرار الحكومة الباكستانية في السلطة.

     وقد تحولت بعض هذه الاحتجاجات إلى أعمال عنف من المحتجين ومن قوات الأمن ما سبب مشكلات وفتنا تحتاج إلى عناية الله ورحمته لتجاوز الأمة لها .

      ورغم إقرار عدد من القادة والمسؤولين في بعض الدول التي شهدت هذه الاحتجاجات بمشروعية مطالب المحتجين، وقيام بعض الدول بإلغاء زيادات في أسعار المحروقات والمواد الغذائية، بل إلغاء الجمارك والضرائب على هذه المواد إلا أن هذه الأزمة عكست نوعًا من غياب الثقة بين الحكام والمحكومين بما  أجبر بعض رؤساء هذه الدول إلى إقالة عدد من المسؤولين والوزراء، بل التعهد أمام شعوبهم بخطط تنموية تتكفل بتوفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل في أحد البلدان العربية خلال خمس سنوات، ومع هذا فإن الكثير من المراقبين نظروا إلى مثل هذه التعهدات باعتبارها مسكنات لا تقدم حلولاً جذرية لأزمة البطالة والغلاء في عديد من البلدان العربية.

     والأمر الأكثر إثارة للجدل هو الوتيرة المتصاعدة للاحتجاجات في بلدان عرفت شعوبها بالهدوء والسكينة في التعامل مع مشكلاتها اليومية، وباستخدام أساليب أكثر هدوءًا في مخاطبة أولي الأمر مثل الصحف والرسائل والوقفات الاحتجاجية السلمية، كما أن البيانات الدولية والتدخلات الخارجية أضفت المزيد من الإثارة على هذه الأحداث والمخاوف من مآلاتها.

دور العلماء وممثلي الشعب

     وقد حذر الشيخ محمود عاشور - الوكيل السابق للأزهر الشريف - من انجرار الشارع العربي والإسلامي إلى العنف من قبل المحتجين أو من قبل رجال الأمن؛ لأن هذه فتنة كبيرة لا يعلم إلا الله عواقبها، وأكد على أن على العلماء وممثلي الشعب في المجالس النيابية أن يقوموا بدورهم في نقل مشاكل المواطنين إلى أولي الأمر ويلفتوا أنظارهم لمثل هذه المشكلات.

     بل عليهم أن يقترحوا الحلول المناسبة بدلاً من تركهم نهبًا للفقر والبطالة، مطالبًا بمعاقبة المسؤولين عن أي تجاوزات أفضت إلى تصاعد هذه المشكلات، لافتًا إلى أهمية قيام الحكومات بتوفير فرص العمل وسبل العيش الكريمة لشعوبها، وتبني سياسات تعزز الثقة بين الحاكم والمحكوم، لأن تجاهل أنات الفقراء والمعوزين أمر شديد الخطورة قد يستغله البعض لإشعال فتنة تأكل الأخضر واليابس إذا لم يحترم الحاكم والمحكوم واجباتهما وحقوقهما انطلاقًا من أسس العدالة التي حرص عليها الإسلام .

أوضاع معقدة

      وحذر من عواقب الفتنة وخطورتها علينا الالتفات كذلك إلى أن  الاحتجاجات الأخيرة في عدد من الدول الإسلامية قد ألقت الضوء على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها عدد لا بأس به من الدول الإسلامية، فكلنا يعلم مثلاً أن الدول العربية تعتمد على الخارج في  فاتورة غذائها التي تجاوزت 30 مليار دولار في المنطقة العربية وحدها، تذهب أغلبها للوفاء باحتياجاتها من السلع الأساسية مثل القمح والذرة والسكر والأرز بحسب تقارير صادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وهي أوضاع يجب أن تتغير خصوصًا أن الدول العربية تجد نفسها في النهاية مضطرة لرفع أسعار هذه السلع الأساسية في حالة تحقيقها ارتفاعات  في السوق العالمي، وما يهدد بخلق اضطرابات اجتماعية خصوصًا أن الارتفاعات في الأسعار لا توازيها قفزات في الرواتب تخفف من الأضرار.

     ويفرض هذا التحدي على بلداننا ضرورة تحقيق طفرة نوعية في إنتاج هذه السلع الأساسية والبحث عن حلول غير تقليدية لأزمة السلع الغذائية عبر مشروعات قومية تكفل لها تحقيق جانب كبير من الاكتفاء الذاتي من هذه السلع دون التركيز على الاستيراد بوصفه سبيلاً لحل مشكلاتها في هذا المجال وعبر الرهان على إمكانياتها الغذائية فبلدان مثل مصر والسودان لديها من الإمكانيات ما يجعلها تتحول لسلة غذاء للعالم في حالة وجود مشاريع تكاملية بين الدولتين إلا أن الواقع يكشف اعتماد البلدين بشكل كبير على الخارج للوفاء باحتياجاتهما لدرجة أن مصر تحولت مثلاً لأكبر مستورد في العالم للقمح، بل تتصدر قائمة الدول الأكثر استيرادًا للأرز والسكر وهو أمر يعاني منح العديد من الدول العربية.

غياب مشروع قومي

      ولا شك أن غياب المشاريع التنموية القومية في عدد من الدول العربية واعتماد عدد منها للقطاع الخاص بوصفه قاطرة للتنمية قد فاقم من مشكلة البطالة التي تجاوزت 25% من الطاقة العاملة في أغلب البلدان العربية بحسب أحدث التقارير الصادرة بالتوازي عن منظمة العمل العربية والمنظمة العربية للتنمية الصناعية، وهي مرشحة للتزايد في ظل البطء والركود الاقتصاديين واستمرار الأزمة المالية العالمية.

     فالمشاريع القومية الكبرى خصوصًا في عدة مجالات ومنها القطاع الزراعي ومؤسسات التعليم ومحاربة الأمية المنتشرة بنسب عالية في عدد من المجتمعات العربية قادرة على استيعاب ملايين من الطاقات العاطلة وتسخير هذه الطاقات في مواجهة أكبر مشكلتين يعانيهما العالم العربي بحيث يتم توجيه هذه الطاقات فيما يفيد الأمة وعدم تركها نهبًا للبطالة وتداعياتها من مشكلات نفسية واجتماعية تجعلها رهنًا لقوى تخريبية تضمر العداء والضغينة لأمتنا ومجتمعاتنا.

     المشاريع القومية العملاقة ليست وحدها السبيل لحل مشكلة البطالة، فمحاربة الفساد داخل الدوائر والدواوين الحكومية والتصدي للمتلاعبين بالمال العام وأقوات الشعوب يبدو وسيلة ناجحة لمواجهة قضايا الغلاء والبطالة، فتوجيه قدر من الثروات المنهوبة والقضاء على السماسرة وعرابي العمولات سيوفر أموالاً طائلة قد تضخ في مشروعات قادرة بقوة للتصدي لغول البطالة والعمل على استعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم وإغلاق النوافذ مع أبواب الفتنة والمخربين وسد الأبواب للعمل على التغرير بالشباب مستغلة معاناتهم من الفقر والبطالة.

تراجع واضح في مواجهة الفساد

      ولكن المتابع للواقع في معظم البلدان الإسلامية فيما يتعلق بمكافحة الفساد يلمس تراجعًا كبيرًا في أدوات التصدي لمثل هذه المشكلة المزمنة، بل يرى على العكس تمامًا من ذلك استفحالا لخطر الفساد وتفشيًا له في الدوائر الحكومية في أغلب البلدان العربية رغم تعدد الأجهزة الرقابية المنوط بها التصدي له، بل إن دولة عربية مشرقية كبرى يوجد بها 17جهازًا رقابيًا غير أن معدلات الفساد في تزايد بها، والتحالف بين السلطة ورجال الأعمال يزداد ارتباطًا على حساب الأغلبية الفقيرة والمطحونة من الشعب، وهو أمر قد يستغله بعض المغرضين لإشعال الفتن في بعض المجتمعات الإسلامية مستغلين الأوضاع الاقتصادية الصعبة وصدور تقارير من جهات دولية من المنظمة الدولية لمكافحة الفساد والشفافية الدولية ومقرها مدينة فرانكفورت الألمانية تؤيد هذه المعلومات  لتحريك جموع الجماهير دون أن يواجه هؤلاء المخربون المفسدون بموقف حازم من أجهزة الدولة لردعهم ويقضي على الفتنة في مهدها.

      اللافت أن محاولات التصدي للأزمة من جانب عدد من الدول العربية الإسلامية لم تشهد مساعي جادة لها، سواء لكبح جماح الأسعار التي تصاعدت في بعض الدول بنسبة تتراوح بين 15 و25% بالنسبة لأسعار المحروقات والمواد الغذائية، أم إيجاد حلول جذرية لمشكلة البطالة التي تجاوزت الـ25% من القوى العاملة، فهناك من تحدث عن إلغاء الزيادات في أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وهناك من تحدث عن صرف معونات بطالة للشباب العاطلين مرفقة بوعود عن خطط تنموية طويلة الأجل لتوفير فرص عمل للشباب.

 قدرات محدودة

     ولكن المتابع لقدرة البلدان التي ضربتها الأزمة في الفترة الأخيرة يلحظ أن قدرتها على الوفاء بما قدمت من وعود يبدو شديد الصعوبة مع استمرار التراجع في صادرات بلدان المغرب العربي إلى القارة الأوروبية بنسبة تتجاوز الـ10%، وتراجع نسبة النمو؛ حيث لم تتجاوز أغلب بلدان المنطقة 3.1% خلال العامين الماضيين بفعل الأزمة المالية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، بل إن هذه الدول ارتكبت خطأ كبيرًا حينما دخلت في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باتفاقية الشراكة بحسب تأكيدات د.جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة؛ حيث لم تنجح في الربط أثناء توقيع هذه الاتفاقية بين حرية تجارة السلع والخدمات بين ضفتي المتوسط، وبين انتقال الأيدي العاملة والأفراد على حد سواء، وهذا ما حصر فوائد هذه الاتفاقية لصالح الطرف الأوروبي، بل إن هذه الدول وقعت اتفاقيات تكون بموجبها ملزمة بالتصدي للهجرة غير المشروعة لبلدان الاتحاد الأوروبي، وهو ما عُدّ نهجًا غير جدي بالمرة ولاسيما أنه لم يرتبط بتسهيلات لهجرة مشروعة للأيدي العاملة.

       ويري د.عبدالخالق أن العديد من دول المغرب العربي قد استعانت بعمالة آسيوية في العديد من القطاعات الاقتصادية, وهو ما عزز من أرقام البطالة لديها وحد من قدرتها على توفير فرص عمل لمواطنيها، ناهيك عن أن دولة مثل الجزائر لم تستطع الاستفادة من الوفرة النفطية التي تحققت منذ عامين ووصلت بسعر برميل النفط إلى أكثر من 170 دولارا لإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتدشين مشروعات كبرى قادرة على استيعاب أكبر عدد من القوى العاملة، لافتًا إلى أن هذه الأحداث قد تفرض على هذه الدول إيجاد حلول واقعية لهذه الأزمة عبر ضخ استثمارات في مشاريع تنموية، وقصر الأيدي العاملة على مواطنيها والتصدي للفساد بشكل حازم يكون له مردود إيجابي على الأوضاع الاقتصادية.

       ويعتبر أستاذ الاقتصاد أن زيادة الإنتاج في كافة القطاعات الاقتصادية زراعية أو صناعية أو تجارية هو الوسيلة الأكثر نجاحاً في التصدي للمشاكل المزمنة التي تعاني منها اقتصاداتنا، فليس من المعقول أن يعتمد العالم العربي على الغرب في الوفاء بـ80% من احتياجاته الغذائية، ويحول نفسه إلى أسير للأسعار العالمية، ويراهن على وجود استقرار سياسي واجتماعي، لافتًا إلى أن تراجع البذخ الحكومي سيوفر مليارات الدولارات القادرة على توفير ملايين من فرص العمل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك