الغفور الودود
أورد ابن القيم في (عدّة الصابرين): «قال ابن أبي الدنيا: كنت أسمع جارا لي يقول: يا إلهي خيرك إليَّ نازل، وشري إليك صاعد، كم من ملك كريم قد صعد إليك مني بعمل قبيح، وأنت مع غناك عني تتحبب إليَّ بالنعم، وأنا مع فقري إليك وفاقتي أتمقت إليك بالمعاصي، وأنت في ذلك تسترني وترزقني».
- كلام جميل من شيخ جليل، نعم والله، يتودد إلينا ربنا ونتبغض إليه، ومهماكان منا فإننا لن نؤدي حق ربنا علينا.
كنا أربعة نفر، نتنقل بين الكتب في المكتبة الإلكترونية المتوفرة في أجهزة الحاسوب التي وضعها كل منها على حجره.
- بل من أسماء الله الحسنى ما يقتضي هذا المعنى، مثل: (الغفور الشكور)، ومثل (الغفور الودود).
قاطعني.
- هل من أسماء الله الحسنى (الودود).
- نعم، فقد ورد في كتابه الله عز وجل: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود:90)، وأيضا في سورة البروج: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (البروج:14-15).
- هل معنى (الودود) كما أفهمه؟
- وماذا تفهم لمعنى (الودود)؟
- (الودّ)، والودود، الحب و(الودّ) المحب و(الودود).. كثير الحب و(الودود) من صيغ المبالغة ويأتي (الود) بمعنى (الأمنية) مثل قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ} (البقرة:96)، وفي معنى المحبة والمرافقة التي هي من لوازم المحبة، كقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (المجادلة:22).
وفي بيان قول الله تعالى في سورة البروج: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (البروج:13-14)، فكأن الله عز وجل جعل (الغفور الودود) أقرب إلى قوله (يعيد) أي إلى الآخرة؛ حيث يكون العبد أحوج إلى (المغفرة والمودة)، فهو سبحانه -وتعالى- يذكر عباده المؤمنين بهذا الأمر ليزدادوا له (ودا) ويعملوا ليكونوا فيمن سيجعل لهم (الرحمن ودا) يوم القيامة.
- إذآً (الودود)، الذي (يودّ) عباده المؤمنين، و(يودّه) عباده المؤمنون.
- نعم، واقتران (الغفور) بـ(الودود)، يبين أن الله يغفر الذنب فلا يعذب عليه، بل ويزيد المذنب الذي استغفر من الذنب وتاب، بأنه (يوده)، ولا يحرمه (المودّة) منه عز وجل نتيجة ذنوبه السابقة.
- سبحانك ربي ما عبدناك ولا أحببناك ولا عظمناك كما تستحق يا رب.
هكذا كانت ردة فعل (بويوسف)، وهو أرقنا قلبا.
- وماذا عن كتب التفسير؟!
في التفسير: «إن المؤمنين آمنوا رغبة ورهبة.. رغبة في الغفور الودود، ورهبة من (بطش ربك الشديد)، وهذا كمال الإيمان.
و(الودود): الذي يحبه عباده محبة لا تشبهها محبة شيء ولهذا كانت محبته أصل العبودية وكل محبة أخرى إنما هي تبع لهذه المحبة، وإذا لم تكن كذلك كانت عذابا على أهلها، فـ(المودة) هي المحبة الصافية.
وفي المعنى أيضا.. أن (المغفرة والمودة)، صفة لله تعالى إذا كان ولم يزل لذنوب العباد غفورا وللمستغفرين ودودا من قبل نزول هذه الآية وفي حال نزولها ومن بعد ذلك.
لاتوجد تعليقات