رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 17 مايو، 2016 0 تعليق

الغــرباء

امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الغرباء بقوله: «فطوبى للغرباء»؛ لما قاموا به من عمل عظيم، ففي الحديث: «الذين يصلحون إذا فسد الناس»، فقال ابن رجب: هؤلاء الغرباء قسمان:

- أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس.

- والثاني: من يصلح ما أفسده الناس وهو أعلى القسمين وأفضلهما.

فالغرباء هم أهل الغيرة والدعوة والصلاح، غير يائسين، وغير مستسلمين لواقعهم الفاسد، ويصبرون في دعوتهم لعلمهم أن النصر يأتي مع الصبر مثل الذي يقبض على الجمر.

قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} (هود:116).

     والفتنة التي تمر على الأمة كبيرة وفادحة؛ فالأمة في قتل وتشريد وتعذيب وإبعاد للشباب عن الدين، وتضييعه في الملهيات والمنهيات وإشغال الفتيات في الموضة، والعداء للدين، وفتح الإعلام للمبطلين لتهتف لهم الدنيا وتصفق لهم الجماهير، لتصافح الأمجاد غير القدوات، ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا.

     يوصي ابن القيم - رحمه الله - إخوانه قائلا: «إذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقها في سنة رسوله، وفهما في كتابه، وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم، الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط، فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه وازدرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلونه مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم.

ولله در الشاعر حين قال:

فيا محنة الإسلام من كل جاهل

                                        ويا قلة  الأنصار من كل عالم

وهذا أوان الصبر إن كنت حازما

                                        على الدين فاصبر صبر أهل العزائم

فمن يتمسك بالحنيفية التي

                                         أتتنا عن المعصوم صفوة آدم

له أجر خمسين امرأ من ذوي الهدى

                                        من الصحب أصحاب النبي الأكارم

ومن أسباب الغربة الجهل بالدين وبالسنن الصحيحة، قال الشاطبي -رحمه الله-: «سبب الخروج عن السنة الجهل بها، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف، فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة أنه غير صاحبها، ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله».

ومن الأسباب ما ذكره ابن القيم من خفاء العلم، وقلة العلماء وغلبة السفهاء، ولكن  مع هذا ما تزال طائفة بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن يرث الله -سبحانه- الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

     ومن أسباب الغربة: التعصب الجاهلي للأحزاب والعشيرة وغيرهما الذي أعمى القلوب والأبصار، وضل به أقوام كُثُر، ومن النماذج ما جاء في قول أبي حسن الكرخي: «كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهذا مؤول أو منسوخ».

      ومن أسباب الغربة التي نعيشها انشغال الشباب بغير العظائم من تشجيع النوادي الرياضية، أو التقليد للغرب، أو الإدمان على المخدرات والمسكرات والمفترات، وابتعادهم عن المساجد وحلقات العلم، وقد غزا الإعلام الغربي -عبر وسائل التواصل- ديار الإسلام، وهيمن عليها؛ فهذا هو التخلف والرجعية والتقهقر.

ومن أسباب الغربة تزيين الباطل للمرأة المسلمة، حتى نراها تدع حجابها، وتخلع حشمتها، وتستحي من التزامها، فضلا عن تزيين الباطل والمحرمات وتسويغ ذلك بحجج أوهن من بيت العنكبوت.

ويحسبون الأمر هينا وهو عند الله عظيم، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).

ومن أسباب الغربة تشويه دور المؤسسات الخيرية ودور العلماء ودور المصلحين، والتلبيس على الناس مع العجب والشهرة وسوء الأخلاق في التعامل مع أهل الحل والعقد.

ومن أسباب الغربة تقنين الباطل، وتزيين البدع والدفاع عنها، ومحاربة كل ما هو مصلح، قال حسان بن عطية المحاربي: «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة».

وقال ابن سيرين: «ما أحدث رجل بدعة فراجع سنة...»

نسأل الله السلامة والصلاح والثبات على الحق والاستقامة على الدين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك