رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 15 ديسمبر، 2017 0 تعليق

الغزو الثقافي حرب باردة كيف نواجهها؟

بعد أن انتهت الحرب الباردة بانتصار الفكر الديمقراطي الليبرالي على الفكر الشيوعي رأى المفكرون الغربيون أن الصراع مع الثقافة الإسلامية فيما بعد ذلك ينبغي أن يكون على الطريقة ذاتها، من خلال استلهام الدروس من الحرب الباردة مع الشيوعيين؛ فهذا تقرير لمؤسسة راند الأمريكية –وهي مؤسسة فكرية علمية- صدر عنها عام 2007م يعقد فصلاً كاملاً عن الدروس المستفادة من الحرب الباردة وكيفية الاستفادة منها في التعامل مع الثقافة الإسلامية في الوقت الحاضر؛ إذ يرى معدو التقرير أن جهود الدعاية والمزج الثقافي وبريطانيا أثناء الحرب الباردة ما تزال دروساً قيمة بالنسبة للحرب الدولية على الإرهاب.

القوة الناعمة

     والحرب الباردة ترتبط بمعنى فكرة القوة الناعمة التي أوصى بها الكاتب الأمريكي  (جوزيف ناي) مع بداية تسعينات القرن الماضي، ويعرفها بأنها: قدرة أمة معينة على التأثير في أمة أخرى وتوجيه خياراتها العامة، وذلك استناداً إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قيمها ومؤسساتها بدل الاعتماد على التهديد؛ فالوسائل المستخدمة حسب تعبير هذا المفكر وسائل ثقافية لا عسكرية.

تغيير مضامين الثقافة

      وبهذا فإن الحرب الباردة تستهدف لتغيير في مضامين الثقافة ومحتوياتها الأصلية بتحريفها عن مواضعها، والترويج لفهم الإسلام على أنه مجرد صلة روحية أو أنه دينٍ لا يتعدى البعد الفردي للإنسان وحياته الشخصية والمتمثلة في علاقة الإنسان بربه -سبحانه وتعالى- ومعنى هذا ومؤداه: تفريغ الشخصية الإسلامية من محتواها الثقافي.

أخطر من الحروب العسكرية

      وبعد هذه المقدمة التي أوضحت لنا المعنى المقصود من مصطلح الحرب الباردة، ينبغي التأكيد على أن هذا النوع من الصراعات هو الكائن حالياً بين الحضارات غير الإسلامية من جانب والحضارة الإسلامية وثقافتها من جانب آخر، وتكمن أهمية هذا النوع من الصراعات وأنه أهم وأخطر من الحروب العسكرية في أن الغزو العسكري يحتاج إلى خبرة عسكرية وآلات وتخطيط واقتصاد، لكن الغزو الفكري أعمق من ذلك وأخطر؛ فهو لا يتحدى أرضاً بل عقلاً، ولا يواجه جيشاً بل شعباً، ولا يحتل مساحة بل ثقافة، ولا يغزو موقعاً بل شخصية، ولا يسمم بئراً, بل بلدا ولا يدمر معدات بل ثقافة؛ ولهذا كان أعمق وأعقد وبحاجة إلى جهد خارق، وصبر طويل، وتسلل ذكي.

النيل من الإسلام وثقافته

     هذا النوع من الحروب يستهدف الثقافات؛ ولأن الثقافة الإسلامية ثقافة تشتمل على تنظيم الحياة الإنسانية – الأمر الذي يتناقض مع الأفكار غير الإسلامية- فإن كثيراً من الحضارات الثقافات تسعى إلى النيل من الإسلام وثقافته وتراثه من خلال محاولة إعادة تفسيره أو تغيير مضامينه حتى لا يكون حجر عثرة في طريقة الهيمنة الفكرية التي تنشدها هذه الثقافات.

القراءة الحداثية للنصوص

      ولذا كثرت الدعوات إلى ما يسمى بالتفسير الحداثي للقرآن الكريم، تلك المدرسة التي تَبَنّى أصحابها فلسفاتٍ ومذاهبَ غربية حديثة، وحاولوا تطبيقها في تفسير القرآن الكريم، متجاوزين الأدوات العلمية التفسيرية المسطرة عند أهل الاختصاص في هذا العلم.

      وقد يعبر عن القراءة الحداثية للآيات القرآنية (بالقراءة الحديثة أو القراءة المعاصرة أو القراءة الجديدة)، لكن الأقرب إلى مفهوم هذه القراءة بالنظر إلى مضامينها هو نسبتها إلى فلسفة الحداثة؛ لأن عبارة: القراءة الحديثة أو المعاصرة أو الجديدة تفيد التحديد الزمني دون الإشارة إلى أية مرجعيات فلسفية.

خصائص الحداثة

وبتدبر خصائص الحداثة تتضح لنا ماهية القراءة الحداثية، ومن هذه الخصائص:

أنها تعني سيادة العقل.

أنها تتعارض مع كل تقليدي؛ فهي تنفي كل الثقافات السابقة عليها.

      أنها تعني التغيير المستمر، وإن كان هذا التغيير يؤدي في كثير من الأحوال إلى أزمات داخل المجتمعات التي تجد نفسها مضطرة إلى مراجعة القديم على أساس من العقلانيّة.

مظاهر القراءة الحداثية

وأما أهم مظاهر هذه القراءة الحداثية المنحرفة فهي:

أ- تقديس العقل في العملية التأويلية

ب-  التنكر للتراث والماضي

جـ- الغموض والتضارب المنهجي

د- الانبهار بالتجارب المادية والثقافة الغربية

هـ- التسوية بين النصوص الدينية وسائر الخطابات الأخرى

و - اعتماد المنهج الغربي في التعامل مع الإسلام

ز- التشكيك في القرآن الكريم

حـ - تستهدف هذه الكتابات الحداثية باختصار إلغاء مصادر الدين وما صدر عنها من عقيدة وشريعة.

وسائل الدفع والمقاومة

     ولما كانت وسائل الحرب الباردة الفكرية الثقافية هادفة إلى إذابة الهوية الإسلامية وتحريف الثقافة، وجب التنبيه على بعض الوسائل المنشودة في رد هذا النوع من الصراعات ودفعه ومن ذلك:

      وجود متخصصين ينبغي أن يكون هناك متخصصون ودعاة مخلصون مهتمون بعلم الاستغراب فكما أن هناك مستشرقين لهم جهودهم، فإننا في حاجة لقراءة هذه الأفكار الاستشراقية وتفنيدها بجهد لا يقل عن جهدهم، وصحيح أن هناك أعمالاً لمفكرين ومتخصصين مسلمين إلا أننا نحتاج إلى عملية تنظيمية نستطيع من خلالها مجابهة الشبكات الغربية المنظمة.

وضع برامج مكافئة

     يجب على المؤسسات المعنية مثل وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تضع برامج مكافئة لبرامج الحرب الباردة عن طريق الاستعانة بأهل الفكر والتخصص وهم كثر في أمتنا، من أجل التصدي للهجمات الشرسة على الاعتقاد والأخلاق والعلم والآداب والعلماء.

إعداد برامج توعوية

      ينبغي توعية المسلمين بوسائل الحرب الفكرية ولاسيما الشباب مع إعداد برامج توعوية يمكن من خلالها تفادي التصدي للعولمة في صورتها المصدَّرة، مع العلم بأنه لا يمكن واقعياً تفادي هجرة الأفكار وتناقلها بين صفوف المجتمع الإسلامي، وفي الواقع كما تعد هذه القضية تحدياً لنا إلا أنها تتيح في الوقت نفسه استكشاف الأمور ومواجهتها.

الارتباط بالمصادر الإسلامية

     الاهتمام ببرامج تُقَوي ارتباط الأجيال بالمصادر الإسلامية من أجل وقاية الشباب المسلم من الانسياق خلف الشبهات الغربية والليبرالية، وقد وقع في ذلك كثير ممن سافروا للدراسة في الدول الغربية وتأثروا بشبهاتهم، فتمردوا على القرآن والسنة ومصادر الشريعة من كتب التراث وغيرها.

تقوية وسائل الإعلام

      إذا كانت وسائل الإعلام جزءا من العولمة، والعولمة نظام يسعى لتحقيق الهيمنة الثقافية على المجتمعات المسلمة وغيرها؛ فإن من الواجب على الدول الإسلامية العمل على تقوية وسائلها الإعلامية، في سبيل المحافظة على الشعوب المسلمة من الانجذاب الحتمي نحو وسائل الإعلام المتطورة ومن ثم يسهل السيطرة على الرأي العام المسلم من خلالها، ولاسيما إذا كانت هذه الوسائل تقتطع برامج ثقافية لنشر مجموعة من القيم عبر شاشتها.

دور المؤسسات الدينية

      لقد تضمنت الحرب الباردة قديماً بناء التكتلات الشبابية المناهضة للفكر الشيوعي الداخل، وهذا يبصرنا بأهمية دور المؤسسات الدينية ذات الثقل في المجتمع المسلم في المحافظة على شريحة الشباب من خلال بناء إقامة المنح المجانية في الفكر والثقافة، وتحفيزهم على ذلك فالوقاية ولا شك خير من العلاج.

الاهتمام بالمنظومة القيمية

      الاهتمام بالمنظومة القيمية في المجتمع، من خلال البرامج التليفزيونية والإعلانات المكثفة والأعمال الفنية التي لها بالغ التأثير في المجتمعات. ذلك أن هذه الوسائل المذكورة (البرامج والإعلانات والأعمال الفنية) من الوسائل المستخدمة في نشر الثقافات الغربية ونقلها إلى المجتمع المسلم وقد كان ومايزال لها بالغ الأثر في ذلك.

التمسك بالقيم الإسلامية

      الاعتزاز والتمسك بقيمنا وثقافتنا الإسلامية، وغرسها في النفوس والتأكيد على أنها خير سبيل لتعايش المجتمعات حضارياً وأمنياً، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}(الحجرات: ١٣).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك