رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رامي عيد بحبح 9 فبراير، 2018 0 تعليق

العوائق التي تمنع الأقليات المسلمة من تطوير قدراتها

 

قال تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} والاهتمام بأمر المسلمين من دلائل الإيمان، وصدق الانتماء للإسلام وتعد العوائق التي تعترض طريق الأقليات المسلمة نحو تطوير قدراتها من القضايا الجوهرية التي يجب أن تحظى باهتمام بالغ وكبير؛ لذلك يجب الوقوف عليها وتعيينها وسبر الأغوار من أجل كشف أسبابها ومعرفتها وبذل الجهود لتطويقها وإيجاد ما أمكن من الحلول لها, هذه العوائق بعضها مشترك بين جميع الأقليات المسلمة بغض النظر عن أماكن وجودها, كما أن لكل أقلية ظروفها ومشكلاتها بحسب القارة التي تعيش فيها, والدولة التي تنتمي إليها, وتنقسم العوائق إلى عوائق ذاتية, وعوائق محلية, وعوائق خارجية, وتتمثل العوائق الذاتية في العديد من النقاط التي منها ما يلي:

قلة الوعي بتعاليم الإسلام

     يعاني الكثير من أبناء الأقليات المسلمة من الجهل وعدم المعرفة الصحيحة بالإسلام؛ فهم لا يعرفون إلا أموراَ قليلة عن الإسلام وتعاليمه, ويرجع ذلك إلى عدم اهتمام الآباء بتربية أبنائهم تربية إسلامية صحيحة نظراَ لضعف صلتهم بدينهم, وسوء حالتهم الاقتصادية التي تؤثر سلباَ على تعليم الأبناء عموماَ, ولاسيما التعليم الإسلامي, هذا فضلاً عن قلة عدد الدعاة؛ فقد يكون هناك داعية واحد لأكثر من مليون مسلم, وهذه الأمور تؤدي إلى انحراف أبناء المسلمين وتُغريهم بالذوبان في حياة المجتمعات غير الإسلامية الأكثر إغراء.

التفرق والتمزق

     تعاني العديد من الأقليات المسلمة من الفُرقة بين مجموعات عرقية مختلفة, كما أن قيادتهم ليست على رأي واحد؛ فكل إمام مهتم بجماعته فقط, وهم بجانب شتاتهم العرقي يعانون من الانقسامات المذهبية والحزبية الضيقة, فلكل جماعة مسجدها وإمامها, فهم في شتات فكري وشتات عرقي.

     ويرجع هذا التفرق للعديد من الأسباب التي منها: غياب العمل المؤسسي في الكثير من الأعمال الإسلامية؛ حيث لا يتوافر الوعي الكافي لدى أبناء الأقليات بالعمل المنظم للحصول على حقوقهم التي يكفلها لهم دستور الدولة التي يعيشون فيها, وهذا يؤدي إلى قلة التمثيل السياسي وعدم وجود ممثلين في المجالس البلدية والبرلمان، وعدم الاكتراث بأصوات الأقلية بوصفهم ناخبين لتفرقهم, كما تعاني الأقليات المسلمة من كثرة الهيئات والجمعيات الإسلامية المنشأة على أسس عرقية ولغوية مع عدم توافر التنسيق بينهم؛ مما يؤدي إلى بعثرة الجهود وتعزيز مظاهر الفرقة بين أبناء الأقلية, هذا فضلاً عن الاختلاف والافتراق بسبب قضايا فقهية تسع الجميع, مثل هل تقرأ خطبة الجمعة باللغة العربية أم باللغة المحلية, وغير ذلك من الأمور التي تنم عن الجهل بالدين.

     كما قد تكون عوامل الفرقة خارجية وليست ذاتية, ومثال على ذلك الأقلية المسلمة في الفلبين كانت مجتمعة في جبهة واحدة, إلا أن الحكومة النصرانية عمدت إلى تفريق كلمة زعماء الجبهة بشتى السبل حتى ظهر الشقاق بينهم.

أزمة التمثيل والقيادة

      تعاني أغلب الأقليات المسلمة من عدم وجود قيادة موحدة وشرعية تمثلها فيما يتعلق بشؤونها, وإن وجود أزمة التمثيل والقيادة يضعف التأثير السياسي للأقليات, ويسهم بالتالي في جعل هذه الأقليات غير مؤثرة أو فعالة في القرار السياسي للبلد الموجودة فيه, كما أنها لا تستطيع نقل معاناتها أو التواصل مع المنظمات الإسلامية الفاعلة, هذا فضلاً عن وجود قصور لدى بعض المتصدرين للعمل الإسلامي, ومن مظاهر هذا القصور قلة الخبرة في العمل التنظيمي, وعدم توافر روح العمل الجماعي.

الفجوة التعليمية

      تعاني أغلب الأقليات المسلمة من فجوة تعليمية كبيرة؛ وذلك نتيجة لعزوف أغلب المسلمين -فيما مضى- عن التعليم المدني الحديث الذي احتكرته المؤسسات التنصيرية, واعتمادهم على نظام التعليم التقليدي؛ فعلى سبيل المثال الأقلية المسلمة في كينيا تمثل أغلبية السكان في ثلاثة أقاليم من أقاليم كينيا التسعة, ولكنهم من أفقر طبقات المجتمع الكيني وأقلهم تعليماً؛ وذلك لأنهم لم يلحقوا أبناءهم بمدارس الإرساليات النصرانية التي تمثل التعليم الرسمي في كينيا، وذلك خوفاً على دينهم وهويتهم, ولكن مع مرور الوقت برزت طبقة المتعلمين الكينيين النصارى التي تمثل الصفوة السياسية التي آلت إليها أمور الحكم والسياسة في البلاد عند الاستقلال, واستمرت هذه الفجوة التعليمية في الازدياد بين المسلمين وغير المسلمين؛ مما أدى إلى عزلة المسلمين السياسية وعدم فاعليتهم في المجال الاقتصادي, ويمكن بيان عوائق التعليم التقليدي الذي اعتمدت عليه الكثير من الأقليات المسلمة في النقاط التالية:

- عوائق التعليم الديني, التي منها: منع بعض الدول إنشاء المدارس أو المعاهد التي تدرس الدين الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال: الأقلية المسلمة في بلجيكا حتى عام 2002م كانت تعاني رفض السلطات البلجيكية لإقامة مدارس لتعليم الدين الإسلامي خارج نطاق المركز الإسلامي, مع أن المدرسة الموجودة في المركز مدرسة صغيرة لا تفي بحاجات المسلمين.

      كما أن بعض الدول تصادر المدارس الإسلامية, وتعمل على استبدال المواد الإسلامية بمواد تدرس دين الأغلبية كما فُعل في فطاني المسلمة بتايلاند؛ حيث استبدلت الحكومة مواد الدين الإسلامي بمواد الديانة البوذية؛ فالنظام التعليمي الحكومي ذو الأهداف الدينية في بعض الدول يعد خطراً  كبيراً على عقيدة أبناء الأقلية المسلمة؛ حيث إنهم مجبرون على الالتحاق بهذا النظام؛ لأنه طريق التعليم الرسمي في البلاد.

- عوائق المؤسسات التعليمية التي منها: الافتقار إلى المؤسسات التعليمية والثقافية الخاصة بالأقلية التي تتوافق مع تراثها الإسلامي, وإن وجدت هذه المؤسسات؛ فهي تعاني من العشوائية وسوء التوزيع على مناطق المسلمين, مع عدم توافر تمويل مادي يحافظ على مستوى راقٍ لهذه المؤسسات, كما تعاني هذه المؤسسات من عدم اعتراف الحكومات بالشهادات التي تمنحها.

- عوائق المنهج التعليمي تتمثل في غياب الكتب المدرسية الخاصة بأبناء الأقليات المسلمة, وضعف الوسائل التربوية التي غالباً ما تكون بدائية إذا ما قورنت بمثيلاتها في المدارس الأخرى, وغياب المناهج التربوية الخاصة بتعليم المواد الشرعية والتربية الدينية, والاعتماد على بعض المناهج التربوية المأخوذة عن بعض الدول العربية وتعميمها على مدارس الأقليات المسلمة, وهذه بطبيعتها لا تلاءم خصوصيات الأقليات.

      كما تعاني الكثير من الأقليات المسلمة من محدودية المناهج وجعلها وقفاً على العلوم الدينية فقط, وانغلاقها على تلك العلوم دون سواها من العلوم العصرية؛ مما يؤدي إلى محدودية خريجي هذه المدارس الإسلامية وقلة المتعلمين والمتخصصين في العلوم المختلفة كالطب والهندسة والاقتصاد والسياسة, الأمر الذي أثر سلباَ على مشاركة الأقليات المسلمة وقلة ظهورها في الحياة العامة, وتصنيفها على أنها من الطبقة الفقيرة الدنيا, مع قلة وجود مناهج للتعليم المهني في مراكز التعليم الإسلامية؛ مما يؤثر في المستقبل الوظيفي للخريجين في ضوء الاحتياج المطّرد لمثل هذا التأهيل المهني.

- عوائق المعلمين: قلة الكوادر العلمية المتخصصة في مجال التربية والعلوم الإسلامية واللغة العربية, مع ضعف تأهيل المعلمين الذين يدرسون أبناء المسلمين في المؤسسات التعليمية المختلفة, كما أن المبتعثين لإدارة المدارس - على قلتهم - من الدول الإسلامية غير مؤهلين وغير موجهين توجيهاً إسلاميا تربوياً يتناسب مع ظروف الأقلية؛ فلم يدرسوا المناطق التي سيذهبون إليها, ولم يعرفوا شيئاً عن أهلها وتقاليدهم وعاداتهم, وليس لديهم من الإمكانات المادية التي تمكنهم من أداء عملهم العلمي والدعوي على الوجه المطلوب.

ضعف اللغة العربية

     اللغة العربية هي عنوان شخصية المسلم؛ فبقدر ما تتعمق العربية في عقول المسلمين وألسنتهم بقدر ما يرتبطون بالإسلام؛ إذ إن العربية مدخل لفهم القرآن, كما أنها مدخل لإبراز المعالم الأساسية للشخصية الإسلامية, وتعاني أكثر الأقليات المسلمة من البعد عن هذه اللغة, الأمر الذي يؤدي إلى تباين نمط التفكير لدى هذه الأقليات خلال البحث عن المصادر الثقافية للفكر الإسلامي, وهذا الأمر يمثل خطراً كبيراً يهدد عقيدة أبناء الأقلية, كما أن هذا الخطر ماثل ومحدق بالأجيال التالية؛ فكلما جاء جيل كان أكثر من سابقهِ في البعد عن الثقافة الإسلامية والذوبان في الثقافة الأجنبية؛ مما يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية لدى هذه الأقليات.

     هذا فضلاً عن محاربة العديد من الحكومات للغة العربية, وذلك يظهر جلياً من خلال تقليلهم من شأن اللغة العربية ومن شأن معلميها, والعمل على نقل كثير من لغات الأقليات المسلمة التي كانت تكتب بالأحرف العربية عن ذلك الحرف إلى الحرف اللاتيني, مع تشجيع اللغات واللهجات المحلية لصرف المسلمين عن اللغة العربية وتدريسها وتعلمها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك