رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رامي عيد بحبح 20 فبراير، 2018 0 تعليق

العوائق التي تمنع الأقليات المسلمة من تطوير قدراتها (2)


قال -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}  (التوبة:71)، قال الشوكاني -رحمه الله- عند هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف؛ بسبب ما جمعهم من أمر الدين. وقال رسول الله [: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه». متفق عليه، وهذا دليل على وحدة المسلمين وترابطهم، وأنه لابد أن يهتم المسلم بشأن إخوانه فهم كالجسد الواحد ومن ذلك ما تتعرض له الأقليات المسلمة من معاناة وتضييق.

 

حيث تعيش تلك الأقليات صراعا كبيرا, يتمثل في العديد من التحديات والعوائق المتشابكة التي تهدد هويتهم وعقيدتهم, وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن (العوائق الذاتية) التي تتعلق بالأقلية نفسها, ونتكلم اليوم عن (العوائق المحلية) التي تتعلق بالنواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة بالأقلية, التي يمكن بيانها من خلال ما يلي:

العوائق الاقتصادية

      تعد المشكلات الاقتصادية هي المشكلات الأكثر بروزاً عند الأقليات المسلمة؛ حيث تعاني أغلب هذه الأقليات من الفقر الاقتصادي الذي يستتبعه التدني في الأوضاع الصحية الناتجة عن سوء التغذية؛ فأغلب أفراد الأقليات المسلمة لا يستطيعون أن يعيشوا حياة كريمة فضلاً عن أن ينشئوا مسجداَ أو مدرسة أو مؤسسة, ويعود هذا التدني الاقتصادي إلى العديد من الأسباب التي منها: مصادرة الاستعمار لأموال المسلمين العامة مثل الأوقاف والأراضي والمؤسسات, مع فرض بعض الدول للضرائب الباهظة وأعمال السخرة والعمل الإجباري على أبناء الأقليات المسلمة, كما تعاني بعض الأقليات المسلمة من العراقيل والصعوبات التي تضعها الحكومات أمامهم وذلك عند طلب الحصول على تصاريح لمزاولة الأعمال الصناعية والتجارية, مع رفض توظيف أبناء الأقلية, وإن وجدوا فرصاً ضئيلة للعمل فتكون أعمالاً صعبة وشاقة مع بخس في الأجور, كما أن النظم المالية الموجودة في أكثر هذه الدول من رشوة وربا يحد من النشاط المالي لأبناء الأقليات المسلمة فيها؛ مما يعمل على قلة الموارد المالية التي يحتاجها المسلمون لتمويل مشاريعهم وأنشطتهم الإسلامية، وفاقم ذلك ندرة التمويل الخارجي من الدول الإسلامية لتلك الأقليات، هذا فضلاً عن تعمد بعض الحكومات لإهمال إنماء مناطق المسلمين, وعدم تزويدها بالخدمات المناسبة, وعدم استثمار الثروات الزراعية والمعدنية والبحرية لصالح المسلمين, وعدم إنشاء أي مصانع في مناطقهم.

العوائق الاجتماعية

 تعد العوائق الثقافية والاجتماعية من أكبر التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة، وهي تحديات معقدة وغير معلنة في الغالب, وهي تستهدف سلب هوية الأقليات المسلمة وتذويبها في البيئة العامة من خلال محاولات دمجها في المجتمع, وتتمثل العوائق الاجتماعية في العديد من المظاهر, منها:

خطر الاندماج والذوبان

     مشكلة خطر الاندماج والذوبان في الأغلبية التي تعد من أكبر المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأقلية المسلمة وتهدد كيانها؛ لذلك أولاها أعداء الإسلام أهمية كبيرة, ووضعوا لها الأساليب والمخططات المدروسة, واتبعوا طرائق مختلفة لتحقيق ذلك, التي منها: سن القوانين التي تسمح وتشجع على الزواج بين المسلمين وغيرهم لينشأ جيل لا يعرف عن الإسلام شيئاً, ومحاربة المسلمين فيما يتميزون به؛ حيث عملوا على حض المسلمين على تغيير أسمائهم الإسلامية, وفتح الاختلاط في المدارس, ومحاربة الحجاب الإسلامي.

     كما قامت العديد من الحكومات بتغيير أسماء الأماكن وعلامات الطرق من لغة الأقلية إلى لغة الدولة المحتلة, أي مسح جميع آثار الأقلية من الخريطة كما فُعِلَ في فطاني وفي أراكان, هذا فضلاً عن طرد زعماء الأقليات المسلمة ومثقفيهم ونفيهم خارج البلاد, والعمل على خلق طبقة من العلمانيين بالأقلية ونصبهم فيما بعد على رأس الأقلية ليسهل تغيير هويتها وسهولة اندماجها, كما قامت العديد من الحكومات بإلغاء الأحكام الإسلامية - لاسيما قوانين الأحوال الشخصية - في المناطق التي يحكمها المسلمون منذ مئات السنين وتطبيق القانون المدني بها.

ومن أمثلة تعمد الدول إبعاد أبناء الأقلية المسلمة عن هويتهم وعقيدتهم ودينهم, ما يلي:

في الصين قامت الحكومة بمنع الأقلية المسلمة من كتابة لغتهم بالأحرف العربية، وألزمت جميع المسلمين باللغة الصينية.

أما في الهند فالوضع أصعب؛ حيث أمرت الحكومة المسلمين كتابة العربية بالأحرف اللاتينية, ومنعت تدريس العربية في معظم المدارس؛ حيث تولي الحكومة المركزية اهتمامها بتدريس الهندية والانجليزية على حساب اللغة العربية.

في تايلاند أصرت الحكومة على السيطرة على التعليم في فطاني ذات الأغلبية المسلمة, وعمدت إلى نشر اللغة السامية بدلاً من لغة أهل فطاني التي كانوا يكتبونها بالأحرف العربية.

سوء فهم الإسلام

     يرجع سوء فهم المجتمع الغربي للإسلام وما يترتب على ذلك من التحامل على قضايا الأقليات المسلمة للعديد من الأسباب, منها: الموروثات القديمة والهياكلُ العميقة للكراهية التي أرساها التاريخ عن المسلمين, وتَداولُ أفكار نمطية قائمة على صور سطحية, وما تقوم به الكنيسة الغربية من دور بارز في تأجيج نار العداء للإسلام وأهله, والدراسات الاستشراقية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين بجعله دينا دمويا، وأنه يشجع على الإرهاب, والمناهج التعليمية المزيفة للتاريخ الإسلامي في المدارس والجامعات, مع ندرة المعلومات الصحيحة عن الإسلام لدى أغلب هذه المجتمعات؛ حيث تصلهم معلومات ناقصة وخطأ، تحمل في طياتها عرضاً مشوهاً لتعاليم الإسلام, هذا فضلاً عن الصورة النمطية المشوهة التي ترسخها الأجهزة الإعلامية والسياسية والحزبية والأمنية عن الإسلام في أذهان غير المسلمين, التي من أهم ملامحها صبغ الإسلام بصبغة التخلف والعنف والتطرف؛ الأمر الذي يؤدي إلى تعميق الهوة بين الأقليات المسلمة وغيرهم, كما أنها تخلق جواَ ضاغطاَ يدفع إلى عدم التعامل مع الأقليات المسلمة بإنصاف وعدالة.

التهميش

التهميش ووجود مسافة اجتماعية بين الأقلية والأغلبية, والتفرقة في المعاملة من جهة الدولة ومنظماتها, فتحرم الأقلية المسلمة من العديد من الحقوق.

العنف

العنف الاجتماعي: هو الهجوم على أفراد الأقلية المسلمة وممتلكاتهم لمجرد أنهم مسلمون, والتمييز والاضطهاد العنصري الممنهج ضدهم من الحكومات ومنظماتها.

بيئات غريبة

وجود الأقلية المسلمة في أوساط اجتماعية تخالفها في العقيدة والسلوك والتفكير والتعليم, ومعاناة الأسرة المسلمة في المحافظة على أبنائها وأخلاقهم مع اختلاف القيم والثقافات والعادات والتقاليد بينهم وبين الأقلية المسلمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك