رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 31 يوليو، 2012 0 تعليق

العمل التطوعي والاستخلاف في الأرض

 من حكمة الله تعالى أن خلق السموات والأرض، وجعل في الأرض سكانا وجعلها مكاناً للاستخلاف، فقال سبحانه مخبراً الملائكة باستخلاف آدم في الأرض ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}، وهذا الاستخلاف هو تشريف لهذا الجنس البشري وتكريم له، فقد كرم الله هذا الجنس بأنواع التكريم، ولذلك قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مِن مَن خلقنا تفضيلا}.

        والاستخلاف في الأرض فمعناه أن كل ما في الأرض وهبه الله لهذا الجنس البشري، واستخلفه فيه ولذلك قال الله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا}، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية قال: إما انتفاعا وإما اعتبارا وإما اختبارا، فالإنسان مخلوق لحكمتين: الأولى تحقيق العبودية لله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}. والثانية الاستخلاف في الأرض.

        وهاتان الحكمتان متكاملتان فيما بينهما، فلذلك كانت أنواع التكليف منقسمة إلى قسمين: إلى تكليف عيني وتكليف كفائي، فالتكليف العيني يطلب إلى كل إنسان القيام به فهو داخل في تحقيق العبادة لله في الأرض، وأما التكليف الكفائي فلا يطلب أن يقوم به كل إنسان، بل إذا حصل من بعضهم كفى عن غيره، وذلك أنه من تحقيق الاستخلاف في الأرض، فإنقاذ الغريق ورد الظلم ونحوه كل ذلك من فروض الكفايات التي هي من الاستخلاف في الأرض.

        والاستخلاف يقتضي من الإنسان أن يمشي في مناكب الأرض، وأن يسعى لاستخراج ما فيها من المنافع، وأن يحرص على نفع الناس بها فإنه استخلف فيما في الأرض وأمر بأن ينفق منه في سبيل الله، كما قال الله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}. 

        ومن هنا فلا بد أن يترك الإنسان بصماته في الأرض قبل موته، وأن يترك فيها آثارا حميدة فعمر الإنسان الحقيقي هو ما يخلفه وراءه من الآثار وما يتركه على ألسنة الناس من الثناء: وإنما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

        فيحتاج الإنسان إلى أن يكون له أثر في هذه الحياة، فالذي يولد ميلادا طبيعيا ويعيش حياة طبيعية ويموت موتا طبيعيا ولا يترك أثرا في الحياة الدنيا ينساه الناس، ولن يبقى له أثر في هذه الحياة، ولن يحقق المهمة التي من أجلها أهبط إلى الأرض.
والاستخلاف في الأرض يقتضي من الإنسان أن يحرص على نفع الناس، فالناس عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، وكذلك التطلع إلى أخبار المسلمين فمن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، وكذلك استشعاره لمسؤوليته عن الفقراء والمحتاجين وسعيه لتخفيف معاناة المستضعفين في الأرض بكل ما يملكه من الوسائل، ومحاربة الفساد مطلقا بكل أنواعه، فالإنسان الذي هو مستخلف في الأرض يسعى لعمارتها وتهيئتها حتى لمن يأتي بعده، وكذلك السعي لجمع قلوب المسلمين وتوحيد كلمتهم على الحق.

        ومن فضل الله تعالى على المتطوعين أن جعل لهم خير الجزاء في الدنيا والآخرة؛  لأنهم خير الخلفاء في الأرض، قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).

        والعمل التطوعي إحياء لسنة النبي [ فقد حث يوماً على الصدقة فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يدي النبي[ فقال: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (1).

        ففي الحديث بيان أن من كان أصلاً في عمل من أعمال البر والخير والهدى، وتبعه عليه غيره، كان له أجر هذا العمل وثوابه، قال[: «من دعَا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنقص ذلك مِن أجورهم شيئا، وقال[: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» (2).

        فالمتطوع الداعي إلى سبل الخير في الأمة، ينال الفضل والأجر الكبير من رب العالمين، وكلما تبعه في عمله التطوعي أناس غيره، كان له الأجر المستمر مادام يُعمل بما عمله فهو قد أسهم  في تفعيله بين الناس.

        ولإحياء الأعمال التطوعية بين الناس، لا بد أن نحييها بأنفسنا أولاً، ثم ننقلها إلى غيرنا، ولا بد أن نُحسن الخطاب مع الآخرين بشأن التطوع من حيث المحتوى والمضمون والأسلوب والأداء، وأن نبذل مجهوداً مستمراً في نشر ثقافة التطوع؛ ونحن على يقين بأن أمتنا أمة عطاء، فما علينا إلا أن نعمل ونمهد الطريق لغيرنا للعمل من أجل الآخرين.

        والأمة اليوم في أمس الحاجة لإحياء سنة التطوع في قلوب الناس وترجمتها عملياً، حتى تعود مجتمعاتنا تنعم كما كانت بالتكافل والتعاون والرحمة والعمل. فالعمل التطوعي في العهود الإسلامية السابقة أقام مؤسسات اجتماعية لوجوه من الخير والبر والتكافل الاجتماعي لم تعرف أمة من الأمم أمثالها.

 

الهوامش:

1 -  أخرجه مسلم،  برقم (2674).

2 -   أخرجه مسلم ، برقم ( 1893). 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك