رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 6 فبراير، 2019 0 تعليق

العمال في الإسلام بين الواجبات المطلوبة والحقوق الضائعة

قرر الإسلام للعمال حقوقهم الطبيعية بوصفهم جزءاً من أفراد المجتمع، كما جاء بكثير من المبادئ لضمان حقوقهم، قاصدًا بذلك إقامة العدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، بل أوجب الإسلام على صاحب العمل العناية بالعامل، وعدم إرهاقه أو استغلاله تحت أي ظرف من الظروف، وأن يكفل له قدرًا من الراحة حفظاً لقوته، ورعاية لصحته؛ وذلك إعمالاً لقول الحق -تبارك وتعالى-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} {البقرة: 286}؛ و الشريعة كما فرضت على رب العمل واجبات، كذلك فرضت على العامل واجبات يجب الالتزام بها؛ فأغلب المشكلات التي عمت آثارها، وتعددت سلبياتها تتمثل في الحقوق الضائعة بين العامل ورب العمل، وهذه المشكلة التي نسمع عن آثارها يوميًا، وتكثر الشكاوى من الطرفين، وهذه القضية، قضية ذات شجون؛ لأنها قضية يومية تحصل باستمرار، وللوقوف عليها وعلى أبعادها كان هذا التحقيق.

 

في البداية أكد رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ محمد الحمود النجدي، أن العامل له مجموعة من الحقوق التي ينبغي على رب العمل مراعاتها، ومن هذه الحقوق ما يلي:

حق العامل في الأجر

     أمر الإسلام بالوفاء بما تم عليه التعاقد بين الأجير والمستأجر، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1)؛ فأجر العامل هو أهم التزام ملقى على عاتق صاحب العمل؛ ولذلك عني به الإسلام عناية بالغة، وقد ورد الأجر في القرآن الكريم في خمسين ومائة موضع، منها، ما جاء في قصة شعيب وموسى: {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا}(القصص:25)، كما نجد العمل في القرآن الكريم يذكر مقرونًا بذكر الأجر، يقول -تعالى-: {ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون}، ويقول -تعالى-: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} (التين:  6).

     وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أيضًا تلازمًا بين الأجر والعمل، وهذا كله عموم في الدنيا والآخرة، كما يقول ابن حزم؛ فجميع الآيات التي ذكر فيها العمل والأجر، ليست خاصة بالأعمال ذات الطابع الديني، وإنما هو قانون عام شامل لكل نوع من أنواع العمل، سواء كان عملاً دينياً، أم عملاً دنيوياً .

من الظلم تأخير دفع الأجرة

     وأضاف الشيخ النجدي أن من الظلم والجور تأخير دفع الأجرة إلى الأجير مع القدرة على ذلك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : «مطل الغني ظلم، وإذا أُتْبِع أحدُكم على مليء؛ فليتبع» (متفق عليه) والمطل: تأخير الغني الواجد للمال قضاء ما عليه من الدَّيْن. وقوله: «إذا أتبع أحدكم...» فمعناه: لو أن إنسانا له حق عند زيد مائة ريال مثلاً؛ فقال له زيد: أحيلك إلى عمرو وخذ منه المائة ريال؛ لأنه  مدين لي بها؛ فعلى هذا الإنسان أن يقبل ولا يرفض. (من كلام ابن عثيمين)، كما رتب الوعيد الشديد على منع الأجير من أجره بعد الاستحقاق؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره؛ فإن الإسلام قد حافظ أشد المحافظة على حق الأجير وصان حقوقه أتم صيانة.

حصول العامل على كامل حقوقه

     وأكد الشيخ النجدي على أنه على صاحب العمل أن يوفي العامل حقوقه التي اشترطها عليه، وألاّ يحاول انتقاص شيء منها؛ فذلك ظلم عاقبته وخيمة؛ ولذلك يجب على صاحب العمل ألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه، ويغبنه في تقدير أجره الذى يستحقه نظير عمله؛ فالإسلام يحرم الغبن، ويقرر لا ضرر ولا ضرار.

عدم الإرهاق

     كما أكد الشيخ النجدي أن على صاحب العمل عدم إرهاق العامل إرهاقًا يضر بصحته ويجعله عاجزًا عن العمل، وقد قال شعيب لموسى -عليه السلام- حين أراد أن يعمل له في ماله: {وما أريد أن أشق عليك} (القصص: 27)؛ فإذا كلفه صاحب العمل بعمل يؤدي إلى إرهاقه ويعود أثره على صحته ومستقبله؛ فله حق فسخ العقد، أو رفع الأمر إلى المسؤولين ليرفعوا عنه حيف صاحب العمل.

حق العامل في العبادة

     وختم الشيخ النجدي كلامه بضرورة أن يحرص صاحب العمل على تمكين العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة، كالصلاة، والصيام؛ فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير، ويؤدى عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به؛ وليحذر صاحب العمل أن يكون في موقفه هذا ممن يصد عن سبيل الله، ويعطل شعائر الدين {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، أولئك في ضلال بعيد} (إبراهيم:  3).

احترام العقود

     من جهته أكد د. أحمد الكوس، على أن الإسلام أكد على ضرورة احترام العقود وتنفيذها بين المسؤول والموظف والأجراء أو العمال، وعدم الاستهانة بهذا العقد؛ لحرمة ذلك في الكتاب والسنة ولقوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني)، ومن ذلك تأخير رواتب العمال، أو مخالفة العقد بإنقاص أجرته، وأحيانا ترك العمال هملا في الشوارع بغير رواتب، وقد حذر منها الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله.

ومن التجاوزات التي نراها اليوم إجبار العامل على شراء التأشيرة، وإجباره على دفع مبالغ باهظة بحدود ألف أو ألفي دينار حتى يتم إتمام التأشيرة أو تجديدها، وسبب ذلك مشكلات أسرية للعمال، كما ذكر لي بعضهم، وسبب لهم أزمات نفسية، وخسارة فادحة.

واجبات العمال

     كما أشار د. الكوس إلى أنه كما على رب العمل واجبات؛ فكذلك على العمال واجبات، ومن هذه الواجبات المحافظة على ساعات العمل، وعدم التفريط في شيء منها؛ لأن ما يؤخذ من مقابل مالي هو مقابل العمل في هذه الساعات؛ فيجب الوفاء بها، ومن أخذ الأجرة حوسب على العمل، كذلك على العامل حفظ أسرار عمله، والالتزام بقوانين العمل المنصوص عليها في العقد، أو غير المنصوص عليها مما هو متعارف عليه.

الأمانة

     وأضاف د. الكوس أن من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها العامل الأمانة، وعدد أنواع الأمانة وذكر منها: المحافظة على أسرار العمل، والحذر من تسريبها للمنافسين؛ مما يوقعه في الخسارة، والمحافظة على أملاك صاحب العمل من آلات وأغراض وأجهزة، وأداء كل حق له صغيرا أم كبيرا، وإرجاع كل ما يفيض عن حاجة العمل إليه، أو الاستئذان منه في أخذه.

ومن الأمانة أيضًا أداء العمل بإتقان، والسعي في تطوير النفس لإتقان الصنعة؛ فالله يحب من أحدنا إذا عمل عملاً أن يتقنه، والناس يفضلون المتقن؛ فالإتقان سبب لجلب الرزق، ومحبة الخالق والخلق.

التحذير من الخيانة

     وختم د. الكوس كلامه بتحذير العمال من خيانة الأمانة في زمن كثرت فيه الخيانة، وقلت الأمانة؛ فإن من سمة آخر الزمان: إضاعة الأمانة، وحدّث عن أنواع الغش والخيانة الشائعة في واقع الناس، وجرأة بعضهم عليها، كالغش في مواصفات السلع، وكعدم إتقان العمل وأدائه بمواصفات قليلة الجودة، وكالعمولات التي يأخذها العمال من التجار مقابل تقديم سلعهم على غيرها، حتى لو كانت أقل جودة، أو الاتفاق مع عمال المحلات لرفع قيمة السلعة على صاحب العمل، واقتسام القدر الزائد خارج فواتير التاجر، وغير ذلك من أنواع الخيانة.

مناشدة

وفي ختام كلامه ناشد د. الكوس الجهات المسؤولة بمحاسبة من يخالف القوانين، ويظلم العمالة، وهو تشويه لصورة الكويت وتشويه لتعاليم ديننا الحنيف.

مفهوم العمل في الإسلام

     من جهته بين النائب السابق د. عبد الرحمن الجيران أن مفهوم العمل في الإسلام ينبني على حقيقتين اجتماعيتين، لهما الأثر الكبير على المجتمعات المسلمة، الحقيقة الأولى وهي الأصل: تساوي البشر جميعًا؛ من حيث كونهم عمالا وبشرا، لهم كرامتهم وإن تفاوتت قدراتهم العملية والجسدية والعقلية، هذه الحقيقة الأولى. والحقيقة الثانية: أن العمال في نظر الإسلام ليسوا طبقة، أو فريقاً، وإنما العمال كل العاملين في المجتمع في التصور الإسلامي الصحيح للعمل والعمال. فعلى هذا الحاكم والوزير والأمير والسلطان يعد عاملا، وكذلك الزراع والخباز والحداد يعد عاملا، هذا مسؤول وذاك مسؤول، وكلٌّ مسؤول في حدود مسؤوليته: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

العمل الملائم

     وعن حقوق العامل التي يجب مراعاتها قال د. الجيران: من حق العامل أن يختار العمل الذي يتلاءم مع قدراته ومهاراته ورغباته ما دام أنه يصدق عليه المفهوم الصحيح للعمل في الإسلام، وفي هذا حكمة بالغة؛ لأن الله -عز وجل- قال: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}(الزخرف:32)، {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ثم أخبر عن الحكمة فقال: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}.

الحد الأدنى من الرعاية

     كما أكد د. الجيران أن من حق العامل أن نوفر له الحد الأدنى من الرعاية، وتحقيق الاستقرار الوظيفي له، والاستقرار النفسي، وهذا يؤيد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولي لنا عملًا وليس له منزل فليتخذ له منزل، وليست له زوجة فليتزوج، وليس له خادم فليتخذ خادماً، وليست له دابة فليتخذ دابة».

     كذلك أشار د. الجيران إلى أن العامل له أن يختار من الأعمال ما يستطيع القيام به على الوجه الأكبر قدر طاقته واستعداده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصح أبا ذر رضي الله عنه فقال: «لا تأمّرن على اثنين»، وقال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها».

مسائلة يوم القيامة

     وفي ختام كلامه نبه د. الجيران إلى أن كل موظف سواء كان كويتيا أم غير كويتي، أم مقيما عليه واجبات ومسؤوليات سيسأل عنها يوم القيامة؛ فأول هذه المسؤوليات أن يبذل العامل كل ما يستطيع من جهد وطاقة لإحسان العمل وإتقانه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن».

تحقيقًا للتكامل والتعاون

     من جهته أكد الشيخ رائد الحزيمي الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف، أن الإجارة والعِمالة شُرِعَت؛ لأن الناس في حاجة إليها لاختلاف المواهب والتخصصات، وتحقيقا للتكامل والتعاون، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليُتَمِّمُ أحوال الناسِ، ويُحقق المصالح بينهم، وقد شاء الله -تعالى- بحكمته أن يجعل بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء، ومعلوم أنَّ الغنيَّ بحاجة إلى الفقير، وأنَّ الفقيرَ بحاجةٍ إلى الغنيَّ، والله -سبحانه- جعل الناس بهذه الصِّفةِ كلٌّ يحتاج الآخر حتى تتكامل حركة الحياة وتعمر الأرض، قال الله -تعالى-: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}(الزخرف: 32)؛ فإذا قام كلٌّ بحقِّه وواجِبِهِ كما ينبغي، تحققتْ السعادة والائتلاف، وأصبح المجتمع المسلم، كالجسد الواحد، كما قال صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه البخاري).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك