رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أسامة شحادة 16 مارس، 2021 0 تعليق

العلم الصحيح هو إدراك الواقع على حقيقته

العلم فضيلة يدعيها الجميع، ولكن الواقع يكذب الكثيرين من مدّعيها؛ لأن العلم لا يُنال إلا بكدٍّ وتعب ومفارقة للهوى، وترك تقليد الناس؛ فالعلم منزلة باسقة لا يحوزها إلا من يستحقها، ولديه استعداد لبذل الثمن؛ فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه أثرا لطيفا عن يحيى بن أبي كثير قوله: «لا يستطاع العلم براحة بالجسم»، وهذا أمر واقع ملموس في علوم الشريعة وعلوم الدنيا.

     وهذه الصعوبة والمشقة في الوصول إلى العلم دليل على أن العلم هو إدراك الواقع أو الأمر على الحقيقة، ومن هنا فإنّ من انخدع بظواهر الأشياء، ولم يدقق ويحقق في الأمور، لن يحصل إلا على معرفة وعلم ناقصين، وما تميز العلماء في علومهم إلا بما بذلوه من جهد وعمل ووقت وحرص وإصرار.

حبر الأمة وترجمان القرآن

     ويتجلى هذا في سيرة حبر الأمة وترجمان القرآن، عبدالله بن عباس، الذي طفق سنوات من عمره -وهو فتى- بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع ما عندهم من علم متفرق، حتى أصبح يلقب بالبحر لسعة علمه.  وفي علوم الدنيا نجد أن من بذل جهده وصبر، وواصل البحث ارتقى في مدارج العلم، ولعل الكلمة المشهورة لأديسون: «أعرف ١٠ آلاف طريقة لا تصنع مصباحا كهربائيا» تلخص ذلك.

العلم هو إدراك الحقيقة

     ولذلك فالعلم هو إدراك الحقيقة، وغالبا ما يرتبط العلم والحق معا، كما في قوله -تعالى-: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الاحزاب: ٤)، واستنادا لما جاء في القرآن والسنة يقرر العلماء كابن القيم في كتابه الفوائد: «العلم: نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس، والعمل: نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج، فإن كان الثابت في النفس مطابقا للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح».

العلم الحقيقي

     ومن تأمل في كل ما ينسب للعلوم الشرعية والدنيوية وجد أن العلم الحقيقي منها هو ما طابق الحقيقة، فأي علم شرعي ليس له مستند من دليل شرعي من القرآن والسنة الصحيحة والإجماع والقياس فهو ليس بعلم على الحقيقة عند المحققين، كما أن أي علم دنيوي ليس له مستند من تجربة سليمة أو عقل صحيح فهو خرافة وجهل على الحقيقة.

ولما كان غالبية الناس لا تدرك بدقة مفهوم العلم ومعناه بالتحديد، فإنهم ينخدعون بكثير مما يروج، ويظنونه علما وحقيقة، وحين يعتمدون عليه لا تحصل لهم النتائج المطلوبة، كمثل من اغترّ بدعاية لدواء، ودفع فيه أموالا باهظة ولكن دون نتيجة.

دائرة الفهم والوعي

     وحين تكتمل دائرة الفهم والوعي بأهمية العلم وضرورته في المناحي والشؤون مع تحقق مفهوم العلم، فإن الثمرة المرجوة لازمة التحقق بحسب سنن الله -عز وجل- في الكون، والخلل في تحقق هذه الدائرة هو ما يفسر سبب فشل كثير من الجهود والمحاولات والاجتهادات من تيارات متعددة؛ لكونها لا تعتمد على العلم الصحيح.

الخلل في الرؤية الشرعية

     فعلى صعيد جماعات العنف فإن الخلل عندهم في الفهم الشرعي؛ ما أفرز كوارث عديدة حدت بقطاع كبير من قيادات هذه الجماعات للتراجع عن فكرها ونهجها، وقد رصد بعض مفكريها العديد منها، ومع الأسف هذه التجارب والخبرات معزولة عن الشباب المخلص المتحمس الذي يذبح بين الحين والآخر في تجارب عقيمة ومدمرة.

ضرورة العلم والالتزام به

     فكلما رسخنا في وعينا ضرورة العلم والالتزام به، وأدركنا حقيقته القائمة على معرفة حقيقة الأمر أو الواقع، ثم طبقنا ذلك فعليا، أمكن لنا أن نستفيد من ثمرة العلم النافعة والدائمة، ويتجلى هذا في كثير من جوانب حياتنا، فحين انتشرت أحكام الميراث الشرعية، انحسرت مظاهر الجاهلية من حرمان النساء من حقوقهن المالية بحجة عدم توريث الغرباء!

عملية شاقة

     وختاما فالبحث عن العلم وسط أكوام الزيف والتضليل، عملية شاقة، ولا سيما إذا كانت الأدوات لا تسعف الباحث على مراده، أو كان منهجه في البحث ليس سليما؛ ولذلك يجب أن نكمل دائرة الوعي بأهمية العلم وحقيقته بمعرفة مناهجه الصحيحة وأدواته السليمة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك