رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فضيله الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان 21 يناير، 2020 0 تعليق

العـــــدل والإنصاف


بدأت فكرة المخيم الربيعي لجمعية إحياء التراث الإسلامي في منطقة الجهراء عام 1992م, ومنذ ذلك الوقت -وبحمد الله- ما زال هذا المخيم يقام سنويًا؛ حيث يُستضاف فيه العلماء والمشايخ الأفاضل من داخل الكويت وخارجها، وحرصًا من مجلة (الفرقان) على إبراز الدور العلمي والدعوي للجمعية، ننشر أهم المحاضرات التي أقيمت في هذا المخيم، واليوم مع محاضرة العدل والإنصاف، للشيخ د. سعد بن تركي الخثلان.  
 
     أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة إلى يهود خيبر ليُخرِّص عليهم التمر؛ فلما وصلهم، قال لهم: والله ما أحد أبغض إليّ منكم، ولا أحد أحبّ إليّ من رسول الله، ولكن حبي لرسول الله وبغضي لكم، لا يحملني على ألا أعدل فيكم؛ فقالوا على هذا قامت السماوات والأرض. 
 
على العدل قامت السموات الأرض
 
     نعم على العدل قامت السموات والأرض، وقد أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل لإقامة العدل بين الناس، كما قال الله -تعالى-: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، العدل مطلوب في كل شيء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من يتحرى العدل يكون في منزلة خاصة على يمين الرحمن، ولهم منابر من نور؛ فقد  أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المقسطين عند الله يكونون على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا»؛ فهؤلاء الذين يتحرّون العدل في أهليهم وأحكامهم وما ولّوا تكون منزلتهم رفيعة عالية، ويجعلهم الله على يمنيه ولهم منابر من نور.
 
مبدأ حياة
     ينبغي للمسلم أن يجعل العدل والإنصاف مبدأ في حياته، العدل مع نفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن لنفسك  عليك حقا ولعينك عليك حقا»، والعدل مع الأولاد لا يُفضل بعضهم على بعض؛ فإن تفضيل بعض الأولاد على بعض، يورث الحقد والكراهية بين الأولاد لأبيهم ولأخيهم المفضّل عليهم؛ ولنعتبر بقصة يوسف مع إخوته؛ فإن أباه يعقوب -عليه السلام- لما فضّل يوسف وأخاه ماذا فعلوا؟ وماذا قالوا؟ {قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين}، وصفوا أباهم في ضلال مبين، {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم}؛ فانظروا كيف أن التفضيل أدى إلى هذا الأمر العظيم، أن يَهمّوا بقتل أخيهم يوسف، ويصفوا أباهم في ضلال مبين؛ فيجب على الأب، أو الأم العدل بين الأولاد، والأشدّ ما يكون التفضيل في العطيّة بينهم؛ فإنه لا يجوز أن يفضّل أحد الأولاد بعطيّة عن الآخر، جاء النعمان بن بشير للنبي صلى الله عليه وسلم، جاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على نحلة نحله إياه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أكل ولدكم أعطيته هذا؟»، قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، وفي رواية قال: «أشهد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور»، وعطية الأب لأولاده تنقسم قسمين، عطيّة محضة يجب فيها المساواة بين الذكور، وأن تعطى الأنثى نصف الذكر، اقتداء بقسمة الله -عز وجل- في الميراث، والقسم الثاني عطيّة حاجة؛ فيعطى كل واحد بقدر ما يحتاجه؛ فمن المعلوم أن الصغير يحتاج لأشياء لا يحتاجها الكبير أو العكس، والأنثى تحتاج لأشياء لا يحتاجها الذكر؛ فيعطى كل واحد بقدر حاجته، وربما يكون أحد أبنائه مريضاً ويحتاج لعلاج؛ فيعطى كل واحد بقدر حاجته، وهذا هو العدل. 
 
العدل بين الزوجات
وكذلك يكون العدل بين الزوجات فيمن كان عنده أكثر من زوجة؛ فلا يجوز له أن يحيف على الزوجات ويظلمهن، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما أتى يوم القيامة وشقه مائل». 
 
العدل فيمن ولي ولاية
     وكذلك العدل فيمن ولي ولاية في دائرة ونحوها؛ فيعدل بين الموظفين، وهكذا المدير في مدرسته، يعدل بين المعلّمين، والمدرس مع طلابه، يعدل بينهم فلا يفضّل بعضهم على بعض، ويجعل هناك معايير تسير على الطلاب جميعهم، من غير أن  يُحابي بعض الطلاب على بعض. 
 
العدل مع الكفار
     حتى العدل يكون مع الكفار، قال -تعالى-: {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}. أي لا يحملنّكم بغض قوم على ألا  تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، وقال -سبحانه-: {ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}؛ فانظروا لعظمة هذا الدين، وهذه الشريعة التي ينالُ عدلها حتى الأعداء وحتى غير المسلمين.
 
دين عدل
     ولهذا نقول: إنّ هذا الدين دين عدل، والعدل مطوب في كل شيء، رويَ أنّ أحد ولاة المسلمين كان له خصومة مع أحد رعيته؛ فذهب لقاضٍ من قضاة المسلمين، وكان خصمه يهوديا؛ فلم يجد هذا الوالي شهادة أوبيّنة؛ فحكم القاضي على الوالي لهذا اليهودي؛ فقال: أدينكم يأمركم بهذا؟ فأسلم وقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، نعم إن العدل مطلوب في كل شيء في الكلمة التي يتكّلم بها الإنسان وفي فعله كذلك، حتى يجعل الإنسان هذا منهجا له، وأن يجعل العدل مبدأً له في الحياة.
 
هذا ليس بالعدل
     وإنّ ممّا يلاحظ أن بعض الناس عندهم نوع من عدم الإنصاف وعدم العدل؛ فعندما ينتقدون أحدا، تجد أنّهم يبخسون حسناته كلها ولا ينظرون لها، بل ينظرون لسيئاته، وهذا ليس من العدل؛ فمن اتقى الله -عز وجل- لابد أن يكون عادلاً، ولا ينبغي أن تكون القرابة والمصالح مؤثرة على هذا المبدأ في تصرف الإنسان وسلوكه، قال -تعالى-: {يا أيها الذين آمنا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله  ولو على أنفسكم}، حتى وإن كانت الشهادة على نفسك، أو والديك، أو قريبك أيّاً كان غنياً أم فقيراً؛ فالله أولى بهم، ولو كان هذا الإنسان غنيا؛ فلا تحف معه لأجل الغنى، وحتى إن كان فقيرا فلا ترحمه وتقول فقير لأجل فقره، الله -عز وجل- أولى به منك، أنت كن عادلا، لا تظلمه، لكن لا تحف معه لا لأجل غناه، ولا لأجل فقره؛ فهذه مباديء عظيمة لا توجد في أي دين من الأديان، أو ملة من الملل، مع أن العدل ممّا اتّفق عقلاء بني آدم على أنه من الخصال الحميدة؛ فالعدل محبوب لدى الناس كلّهم، مسلمهم، وكافرهم، ولا يتفق عقلاء بني آدم إلا ما كان على حق، كما قرّر أهل العلم.
 
الدولة العادلة
     ولهذا يقول العباس بن تيمية: إن الدولة العادلة تبقى وإن كانت كافرة، والدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة. الظلم عاقبته وخيمة، الظلم سببٌ لتفرّق الكلمة، وسببٌ للنزاعات، والخصومات، وسببٌ لحلول العقوبات، ودعوة المظلوم مستجابة؛ فإن الله -عز وجل- وعد المظلوم أن ينصره ويجيب دعوته ولو بعد حين، والغالب أن دعوة المظلوم معجّلة في الدنيا قبل الآخرة . 
 
مظالم العباد
      فلنحذر من مظالم العباد؛ فإن حقوق العباد عظيمة، مبناها على المشاحة، أما حقوق الله -عز وجل-؛ فمبناها على المسامحة، قد يعفو الله -تعالى- عنك فيما يتعلق بحقوقه لكن حقوق العباد باقية لأصحابها يوم القيامة؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يغفر للشهيد كل شيء إلا الدّيْن»، الشهيد الذي باع نفسه لله، يغفر له كل شيء، إلا ما كان متعلقاً بحقوق العباد؛ فإنه يكون متعلقاً بالدّين؛ فإنه يبقى لصاحبه يوم القيامة . 
 
حقوقَ العباد
     ولهذا عظّم النبي صلى الله عليه وسلم حقوقَ العباد في أعظم مجمع في عهده في عرفة؛ لمّا خطبَ الناس وقد حج معه مائة ألف قال: «أيها الناس إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام في بلدكم هذا»، وهذا يدل على عظيم شأن حقوق العباد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة»؛ فقال رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك»؛ ذلك لأن حقوق العباد عظيمة عند الله؛ فلنحذر من الوقوع في مظالم العباد؛ فإنّ أمرها عظيم عندالله -عزوجل- ولنحرص على أن ننتهج العدل والإنصاف في حياتنا، ونجعله مبدأً في كل شيء، مع أنفسنا، وأولادنا، وأهلينا، ومع من نخالطهم من زملاء، وموظفين، لنجعل العدل نبراساً لنا ومنهجاً، ومبدأ من المبادئ التي نسير عليها في حياتنا، نسأل الله أن يجعلنا من المُقسطين الذين يجعلهم على يمينه لهم منابر من نور.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك