رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 يونيو، 2024 0 تعليق

العشر الأول من ذي الحجة – مدرسة جامعة للعبادات والقربات

 

  • العشر الأول من ذي الحجة مدرسة جامعة للعبادات والقربات من الصوم والصلاة والصدقة والذكر وتلاوة القرآن وصلة الأرحام وإطعام الطعام
  • شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل عليهم السلام وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة
 

العشر الأول من ذي الحجة مدرسة جامعة للعبادات والقربات من: الصوم، والصلاة، والصدقة، والذكر وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، وغير ذلك، ومن فوائد هذه المواسم: أن المسلم يستطيع فيها سد الخلل، واستدراك النقص، وتعويض ما فات، فكل موسم فاضل له وظيفة من طاعة تتقرب بها إلى الله -عز وجل-، فعلينا أن نحرص على اغتنامها؛ فكم من أناس تمنوا وأمَّلوا أن يدركوها، فأدركهم الموت؛ فلم يستطيعوا زيادة في الأعمال ولا توبة من التسويف والإهمال، فعلينا بالعمل الصالح والدعاء والتوبة، لعلنا نصيب فيها رحمة الله -تعالى-، فنسعد بها في الدارين في الدنيا والآخرة.

فضائل العشر من القرآن الكريم

       قال الله -تعالى-: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفجر: 1 - 3) أقسم الله -تعالى- بالفجر، وبالليالي العشر لفضلها وشرفها ومكانتها وقدرها ومنزلتها، ولِما يقع فيها من العبادات والقربات، بل أمهات العبادات من صلاة وصيام وحج وصدقة، ويقع فيها ما لا يقع في غيرها، وأيضًا لأن فيها يوم التروية، ويوم عرفه وهو ركن الحج، ولا يُقبل الحج دون الوقوف بعرفة، وصومه يُكفِّر سنتين، ويباهي فيه ربنا ملائكته بأهل الموقف، ويغفر لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، ويقع فيها أكثر أعمال الحج والعمرة.

المقصود بالليالي العشر؟

       الجواب: اختلف المفسرون في تفسيرها، وجماهير العلماء، على أنها العشر الأولى من ذي الحجة لِما فيه من فضل وخير ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ أَيَّامَهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ؛ فالعشر المذكور في الآية هي العشر الأولى من ذي الحجة، وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف، وهو قول جمهور المفسرين.

فضائل العشر من السنة النبوية

         ومما يدل على فضل العشر الأولى من ذي الحجة من السنة قول رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»؛ وعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ولَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ»؛ قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، وقوله: العمل الصالح، يشمل الصلاة والصدقة والصيام والذكر والتكبير، وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق وحسن الجوار، وغير ذلك، كل الأعمال الصالحة.

فضائل في الأيام العشر

  • الأُولَى: أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وجل- أقسم بها، فقال: {ولَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 2).
  • الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ سَمَّاها الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ، فَقَالَ -تعالى-: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: 28)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ.
  • الثَّالِثَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهِدَ لَها بِأَنَّها أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، فقال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر)»
  • الرَّابِعَةُ: حث عَلَى أَفْعَالِ الْخَيْرِ فِيها.
  • الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ فِيها.
  • السَّادِسَةُ: أَنَّ فيها يوم التروية، قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لأَنَّ عَرَفَاتٍ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ فَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ إِلَيْهَا.
  • السَّابِعَةُ: أَنَّ فِيها يَوْمَ عَرَفَةَ وَصَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ.
  • الثَّامِنَةُ: أَنَّ فِيها لَيْلَةَ جَمْعٍ وَهِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ.
  • التَّاسِعَةُ: أَنَّ فِيها الْحَجَّ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ.
  • الْعَاشِرَةُ: وُقُوعُ الأُضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ عَلَمٌ لِلْمِلَّةِ الإِبْرَاهِيمِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
  • الحادي عشر: في هذه الأيام عيد أهل الموقف، وهو يوم عرفة، الذي فيه أكمل الله للمسلمين دينهم.

حكم الصيام من اليوم الأول إلى اليوم التاسع من ذي الحجة

       قال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، هذا الحديث يدل على استحباب الصوم فيها؛ لأن الصيام من العمل الصالح وداخل في عموم الحديث: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»، يقول الشيخ عبدالمحسن العباد: عشر ذي الحجة، ولكن المقصود التسع، وقد اشتهرت بهذا الاسم تغليبًا، وإلا فإن اليوم العاشر يوم العيد، ولا يجوز صيامه بحال من الأحوال؛ لأنه يحرم صوم العيدين وأيام التشريق، وأيام التشريق لم يرخَّص في أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي، أما العيدان فلا يجوز صيامهما بحال من الأحوال، بل يجب إفطارهما. بل قد جاء عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهن- قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده صحيح. وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: وممن كان يصوم العشر عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، وقد تقدم عن الحسن وابن سيرين وقتادة ذكر فضل صيامه، وهو قول أكثر العلماء أو كثير منهم.

كيف نتعبَّد لله في الأيام العشر؟

        قال شيخ الإسلام: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل -عليهم السلام-، وقال أيضًا: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة؛ ومن الأعمال التي يستحب الإكثار من فعلها في هذه الأيام: كثرة ذِكر الله -تعالى- من تكبير وتهليل وتحميد ويسنُّ إظهار التكبير في المساجد والمنازِل والطرقات والأسواق، وغيرها، يَجهر به الرجال، وتسرُّ به المرأة، إعلانًا بتعظيم الله -تعالى-، وكثرة تلاوة القرآن، والصيام فيها وأعظمه صِيام يوم عرفة، وكثرة الصَّلاة من نوافل وقِيام ليل ونحوه، وكثرة الصدقات: فلا تَحرم نفسك من الصدقة ولو بالقليل، وصِلَة الأرحام: قال رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم -: «من سرَّه أن يُبسط له في رِزقه، وأن يُنسأ له في أَثره، فليصِل رَحِمه»، وبر الوالدين: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَغِم أنفُ، ثُمَّ رغم أنفُ، ثُمَّ رَغم أنفُ»، قيل: مَن يا رسُول الله؟ قال: «مَن أدرك أبويه عِند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخُل الجنَّة»، والإحسان إلى الخلق عموما، وحسن الجوار.

بماذا تستقبل مواسم الطاعات؟

تستقبل مواسم الطاعات بالتوبة الصادقة النصوح، وهي تتضمن أمورًا:
  • الأول: الإخلاص في التوبة.
  • الثاني: الإقلاع عن الذُّنوب والمعاصي والنَّدم والعزم على عدم العودة إليها.
  • الثالث: ردُّ الحقوق إلى أصحابها إن كان اغتصب حقًّا من أهله.
  • الرابع: وتستقبل مواسم الطاعات بطلَب العلم الشرعي المتضمِّن معرفة وظيفة الوقت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك