رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 10 أكتوبر، 2016 0 تعليق

العبر من قصار السور- العاديات (1)

- الحلف بغير الله من الأمور  التي شددت الشريعة على النهي عنها، سواء كان القسم بالأب أم بالابن أم بالشرف أم بالأمانة، أم حتى بالنبي صلى الله عليه وسلم، أم بأي شيء عدا (رب العالمين).

- وليس عذرا أن يقول أحدهم: إن الله أقسم بأشياء كثيرة من مخلوقاته؛ كالشمس، والعصر، والليل، بل حتى بالنبي صلى الله عليه وسلم .

- بالطبع  لله أن يقسم بما شاء -سبحانه وتعالى.

- لماذا أقسم الله بالخيل؟!

- أقسم الله بحالة من أحوال الخيل، وهي حالتها وهي تعدو عدواً قويا سريعاً: {والعاديات ضبحا} يصدر ذلك الصوت بسبب النفس القوي المتردد، وإلا فنعلم أن أصوات الخيل (الصهيل) و(الحمحمة) ولا يكون (الضبح) إلا نتيجة العدو القوي السريع، {فالموريات قدحا} التي تنتج شررا نتيجة احتكاك حوافرها المنطلقة بقوة وسرعة على الصخر، ومنه قوله تعالى: {النار التي تورون} تشعلون ({فالمغيرات صبحا} هذا وقت إغارتها، ثم انتقل من صيغة الإخبار عن الخيل التي تغير إلى فعل الماضي {فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا}، والنقع هو الغبار، يهيج وسط القوم المغزوين؛ وهذه نتيجة لما سبق من أوصاف الخيل.

- وما الغاية من هذا القسم؟ وما علاقته بالمقسم عليه؟!

توقعت هذا السؤال من صاحبي، وكثير من كتب التفسير لا تتعرض لهذه التفاصيل.

- هذه السورة مكية، فيها تهويل وتخويف للمشركين بأن غارة تنتظرهم (وهي غزوة بدر)، وفيها تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بأنهم سيغزون هؤلاء القوم؛ وهذا أمر عظيم بالنسبة لما كانوا عليه من ضعف في مكة.

- ثم انتقل للحديث عن الإنسان!

- نعم أقسم الله بكل ما سبق، تأكيدا لحقيقة وهي: {إن الإنسان لربه لكنود}.

     والكنود هو، الكنود بالنعمة - والبخيل - والعاصي، وهذا وصف غالب الناس إذا لم يعرف حق الله عليه، وقدم لربه على (كنود) لتشنيع عمله، وذلك أن اسم (الرب) لله -تبارك وتعالى- يدل على نعمه ولطفه وعنايته وتربيته لهذا الإنسان؛ فكيف يجحد الإنسان نعمة الله وعنايته به؟ وأكد جحوده باللام (لكنود).

- سبحان الله لكل حرف في كتاب الله دلالته.

صاحبي من المحبين للغة العربية وجمالياتها، مع أنه لا يقرأ كثيرا.

تابعت حديثي.

     والمقصود تفظيع كنود الإنسان، وذلك أنه معلوم لصاحبه، ويشهد عليه هو بنفسه، وأكبر سبب لهذه الصفة في الإنسان، أنه {لحب الخير لشديد} والخير هو (المال) فحب المال هو الذي يدفع إلى البخل، وإنكار حق الله في المال، والامتناع عن مواساة الفقراء، وكل تصرف خبيث ينبع من هذا الخلق الذميم {وتحبون المال حبا جما} ثم ذكر الله (الإنسان) بما سيكون لا محالة، وهذا علاج لهذا الخلق الذميم.

{أفلا يعلم إذا بعثرما في القبور}.

إن كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره، أما يوم القيامة فإنه تتكشف الأسرار، وتنتهك الأستار، ويظهر ما في البواطن، كما قال: {يوم تبلى السرائر}(الطارق: 9).

     لم خص أعمال القلوب بالذكر في قوله: {وحصل ما في الصدور} وأهمل ذكر أعمال الجوارح؟ الجواب: لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلب، فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح؛ لذلك فإن الله -تعالى- جعلها الأصل في الذم، فقال: {آثم قلبه}(البقرة: 283)، والأصل في المدح، فقال: {ﭭ ﭮ}(الأنفال: 2).

     لم قال: {وحصل ما في الصدور} ولم يقل: وحصل ما في القلوب؟ الجواب: لأن القلب مطية الروح، وهو بالطبع محب لمعرفة الله وخدمته، إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومحلها ما يقرب من الصدور؛ لذلك قال: {يوسوس في صدور الناس}(الناس: 5)، وقال: {أفمن شرح الله صدره للإسلام}(الزمر: 22)؛ فجعل الصدر موضعا للإسلام.

     ومناسبة الآيتين بعضهما لبعض أن بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض، وتحصيل ما في الصدور إخراج لما في الصدور، أي: مما تكنه الصدور؛ فالبعثرة بعثرة ما في القبور عما تكنه الأرض، وهنا عما يكنه الصدر، والتناسب بينهما ظاهر {إن ربهم بهم بومئذ لخبير}، أي: إن الله -عز وجل- بهم، أي: بالعباد لخبير، وجاء التعبير (بهم) ولم يقل (به) مع أن الإنسان مفرد باعتبار المعنى، أي: إنه أعاد الضمير على الإنسان باعتبار المعنى؛ لأن المعنى {إن الإنسان}، أي: إن كل إنسان، وعلق العلم بذلك اليوم {إن ربهم بهم يومئذ}؛ لأنه يوم الجزاء، والحساب، وإلا فإن الله -تعالى- عليهم خبير في ذلك اليوم وفيمال قبله، فهو -جل وعلا- عالم بما كان، وما يكون لو كان كيف يكون.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك