رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 22 فبراير، 2011 0 تعليق

العالم العربي يواجه اختبارًا صعبًا-فوضى الاضطرابات السياسية تدفع بالأوضاع إلى حافة الهاوية

 

لعل العالم العربي لم يواجه اختبارات شديد الصعوبة منذ نكبة فلسطين وإعلان المنظمات الصهيونية لتأسيس الدول العبرية عام 1948مثلما يواجه هذه الأيام، فمنذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس وتخلي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم  وكرة الثلج لا تتوقف عن التدحرج في بلدان عربية عدة مجاورة لتونس ومصر التي شكلت الاضطرابات السياسية فيها  مفاجأة صاعقة  ليس لنظام الحكم في مصر وحده فقط بل للدوائر الاستخباراتية الغربية بل للشعب المصري نفسه المعروف عنه ميله للمهادنة مع حكامه وخوفه من التداعيات السلبية لوقوعه في فتنة تكون عواقبها دائما أكثر من الفوائد المرجو تحقيقها من تحدي حكومتها.وهاهي عجلة المظاهرات تصل إلى يلبيا والجزائر واليمن والبحرين ولانعرف متى تتوقف وهل تتغير لصالح البلاد والعباد ومظلة الدين

      ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فالاضطرابات امتدت أو في طريقها للامتداد لدول مثل الجماهيرية الليبية والجزائر واليمن، حيث أعلنت ما تسمى قوى المعارضة هناك تنظيمها وقفات احتجاجية واعتصامات وما أسمته بأيام الغضب على أوضاعها الاقتصادية والمعيشية الصعبة وتفشي البطالة بين قواها العاملة بنسبة تزيد على 25%بحسب أحدث إحصاءات منظمة العمل العربية ومعاناتها من أوضاع اجتماعية ومعيشية شديدة الصعوبة رغم أن عديدا من هذه الدول تتمتع بثروات ضخمة كانت كفيلة لو أحسن استغلالها بتأمين مستوى معيشي لائق لشعوبها يجعلها بعيدا عن هذه الاضطرابات التي تستغلها بلدان وقوى غربية للإضرار بأمن العالم العربي واستقراره.

فوضي خلاقة

       ولا شك أنه بعد أن فاض كيل العديد من الشعوب العربية من مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية التي سيطرت على الدواوين الحكومية في أغلب البلدان العربية بالتوازي مع تورط الحاشية المحيطة بعدد من القادة في مظاهر فساد واحتكار ومتاجرة في أراض مملوكة للدولة وعمليات سمسرة وعمولات مشبوهة أثرت بالسلب على الأوضاع الاقتصادية في البلدان العربية حيث صبت معظمها لصالح فئات محدودة من المقربين، فيما ظلت الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية أسيرة للفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.

       واللافت أن تراجع دور الدولة في العالم العربي وتبني أغلبها لنظام السوق الحر وسيطرة ما يطلق عليه رجال الأعمال على أغلب المؤسسات كانت له عواقب وخيمة على معظم الاقتصاديات العربية و الأوضاع المعيشية في أغلب البلدان العربية حيث بقيت ملايين من شعوب دول عربية عدة تعيش تحت خط الفقر بدخل لا يتجاوز 2دولار أمريكي يوميا مما جعل فئات اجتماعية مهمشة في هذه البلدان ترفض هذا الضيم وتطالب ولاة الأمر بها بالتدخل لكبح جماح الفساد التي تجاوزت كلفته على الدول العربية ما يقرب من 25%من دخلها القومي لدرجة أن هذه الأوضاع دفعت احد خبراء الاقتصاد إلى التأكيد أن الدول العربية تستطيع مضاعفة دخلها القومي 400% إذا قلصت الفساد لحدوده الدنيا دون التطرق للقضاء عليه تماماً.

فقر وبطالة

       وكذلك وقف الفقر بوصفه واحداً من أسباب اندلاع موجة الفوضى التي سادت جنبات بعض  الدول العربية حيث أصبح يحاصر نسبة كبيرة من شعوب بعض الدول العربية مما أغلق أبواب الأمل أمام نسبة عالية من الشباب لتحسين أوضاعهم لدرجة أن التعليم الذي كان أداة للحراك الاجتماعي في عدد من الدول العربية لمدد طويلة لم يعد يشكل عملا مهما في هذا الإطار في ظل اتجاه مخرجاته إلى سوق البطالة في أغلب بلداننا إن لم تكن كلها مما شكل عامل ضغط على هذه الطبقات وجعلها تبحث عن أداة توصل بها رسالة غضب إلى قادتها علهم يتدخلون لرفع هذه المظالم والتصدي لهيمنة البطانة على النسبة الكبرى من الثروة والسلطة دون أن يسترعي اهتمامه هموم الأغلبية ومعاناتها وهي الرسالة التي أراد الشعبان التونسي والمصري  إيصالها لحكامه في بداية الأمر غير أنه لم يجد آذانا صاغية من  قبلهم مما حكم بنهاية درامية للمشهد الذي قد تمتد شرارته لبلدان مجاورة إذا لم تفهم تداعيات ما حدث.

        والواقع أن خسائر هذه الاضطرابات لم تقف بالطبع عند المشهد السياسي بل تجاوزته للصعيد الاقتصادي؛ حيث عانى الاقتصادان المصري والتونسي تداعيات هذه الاضطرابات، وعانت مصر من جراء هذه الأحداث بخسائر تجاوزات 12 مليار دولار في قطاع البورصة والأسواق المالية فقط ناهيك عن خسائر قدرت بحوالي 1.6 مليار دولار في قطاع السياحة نتيجة مغادرة ما يقرب من 150 ألف سائح لمصر أسبوعيا منذ اندلاع الأحداث بحسب تصريحات لرئيس البنك المركزي المصري  وتراجع في داخل قناة السويس بشكل يتجاوز 414 مليون دولار بالمقارنة بدخلها من الشهر نفسه خلال العام الماضي طبقا للمسؤول عينه  وهو ما تكرر بشكل مشابه في تونس التي تعد أحد أهم  المقاصد السياحية العربية.

        الخسائر الاقتصادية لم تتوقف عند هذا الحد، فطبقا لتصريحات صادرة عن وزراء المال في كل من مصر وتونس تراجعت نسبة صادرات البلاد بنسبة تتراوح ما بين 10,6% ؛ مما يشكل نوعا من الضغط على هذه الاقتصاديات ويحد من قدرة الحكومة على ضخ استثمارات في قطاعي السلع والخدمات والحد من نسبة البطالة، بل  يقلل من فرصتها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والحد من الاضطرابات الاجتماعية والأمنية التي هددتها في الفترة الأخيرة، بل تزداد احتمالات وصول عدواها  لدول الجوار، بل إن الاقتصاديات العربية قد تقاسمت الخسائر كل حسب طاقته وقربه من موقع الاضطرابات، فالأردن مثل تعرض لخسائر في مجال السياحة فاق الـ50مليون دينار نتيجة تراجع عائدات السياحة بعد إصدار السلطات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قرار بعدم زيارة المنطقة خلال هذه الفترة، بل إن دولا أخري قد تعرضت أسواقها المالية لخسائر جمة نتيجة هذا الاضطراب وتراجعت نسبة صادراتها ووارداتها نتيجة تصاعد مخاطر ونفقات نولون النقل .

        من البديهي الإشارة إلى أن الدور المتعاظم لأجهزة الأمن في البلدان العربية سواء من جهة أعدادها التي ارتفعت بصورة لافتة والميزانيات الضخمة التي تنفق عليها دون وجه حق قد أقض مضاجع الموازنات العامة للبلاد لدرجة أن ميزانيات وزارة الداخلية في دول عربية مشرقية قد وصلت لأعتاب 3 مليارات دولار تخصص أغلبها لآلاف المنتسبين لهذه الوزارات واستيراد أحدث ما وصل إليه إنتاج كبريات الشركات العالمية من المستلزمات الأمنية التي تستخدم في الأغلب الأعم في انتهاك حقوق الإنسان وإشاعة أجواء من الاحتقان تضر بشدة بالترابط والانسجام الاجتماعي في بلداننا، وكان من الأولي توجيه جزء كبير من هذه الميزانيات لمجالات التنمية المختلفة بدلا من بناء ترسانات أمنية تستخدم غالبا لتحقيق الأمن السياسي وليس الأمن الجنائي للمواطنين.

حقد طائفي

        أما الظاهرة المؤسفة التي عكستها الأحداث الأخيرة فتمثلت في تبني بعض القوى الإقليمية لمواقف تتراوح بين الشماتة والحقد في بعض الدول التي تعرضت لموجة الاضطرابات وهو ما ظهر جليا في حديث بعض سدنة الصفوية ومن لف لفهم في البلدان العربية من دعم هذه الاضطرابات والتدخل في شؤون هذه الدولة بغض النظر عن سيادتها، بل الإعلان عن دعمها لمواقف لا طائل منها إلا بث الفتنة والفرقة في بلدان المنطقة وإضعافها حتى يسهل لنظام الملالي وعملائه بسط نفوذهم وهيمنتهم في المنطقة والانتقام من هذه الدول التي وقفت حائلا في المنطقة دون انتشار المد الطائفي والتصدي للأجندة الفارسية.

        ولعل التدخلات الغربية وموجات المد الطائفي في المنطقة وأجواء التوتر والفتن التي تسود المنطقة خلال الفترة الأخيرة قد تشكل دافعا لأطراف الأزمة في أكثر من قطر عربي لإعادة النظر في مواقفها خصوصا أن هناك أطرافا عديدة تتربص بأمن دول المنطقة واستقرارها حيث تسعى لإشعال أجواء توتر تستغلها لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد واستغلال الفوضى لانتزاع تنازلات في قضايا عديدة تمس النسيج السياسي والاجتماعي والعقدي لبلدان المنطقة مما يدعو الجميع للتريث والبحث عن صيغة توافقية تلتزم فيها الرعية بطاعة ولي الأمر فيما يقوم الأخير بواجبه خير قيام نحو رعيته بما يكفل حياة آمنة مستقرة ويتصدى للفقر والبطالة والتخلف وسدنة الفساد الذين أذلوا أعناق الرجال واستحوذوا على أموال الشعب ونقلوها للخارج بطريقة أو بأخرى بدون وجه حق.

ترتيب البيت

       ومن هنا يبدو مهما التأكيد أن الشعوب العربية وحكامها مطالبون بعدد من الخطوات لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل وإصلاح ذات البين بين الطرفين وعلى رأس هذه الخطوات كما يؤكد السفير حسن شاش مساعد وزير الخارجية المصري السابق: البدء في حركة إصلاحات شاملة في عدد من الدول العربية «سياسية اقتصادية اجتماعية «جادة وحقيقية تقوم على الحقوق والواجبات بشكل يكرس التوازن بين الحاكم والمحكوم ويعيد الثقة بين الطرفين فهيمنة أي من الطرفين على الأحداث لا تبدو مقبولة في المرحلة القادمة.

        وتابع أن مكافحة الفساد وملاحقة المتورطين في نهب المال العام وتطهير البطانة في دوائر الحكم أصبحت ضرورة ملحة لإيجاد نوع من الاستقرار في المنطقة باعتبار أن هذه البطانة هي المسؤولة بشكل كبير عن الأوضاع السيئة حيث دائما ما تستغل انشغال القادة والرؤساء بقضايا مهمة لتقديم تقارير مضللة لهم عن الأوضاع مما يرسم صورة غير حقيقية عن الواقع ويزيد من الجفوة بين الحاكم والمحكوم.

        ويضيف: قد لعب المحيطون بدوائر القرار الدور الأكبر في شيوع الفساد في بلدان المنطقة فهؤلاء من نهبوا أموال البنوك وسطوا على أراضي الدولة وتورطوا في عمليات قذرة أضرت بالصالح العام وهو ما يستوجب اجتثاثهم إذا كانت هناك جدية في الإصلاح.

        ودعا الحكام إلى الاقتراب من شعوبهم وعدم إيجاد حواجز وقيود تمنع التماس معهم والتعاطي مع همومهم بإيجابية باعتبار أن التعامل معهم عبر التقارير يضر أكثر مما ينفع، بل يجعل الحكام بعيدين عن مشكلات مواطنيهم مما يؤدي لتضخمها وافتقاد القدرة على التصدي لها في مهدها.

بطانة صالحة

        وفي الإطار نفسه شدد د.محمد عبد المنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر على أن ديننا الحنيف ركز على أهمية اختيار البطانة الصالحة والمستشارين الأمناء باعتبار هؤلاء عين أولي الأمر على شؤون الرعية وقرأننا الكريم واضح على هذا الصعيد {يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات أن كنتم تعقلون} (آل عمران: 118)؛ لذا فمن توفيق الله أن ينعم على ولي الأمر بالبطانة الصالحة التي توجهه إلى الطريق المستقيم وتقدم له النصح والإرشاد في القضايا المهمة بشكل يجعله قادرا على اتخاذ القرار السليم.

        ونبه البري إلى ضرورة قيام العلماء ورجال الدين بدورهم في تقديم النصح والمشورة للحكم طبقا «الدين النصيحة» معتبرا أن تراجع دور العلماء عن الاضطلاع بأدوارهم  قد أسهم فيما وصلنا إليه من حالة افتقاد الثقة بين الحاكم والمحكوم لافتا إلى أهمية وجود قنوات بين العلماء والأمراء بشكل مستمر ومؤسسي حتى لا يحدث  انفصال بين أهم طرفين في معادلة الأمن والاستقرار والطمأنينة للأمة ولا يجب أن ننتظر إلى أن تقع  الجفوة بين الطرفين بشكل  يفتح الباب للفتنة والشقاق ويستغله أعداء الأمة المحمدية للكيد لها بل علينا كذلك أخذ المبادرة لاستعادة الثقة بين أبناء الأمة المحمدية لتصير خير أمة أخرجت للناس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك