رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ناظم المسباح 13 يونيو، 2018 0 تعليق

الظلم ظلمات يوم القيامة


فهم المراد من الظلم في لغة العرب يعين على فهم المقصود منه في شرع الله تعالى على الوجه الصحيح؛ لأن الله -تعالى- أنزل كتابه بلسان العرب: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}؛ فإذا تصفحنا معاجم اللغة نجد أن معنى الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل: من استرعى الذئب فقد ظلم، وذلك أنه وضع الذئب في غير موضعه، وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد، والظلم كذلك الميل عن القصد.

من مظاهر الظلم

مظاهر الظلم كثيرة، ولكن يمكن حصرها تحت النقاط الآتية:

ظلم الإنسان لنفسه

ويكون ذلك بارتكاب الذنوب والخطايا، والله -تعالى- حرم علينا ذلك، قال -تعالى-: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.

ظلم الإنسان لإخوانه

     ويكون ذلك بالتعدي على أعراضهم، أو بالتعدي على أبدانهم، أو بالتعدي على أموالهم، وكل هذا محرم، قال صلى الله عليه وسلم : «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت». وقال ذلك في خطبة يوم عرفة المشهورة في أكبر جمع حضره.

تغيير ما شرعه الله -تعالى.

الأخذ بالقوانين الوضعية بدل شريعة السماء السمحاء، وهذا من أعظم الظلم، قال -تعالى- واصفا الحكام الذين لا يحكمون شريعته: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وذلك أنهم وضعوا الأمور في غير موضعها.

عدم المساواة في تطبيق القوانين

     هذا فساد في الأرض، يؤدي إلى فشو البغضاء والشحناء بين طبقات المجتمع، ويوقف عجلة التقدم والتطور فيه، ويؤدي في النهاية إلى الهلاك، قال -عليه الصلاة والسلام- في سرقة المرأة المخزومية: «إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».

فيجب على ولاة الأمر أن يطبقوا حكم الله على الشريف والضعيف، ولهم قدوة في ذلك بإمام المرسلين؛ حيث قال: «والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

ظلم الحيوان

     مثل أن يذبحه عبثا، كما إن التسلي والترفيه بإقامة صراع الديكة والكلاب والثيران، هذا كذلك من الظلم، أو أن يوضع هدف للترامي بنبل أو سلاح فقد بين -عليه الصلاة والسلام-: «أن امرأة عذبت في هرة، حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها حتى تأكل من خشاش الأرض».

كما لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مثل بالحيوان، أخرج البخاري في صحيحه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من مثل بالحيوان».

وعن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عمر -رضي الله عنهما-، فمروا بفتية أو بنفر، نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، وقال ابن عمر: «من فعل هذا؟ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من فعل هذا».

الله تعالى منزه عن الظلم

     الله -تبارك وتعالى- يوصف بمحامد الصفات، وينزه عن النقائص، والظلم منقصة، نزه الله نفسه عنها في أكثر من موضع في كتابه، قال -تعالى-: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}، ومثلها في الأنفال والحج، وقال -تعالى-: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}، ومثلها في سورة (ق). وقال -تعالى-: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة..}، وقال -تعالى-: {ولا يظلمون فتيلا}، وقال: {ولا يظلمون نقيرا}، وقال: {إن الله لا يظلم الناس شيئا}، وقال: {ولا يظلم ربك أحدا}. قال -سبحانه- في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..» والإيمان بتنزيه الله عن الظلم يورث في القلب محبة الله -تعالى.

الظلم من طباع نفوس الشر

     يشهد بهذا الخبير العليم -سبحانه وتعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، وظلوم: أي كثير الظلم لنفسه ولغيره، وقال -سبحانه-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}؛ فالإنسان ظلوم جهول بعواقب أموره، ولا يرتدع عن الظلم إلا بسبب علة، قد تكون هذه العلة وازعا دينيا أو قانونا صارما، وصدق المتنبي حين قال:

والظلم من شيم النفوس

                          فإن تجد ذاعفة فعلة لا يظلم

ووصف الخبير العليم للنفس بهذا، يستلزم طلب العلاج لها من هذا الدعاء، والله -تعالى- أمرنا بتطهيرها مما يدنسها: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، وتكون تزكيتها بمجاهدتها وفق منهج الله -تعالى.

الظلم مراتب

     الظلم يتفاوت، فليست مراتبه وعواقبه سواء عند الله -تعالى-، عن عبدالله قال: لما نزلت هذه الآية: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على الناس، وقالوا: يا رسول الله، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم} إنما هو الشرك.

     فالصحابة -رضي الله عنهم- فهموا الظلم على عمومه في هذه الآية، فصحح فهمهم - صلى الله عليه وسلم - وبين لهم المقصود من الآية. فالمسلم الحق، لا يسوي بين الظالمين في العقوبة والمعاملة، بل يعامل كل ظالم على قدر مظلمته، وبهذا تأمر شريعة السماء العادلة {وجزاء سيئة سيئة مثلها..}.

حكم الظلم

الظلم محرم في شريعة الله -تعالى-، حرمه -سبحانه- على نفسه، وعلى عباده، وتوعد الظالمين بعذاب آليم في الدارين؛ وذلك لما له من عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمعات.

قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا..».

والآيات والأحاديث التي تنهى عن الظلم كثيرة معلومة، سيأتي منها الكثير في ثنايا الموضوع.

موقف المسلم من الظالمين

عدم محبة الظالمين؛ لأنه يوافق ربه في ذلك: {إنه لا يحب الظالمين}، ويبغضهم على قدر مظلمتهم، فليس بغضه لمن أشرك كبغضه لمسلم وقع في معصية دون الشرك.

     الإنكار على الظالمين، حسب قدرته؛ لأنه يدرك أن للظلم آثارا قد تتعدى فتصيب الصالحين قال -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، والمنكر ظلم. وقال -تعالى-: {لَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}. فالمسلم السوي لا يركن للظالمين، والركون كما بين العلماء: الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به.

والمقصود بالذين ظلموا في هذه الآية هم أهل الشرك وعصاة المسلمين من حكام وغيرهم، وهذه الآية دلالة على هجران أهل الكفر، والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر ومعصية.

وصدق من قال:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

                                                     فكل قرين بالمقارن يقتدي 

موقف المسلم من المظلومين

الظلم لا ينقطع بين الناس، وما أكثر المظلومين في عالمنا من المسلمين وغيرهم! وموقف المسلم من هؤلاء محدد، وهو نصرة هؤلاء على حسب قدرته، ولا يحل لمسلم أن يسلم أخاه ويتخلى عنه وهو يستطيع نصره؛ وذلك لورود النصوص الآتية في هذا:

     عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: اقتتل غلامان غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجري يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري، يا للأنصار فخرج رسول الله -[- فقال: «ما هذا؟ دعوى الجاهلية»، قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر قال: «فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه؛ فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره».

     دل الحديث على وجوب نصرة الأخ لأخيه، كما فيه كره النبي -عليه الصلاة والسلام- لدعوى الجاهلية؛ حيث استغاث كل من المهاجري والأنصاري بقبيلته؛ لأنهم كانوا يأخذون حقوقهم بالعصبيات، والإسلام أبطل هذا، وجعل أخذ الحقوق بالأحكام الشرعية. عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربته، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».

دل الحديث على فضل إعانة المسلمين، وتفريج مصائبهم، وستر زلاتهم، ويكون ذلك بنصرتهم بماله، أو جاهه، أو مساعدته، أو مشورته ورأيه.

عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

إذا أصيب عضو من بدن الإنسان، فنجد الجوارح جميعها تتناصر وتتعاون في دفع هذا الضرر، وهكذا ينبغي أن يكون المسلمون في نصرتهم لبعضهم بعضا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك